سؤال الساعة.. عن الخطة ب؟!
كل يوم إضافي من التعطيل يعني المزيد من الخسائر لدرجة أن بعض الشركات لن تقوم أبدا. لم أقرأ تقديرات محلية عن أرقام الخسائر، لكن في الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي، تصدر أرقام تريليونية عن هبوط الناتج المحلي والخسائر، وتوضع سيناريوهات للفترة القادمة أقل أو أكثر تشاؤما، إنما أكثرها إرعابا هو عودة الوباء في دورات متوالية يرافقها بالضرورة إجراءات إغلاق وانفتاح لحين ظهور لقاح فعال ونهائي، وهو أمر غير محسوم مع احتمالات تكيف سلالات للفيروس ربما أكثر شراسة لا تنفع معها اللقاحات السابقة. وكان الرئيس ترامب قد تهور بإعلان عيد الفصح (الأسبوع القادم) موعدا لنهاية الإغلاق (لكي يحتفل الناس في الكنائس) فلاقى موجة استنكار ساخطة وتراجع عن هذا الجنون.
عندنا بدأ التململ من أوساط اقتصادية تطلب المزاوجة بين التباعد الاجتماعي وعودة الأعمال، وظهرت كتابات وآراء تحذر من المخاطر الاقتصادية وتطلب أو تقترح خططا مالية واقتصادية حتى أن الوزير ورئيس ديوان التشريع السابق نوفان العجارمة اقترح “قرار دفاع” ماليا بوضع أكثر من مليار دينار من أموال البنوك المتوفرة من تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي (لدى البنك المركزي) من 7 % الى 5 % تحت تصرف الدولة للإنفاق على الأزمة، لكن آخرين مثل نائب رئيس الوزراء السابق د. ممدوح العبادي استنكر بشدّة تقديم الحسابات الاقتصادية على الصحة الآن، ويفضل إعطاء الأولوية المطلقة للإجراءات الصحية الوقائية مهما كلف الأمر. ويبقى النموذج الإيطالي المأساوي مثالا لنتيجة التهاون أو التباطؤ في الإغلاق التام وكذلك حال دول أخرى افترضت أن الخسائر الاقتصادية المترتبة على الإغلاق ستكون أسوأ من الوباء الذي سيأخذ مداه ثم ينحسر على كل حال.
الجدل الاقتصادي سيفرض نفسه أكثر مع استمرار التعطل العام، والدولة لا تبدي أي استعداد للتراخي، بل يؤكد وزير الإعلام احتمال العودة تكرارا الى الحظر الشامل للتجول كلما اقتضى الأمر ذلك، لكن هناك توجه لإعادة بعض القطاعات الى جانب الأنشطة التي تديم تدفق السلع والخدمات الضرورية.
السياسة المعتمدة هي استمرار الإغلاق حتى دحر الوباء كما حدث في الصين. وهو ما يعني أن يمرّ أسبوعان على الأقل من دون ظهور أي حالات جديدة. ويتحفظ وزير الصحة على وضع أي توقعات أو مواعيد، لكنه يأمل تلميحا أن يحدث ذلك خلال الشهر الحالي. ويلقي المسؤولون رهانهم بالكامل على خطة التشدد لمحاصرة الوباء وتجفيف الأرض حوله ويغضبون فعلا ويتوعدون بالعقوبات للتجاوزات التي تهدد الخطة بالفشل، فهم في سباق مع الزمن ويعرفون أن البلاد لا تحتمل الإغلاق لزمن مفتوح. لقد مكنت سياسة الإغلاق المبكرة من ضغط توسع الوباء الى أدنى حد، فبعد شهر ونيف ما زلنا في خانة المئات (حتى بافتراض وجود ثلاثة أضعاف المعروف من الحالات)، وهذا نجاح باهر مقابل ما حدث في دول أخرى انتقلت أسبوعا بعد آخر من العشرات الى المئات الى عشرات الآلاف، وبعضها تجاوز حاجز المائة ألف، وحتى نهاية الأسبوع قد تتجاوز الإصابات في العالم حاجز المليون الثاني.
السؤال المحض الذي يطرح نفسه.. ماذا لو استمر ظهور حالات جديدة عندنا في الأسبوع القادم، والذي يليه، والذي يليه؟! هل هناك خطة ب إزاء هذا الاحتمال؟! الأرقام هذه الأيام تتذبذب وليس لها اتجاه ثابت، وإذا استمر هذا الحال فسيكون مطروحا لا محالة عودة تدريجية للأعمال مع دليل إجرائي للتباعد الاجتماعي والوقاية مثل استخدام القفازات والكمامات والمطهرات وإقامة السلطات نظاما فعالا للمراقبة والتتبع والعزل للأماكن والأفراد المشتبه بهم. لكن من يستطيع أن يفترض أن خطة كهذه ستنجح؟! ألا نغامر بالوقوع في الفخ وعودة الوباء الى توسع يضرب كل ما أنجزناه؟!
في كل الأحوال، لا بد من ابتداع تصور ما للجمع بين الوقاية والتباعد والعودة الى الأعمال في القطاعين العام والخاص. لن توضع اليوم أي مواعيد لإنهاء الإغلاق. لكن مناقشة الخطة ب ستفرض نفسها خلال أيام إذا ما استمر تذبذب الأرقام.
الغد