المعلا يكتب: أردن التحديات والصمود (أزمة كورونا)

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/08 الساعة 21:37

كتب: الدكتور عايد المعلا *

ان الأزمات السياسية التي تعيشها المنطقة لا شك انها ترتب على الأردن تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين دخلوا المملكة على مر العقود الماضية.

استطاع الاردن ان يكون الصدر الواسع للأخوة العرب والملهوفين من شتى العالم. حيث شهد العقد الماضي الكثير من الصراعات في المنطقة المحيطة بالاردن وبعض الدول العربية، وعلى الفور وبدون تردد بادر الاردن شعباً وقيادة هاشمية حكيمة ورحيمة باستضافة ما يقارب مليوني لاجئ ومقيم من الاخوة السوريين، وأكثر من 636 ألفاً من الاخوة المصريين، ومايقارب 50 ألفاً من الاخوة العراقيين، وكذلك عدد من الاخوة اليمنيين ويقدرون بـ 27 ألف يمني.

وبالرغم من ان الاردن يعاني من شح في موارده وإمكانياته المالية المتواضعة، الا إن الشعب الأردني لم ولن يكون الا مضيافاً صبوراً يعمل ما يستطيع للتخفيف عن الاخوة الهاربين من اوطانهم بسبب الحروب الدائرة. حيث يشارك الاخوة العرب المواطن الأردني في قوت يومه، ويزاحمونهم في كل المستشفيات والعيادات والدواء والوقود وكل مناحي الحياة. ويقدم الاردن للاخوة الضيوف من العرب والذي يقدر عددهم بثلاثة ملايين كل ما يحتاجونه فيما يتعلق بالعملية الطبية لمواجهة وباء كورونا المخيف. فالحس الانساني هو ماينادي به الملك عبدالله الثاني في كل المحافل الدولية منذ اندلاع الحروب في المنطقة وهو كذلك عنوان كل اردني.

يواجه العالم كارثة صحية جديدة خطيرة والمتمثلة بوباء كورونا, حيث سارعت الكثير من دول العالم بالتحذير من هذا الوباء وقامت باجراءات احترازية متشددة. وعلى الصعيد الاردني فقد قامت الحكومة الاردنية بتوجيهات ملكية حكيمة ومسؤولة بإتخاذ اجراءات احترازية صارمة ومن اهمها اقرار قانون الدفاع وحظر التجول ومنع التجمعات واغلاق دور العبادة وتعطيل المؤسسات الحكومية والخاصة. وقامت بحزمة من الاجراءات التي سهلت للمواطنين الحصول على احتياجاتهم دون تجمعات وبطرق ميسرة وسهلة للمحافظة على سلامتهم. وتعتبر الاجراءات الحكومية الفريدة من نوعها بالعالم وراء انخفاض اعداد الإصابات في الأردن حتى اللحظة اذا ما تمت مقارنته بدول مجاورة او قريبة. من جانب آخر, سارعت وسائل الاعلام العالمية بالحديث عن الاردن واهتمام الملك مباشرة وعن كيفية تعامل الحكومة الواعي والممنهج والعلمي مع وباء كورونا. حيث نشرت الكثير من الوسائل الاعلامية العالمية مثل سي بي اس الامريكية وصحيفه فوخن شبيغل الالمانية وكثير من وسائل الاعلام في الدول العربية كقناة العربية والجزيرة.

الاردن استطاع في هذا المنعطف التاريخي الاستثنائي ان يحقق تميزاً وإنجازاً عظيماً في مكافحة جائحة كورونا حيث تكاتفت فيها أركان الدولة الثلاثة، مؤسسة العرش بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، والحكومة بشقيها المدني والاجهزه العسكرية والامنية، والشعب الأردني، حتى اصبح مثالا للعالم عجزت أقوى الدول عن تحقيق مثل هذا الإنجاز. ومن جانب آخر, وفي مقال نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، لكل من العاهل الأردني ورؤساء كل من ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، وسنغافورة حليمة يعقوب، وإثيوبيا سهلورق زودي، والإكوادور لينين مورينو غارسيس. حيث اكدوا على ضرورة توحيد الجهود الدولية من أجل "تحالف عالمي" في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.

الاردن عزيز النفس, ولكن هناك اصدقاء للاردنيين وعلى رأسهم اصدقاء للملك والملكة اصروا ان يقدموا شيئاً للاردن في هذا الظرف الصعب الذي يمر على العالم. حيث قام رجل الأعمال الصيني جاك مؤسس مجموعة "علي بابا" الصينية للتجارة الالكترونية والصديق المقرب للملك والملكة، بتبرعه بـ100 ألف شريحة فحص لاختبار فيروس كورونا المستجد, وكما قام رجل الاعمال ايمن النوايسة والمغترب في روسيا بالتبرع ب 40 جهازاً تنفسياً متطوراً.

هنا نتوقف ونحيي الأردنيين المقيمين على ارض الاردن الحبيب, الذين يضربون أروع الأمثلة بالتكافل الاجتماعي في تقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين من كافة الجنسيات وتقديم التبرعات لصندوق "همة وطن"، مؤكداً أن هذا التكافل يأتي اقتداءً بنهج جلالة الملك عبدالله الثاني والذي يتلمس دائماً احتياجات المواطنين في مناطق المملكة كافة. حيث بلغ تبرع الاردنيين لغاية مساء اليوم الثلاثاء 7 ابريل 67 مليون دينار.

ان العالم قادم على كثير من التحديات وفي كل المجالات السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية وخاصة الآمن الغذائي, والاردن جزأ لا يتجزأ من هذا الازمة والتي ستؤدي حتماً الى الكثير من التحديات وعلى الأصعدة المختلفة وعلى كافة المستويات وفي كل الاتجاهات، فهناك تحديات اقتصادية معقدة وخاصة في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات المحلية، وهناك تحديات اجتماعية لا تقل خطورة عن سابقتها، وهناك تحديات إدارية وتنظيمية في كل مرافق الدولة بالغة الأهمية، وهناك تحديات تربوية وتعليمية لا ينكرها المختصون جميعاً وخاصة مع توقف المؤسسات التعليمة طول الفصل الدراسي الثاني والاعتماد على التعليم عن بعد، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية والكلف المترتبة جراء الجهود الكبيرة التي قامت بها خلال ازمه كوونا والتي قدمت أنموذج نفتخربه.

لذلك يتطلب مراجعة شاملة لكل المجالات وكل القطاعات والتي تستحق الاهتمام الكافي والمعالجة المناسبة، ولابد من جدولتها على سلم الاولويات؛ لأنها مترابطة ومتشابكة و يترتب بعضها على بعض. أن الاردنيون في أردن الهواشم بلد التحديات والصمود قادرون على مواجهة التحديات مهما كانت درجتها من التعقيد والخطورة، وعلينا مواجهة التحديات من خلال استغلال الفرص المتاحة بالاستغلال الامثل للموارد والامكانيات المتاحة لنا وكذلك في الرؤية المستقبلية والخطة الاستراتيجية بعيدة المدى في كل القطاعات.

ان عماد النهضة في العالم المتطور والمتقدم نجده بالاهتمام الكبير والمستمر بالعنصر البشري, ولذلك علينا ان نضع استراتيجية وطنية جديده لكل قطاع من القطاعات المهمة تركز على إعداد العنصر البشري الأردني الذي يجب أن يتحمل المسؤولية بكفاءة، وان يكون قادر على إنجاز كل مايوكل له بمهنية وكفاءة عالية، وان يتسلح بمقومات العلم الحديث والقدرة على التطوير لاستمراية عملية البناء، وهذا يحتم علينا إعادة النظر في الاستراتيجية التعليمة لكافه المستويات للخروج من التعليم التقليدي (التلقين) الى التعليم الحديث (التكنولوجي) وذلك بالتركيزعلى المراحل الاساسية سواء كان على صعيد المدارس اوالجامعات للوصول بمخرجات مؤهلة تتعامل مع العالم الرقمي المتسارع.

ختاماً اناشد جميع مكونات المجتمع الأردني الذين اثبتوا للعالم انهم شعب واعٍ وحضاري إلى الانخراط بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية من خلال الالتزام في كل الجهود الرامية الى الحد من إنتشار الفيروس من خلال تنفيذ كل التعليمات الواردة من الحكومة.

ان الحكومة والقوات المسلحة الجيش العربي والاجهزة الامنية والكوادر الطبية والنقابات المهنية كلها تعمل في خندق الوطن بطريقة لم يشهد لها مثيل في العالم. كل التحية والتمنيات لهم بالتوفيق والنجاح والسلامة لما يقومون به من جهود جبارة للحفاظ على سلامة المواطنين من جائحة كورونا الاستثنائية.

* جامعه الزرقاء

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/08 الساعة 21:37