بيضون يكتب: الاستغباء
بقلم المحامي د. مهند بيضون
ينتج عادة عن الأزمات والأحداث إيجابيات وسلبيات، فما نجم عن قصة الكورونا من إيجابيات هو بناء جدار من الثقة بين عامة الشعب وبين الحكومة، وهذا ما لم نستشعره في الحكومات المتعاقبة السابقة، فأكاد أجزم بأن هناك إجماعا جماهيريا شعبيا على أن الحكومة الحالية تعمل بقصارى جهدها، وبكل ما أوتيت من قوة وحسب المتاح لديها ولا تدخر جهدا في سبيل الوطن، سواء أكان ذلك في الوضع الراهن أو قبله، ولا زالت تبذل وتبذل جهودا جبارة، وهذا لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، إذ لا بد من تقديم الشكر والثناء لها على ذلك لما ساهم في تعزيز الثقة مع أطياف الوطن، وإن الجهود المبذولة من رئيس الوزراء وبشكل خاص من وزير الصحة ووزير الدولة لشؤون الإعلام ومن يرافقهم في الكواليس من الجنود الأوفياء لعقيدتهم ووطنهم ما يحس وما يجس وما لا يخفى.
وأمام هذا الخضم وبعد بناء هذا الجسر المنيع، تظهر شرذمة بمنتهى الأنانية حيث لا شعور ولا إحساس بالمسؤولية إنما الشراهة والجشع ديدنهم، بل إن تجار الحروب ومصاصي الدماء يتعلمون منهم، فعلى الرغم من الضيق الاقتصادي وتبعثر الأوضاع وتعقيدها لدى الغالبية الساحقة وما تعانيه الدولة، وهو الوقت الذي نحتاج فيه إلى الوحدة والتكاتف وتقاسم رغيف الخبز ، ففي الوقت الذي طالب جلالة الملك من الجميع تحمل المسؤولية وأن القانون وجد لحماية الجميع، وأن أحدا لا يعلو فوق القانون، وحتى أن وزير الصحة قد (نشف ريقه) مع غيره وهم يطالبون الناس بالبقاء في منازلهم تحت شعار ( خليك في البيت ) لمنع إنتشار الوباء والسيطرة عليه ما أمكن لذلك سبيلا، عند ذلك يظهر من يحاول ركوب هذه الموجة بتأييد ذلك ظاهريا في مشاهد درامية استعراضية ، ولكن بواطنهم عكس ذلك تماما، فخفاؤهم كان أعظم؛ حيث الإتجار بأرواح الناس من خلال العمل على تفشي الوباء وانتشاره والمساعدة على ذلك، فكلما طال أمد الوباء والحجر، فيعود عليهم ذلك بالكسب والربح أكثرا فأكثر سيما مع استغلال الموقع والنفوذ والعلاقات خاصة مع المستثمرين والأثرياء..
فتراهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون فتنطبق عليهم الآية القرآنية : " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " (سورة الصف) ، وقوله تعالى : " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ٤٤" (سورة البقرة) .
إن في الخروج عن أوامر ولي الأمر ، يعتبر مخالفا شرعا إضافة إلى مخالفة القوانين والأنظمة والتعليمات سيما في أوقات الأزمات فهو أولى وآكد ..
لا أعلم كيف يفكر أمثال هؤلاء، هل هو تجاوز لأوامر السلطات العليا وضرب بها عرض الحائط وبتوجيهاتها، أم هو ممارسة لسياسة استغباء العامة ظنا منهم بأنهم لا يدركون مخططاتهم ولا يفهمون مآربهم باستهتارهم في أرواحهم وعقولهم !
لذلك ، فإنه ينبغي على كل من ثبتت عليه هذه المخالفات وثبت تورطه وتواطؤه، لا بد من كشفهم أمام الكافة ومحاسبتهم بمحاكمة علنية بعد تنسيب الجرائم المذكورة ومن ثم ضربهم بيد من حديد، هم وكل من تسول له نفسه تعكير الصفاء والاخلال بالأمن والأمان ومخالفة التوجيهات والقوانين والتلاعب بمقدرات الدولة وبأرواح الناس والإتجار بها واستغلال الظروف، لا أن يكتفى بتحميل المسؤولية لمن هم أقل شأنا فحسب، فخطر هؤلاء أفتك من الكورونا نفسه بالنظر إلى مآلات أفعالهم، فطول أيديهم لا يمنعه حظر ولا خطر! ولا بد من متابعة جيوبهم وتدقيق مصادرها في جميع الوظائف التي تقلدوها ومن ثم إدراجهم في القوائم السوداء وعدم إعادة تنصيبهم في مواقع الدولة بل وتجريدهم من ألقابهم، وأخيرا إعادة ما تطاولت أيديهم عليه إلى الخزينة العامة.
لمثل هؤلاء نقول : كفى استخفافا وإستغباء .