شركس يكتب: أزمة كورونا ودروس قيد الاستفادة

مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/07 الساعة 19:43
مدار الساعة - كتب: الدكتور غازي شركس.. استشاري الوبائيات. مدير الأمراص الصدرية وصحة الوافدين. وزارة الصحة فجأة أفاق العالم على وقع فيروس خطير مجهول بدأ باجتياحه تدريجيا حيث ظهر بدولة الصين وتفشى فيها ثم تطور سريعاً ليصبح جائحة عالمية طالت معظم دول العالم ومنها بلدنا الحبيب. من المعروف في قتال العدو ان عنصر المفاجأة يكون حاسما سواء حين يفاجئنا العدو او نفاجؤه. لم يفاجئنا الفيروس بل فاجاناه باجراءات حاسمة متدرجة متسارعة بدءا من منع التجمعات ثم تعطيل المدارس والجامعات واغلاق دور العبادة وحظر التجول الشامل واغلاق الحدود وحجر جميع القادمين الى الأردن. كانت اجراءات جيدة استمرت كلها ولم يستمر حظر التجول الشامل وهنا فقدنا الفرصة بحصر الحالات وقد كانت وافدة فقط ومنع انتقالها المحلي. ومع ذلك فقد قللنا باجراءاتنا الشديدة زخم الانتشار وتفاقم العدوى. بدأ التصدي للجائحة بتوجيهات ومتابعة حثيثة من جلالة الملك عبدالله بن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهما الله حيث تعاملت حكومتنا الرشيدة وخاصة وزارة الصحة والأجهزة الأمنية والمواطنين بقدر عال من المسؤولية رغم وجود هفوات هنا وهناك الا اننا بدأنا نلمس تغييرا في سلوك الناس والتزاما بالتباعد واتباع اساليب الوقاية. في معالجة الأوبئة تلجأ السلطات الصحية لعزل البؤر الساخنة وتسمى هذه البؤر بأسماء تدل عليها وقد تشعر من داخلها بنوع من الاحراج والوصمة ولكن ليتحقق الهدف من العزل تذكر البؤر بمسمياتها كي يقوم المخالطين بالفحص الطوعي ويمنع من يحتمل اصابته من نقل المرض الى الجوار وأشدد هنا على أهلنا المتأثرين بهذا الا يأخذوا الأمر بمفهوم الوصمة او العيب. وفي الاوبئة يكون لتأخر المخالطين للحالات المثبتة بالفحص أثرا سيئا على ضبط العدوى ومنع سلسلة التفشي بينما قد يلجأ بعض المخالطين الى اجتهادات بحجر انفسهم دون اخبار السلطات الصحية وفي هذا خطأ كبير فمنظور السلطات الصحية في تتبع المخالطين يفوق منظور المخالطين ولديهم اجراءات بالتقصي الوبائي لا تخطر على بالهم أيضا. عندما يكون الفيروس مجهولا وطرق العدوى فيه غير محسومة تماما فان السلاح الفعال ضده هو التزام البيت تماما حيث يحصر الاختلاط بأفراد العائلة الواحدة مما يمنع التفشي تماما وهذا يتحقق بحظر التجول التام. أما في الحظر الجزئي فيجب على كل من يخرج من المنزل للتسوق ارتداء القفازات والكمامات بالطريقة الصحيحة والتخلص منها حين العودة وغسل الايدي جيدا وتعقيمها وهذا درس مستفاد نقترحه لأننا نلاحظ اكتظاظا في الأسواق والمحال التجارية عند التسوق كما يجب على الباعة اتباع نفس الوسائل ويجب ان توضع الكمامة بشكل صحيح يغطي الأنف والفم وخلاف ذلك لن تحمي الكمامة من يرتديها. ان فيروس كورونا شديد العدوى ومن المحتمل ان يصيب ٨٠% من الناس بحيث تكون اصابتهم خفيفة الى متوسطة وفي حوالي ١٠% قد تكون الحالات شديدة تستوجب العلاج في المستشفيات بينما تكون نسبة ٥% بحاجة الى غرف العناية الحثيثة او أجهزة تنفس اصطناعي وهنا تكمن أهمية تجنب الاصابات الجماعية كبيرة العدد التي ترهق النظام الصحي وهذا ما يحققه التباعد الاجتماعي حتى لو لم تكن هناك اصابات سيما ان نسبة ٣٠% من حالات الاصابة تكون بدون أعراض. الحرب ضد هذا الفيروس مستمرة ولا يوجد مساحة للتراخي فلا نعرف تماما متى تتوقف العدوى ولا نعرف ان كانت ستزول باختلاف الفصول ولا نضمن عدم عودة الفيروس بضراوة. لكن هذا لا يستوجب الهلع بل الحذر فعلينا التعود لفترة غير محددة على نمط من التباعد الاجتماعي واستخدام اساليب الوقاية وستتوضح هذه الفترة بحسب المعطيات الوبائية التي يقررها الخبراء. في هذه الأزمة تبرز حقيقة أن تجاوزها يعتمد على المواطن بالدرجة الأولى وكل أجهزة الدولة ولكل دور يجب القيام به ولكن دائرة الوقاية تبدأ من وعي الناس فلا رقيب لصيق عليهم الا أنفسهم وان لم نلتزم بمعطيات المرحلة فاننا نطيل أمد معاناتنا. يبدو من المخالفات المتعددة ان الحجر المنزلي قد لا يؤدي الغرض تماما بعكس الحجر الالزامي الذي يفرض التباعد ويمنع العدوى. أما عن المرحلة الحالية فيتساؤل الكثيرون متى ينتهي القلق حيث ان التذبذب الواضح في عدد الحالات وعدم ثباتها باتجاه متناقص لا يساعد على الاستنتاج بانتهاء الخطر ونحتاج الى ايام او اسابيع اضافية من ثبات او تناقص الحالات بالتوازي مع اجراء عدد كبير من الفحوصات سواء للمخالطين او الناس الأكثر عرضة للاصابة ومن لديه اعراض تنفسية في المستشفيات وقد بدأ هذا فعلا وهو ما سيساعدنا على معرفة سير المرض. في هذه الأزمة غير المسبوقة كثرت الاشاعات والتكهنات والاجتهادات الخاطئة لذلك ينبغي علينا ان نعتمد الاخبار من مصادر موثوقة وأهمها الاعلام الرسمي ووزارة الصحة وخبراء اللجنة الوطنية للأوبئة وهي مصادر مطلعة ومعنية بأدق التفاصيل.
حمانا الله جميعا وحمى وطننا والعالم أجمع من شر هذا الوباء وهي أزمة ستزول باذن الله ثم بوعينا وتكاتفنا جميعا. والله من وراء القصد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/04/07 الساعة 19:43