الرواشدة تكتب: العنجهية الإنسانية في مواجهة الطبيعة الغاضبة

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/09 الساعة 14:13
بقلم هبة الرواشدة تقف فلسفة "النزعة الإنسانية" اليوم على المحك، بعد أن سعى أصحابها منذ عصور النهضة إلى تحرير الإنسان من الخوف الدائم من العالم ومكوناتة الحية والجامدة، خصوصًا في ظل تكشف خيوطه التي تصلح لنسج ما هو في صالحنا، غير أنهم خسروا معاركهم ضد من تصدوا للانفتاح على المجهول بصفته لغزاً عصياً على النفس البشرية هذه المرة كما في المرات السابقة حين تُمنح الأوبئة الأدوار الرئيسة، فلا يمكنهم محو الخوف العارم من قوىً لا مرئية، لنعود أدراجنا من العولمة إلى السجن الكبير ونحكم إغلاق أبوابه . وكما في السجون تكثر التأويلات لأحداث غير منجزة كهذه، ونرسم خاتمة لائقةً أحياناً وأحياناً نسرف باستحضار التاريخ، الذي يقدم نهايات على مقاسنا، وإذا ما تبنينا هذا الطرح سنكون أمام سيناريو مكررٍ حد الملل حين تغضب الطبيعة وتشد الأذن و تفرد عضلاتها لضرب الحضارة عرض الحائط وفضح بدائيتنا، هذا التكرار إحدى أوجه ديناميكية التاريخ كما يوضح ابن خلدون بوصفه كائناً ذي باع طويل في رسم الحاضر بترك بصماته هنا وهناك، من خلال تسخير كل العوامل لتحقيق الغاية حتى البيولوجية منها، إذ يراهن على أننا في كل مرة نخرج خاليين من المعرفة، وبالتالي من السهل أن نُلدغ من ذات الجحر، كما لُدغنا بأوبئة كالكوليرا، والجدري، والطاعون الأسود التي لا نجرؤ على القول أن المردود المعرفي منها كان ضحلاً في حين لم تفصلنا عنها حقب زمنية بعيدة!. على كل حال يتسمر العالم أمام فيض من الأحداث التي قادتنا إلى المربع الأول، حيث ينهش الخوف فكرتنا عن الغد بكامل امكانياته، فهو في حقيقة الأمر جل ما نعول عليه، فلم نعهد الاكتفاء باليوم كبعدٍ زمني يستحق الإحتفاء به، وأنفقناه في سعينا الدائم نحو القادم، وأكثر ما يرعبنا أن تخسر تجارتنا ونخرج صفر اليدين، ونحن نترنح بين الشمولية و الذاتية وإدراكنا أننا جميعاً خيوطاً في هذا الرداء، وإننا بشكل أو بآخر نتقاسم الحلبة، وعلينا ضبط خطوات الفرد لينجو العالم، وضبط خطوات العالم لينجو الفرد، وهو ما يصعب تطبيقه في غياب الوعي المسبق بأهمية وجودنا كأفراد وجماعات ضمن خوارزميةٍ واحدةٍ تحكم الكون وتشد على يده كلما تجاهلناه ليعيد إلى الأذهان سطوته من حيث لا ندري. تقبلك أن العالم المادي لا يبقي الشيء على حاله كما يقول إيكارت تول الكاتب الألماني الأصل، ليس سوى بداية لتقبل الوضع الراهن، ولربما تجاوزت هذا الحد وتصالحت مع محدودية قواك في تغيير الرياح كما تشتهي سفنك، واستمعت بالموج والوجهة على حد سواء نحو العالم الجديد، الذي استطاع الاقتصاديون وعلماء الاجتماع حتى الفلكيون التنبؤ به، ولكن لا يستطيع أحدٌ التنبؤ بمدى توغله في كل أشكال الحياة سلباً أم إيجاباً، وعلى كافة المستويات حتى أقلها أهمية في المنظور العام، فلم تعد الخيارات متنوعة، وليس أمامنا سوى التعايش مع خروجه عن السيطرة كطفلٍ مدلل .
  • منح
  • رئيس
  • تقبل
  • اقتصاد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/09 الساعة 14:13