تقييم اثر التشريعات ضرورة وطنية

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/08 الساعة 23:56
/>د. أشــــرق قوقزة
تعتبر الإصلاحات التشريعية مقدمة أساسية لخلق توافق اجتماعي سياسي يسعى لإحداث تقدم ملموس في مجال الإصلاح الشامل في مختلف المجالات، حيث شهدت العقود الماضية مراحل مختلفة شكلت تطور الإصلاح التشريعي، ففي بداية الثمانينات من القرن المنصرم بدأت حكومات الدول المتقدمة تعيير اهتماماً أكبر لأهمية جودة التشريع، والسعي للوصول إلى مقاييس يمكن من خلالها إجراء تقييم للتشريعات الجديدة والمعدلة الأمر الذي يضمن تقليل الآثار السلبية للقوانين والتشريعات بما يساعد على تيسير عملية تطبيق القوانين والالتزام بها وتحقيق اكبر فائدة مرجوة منها، وهو ما يعرف بتقييم الأثر التشريعي.
وفي الأردن، شهدت الألفية الجديدة بداية حقبة جديدة من الإصلاحات التشريعية والسياسية، وبذلت الحكومة جهوداً عديدة في مجال مراجعة الخدمات الحكومية والعمل على تبسيطها وتيسير إجراءات تقديمها للمواطنين، كذلك تمت إعادة هيكلة الكثير من الوزارات بهدف خلق كيانات جديدة قادرة على تحقيق الإستراتيجية العامة للدولة بصورة أفضل، وبذلت الكثير من الجهود الوطنية الرسمية وغير الرسمية التي استهدفت تطوير السياسات التشريعية وتحقيق جودة التشريعات الأمر الذي ينعكس إيجاباً على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تعتبر التشريعات الترجمة الفعلية والبوابة الرئيسية لتحقيق الإصلاح بمفهومه الشامل، والذي لا يمكن تحقيقه على النحو المطلوب إلا إذا كانت التشريعات الناظمة له ذات جودة عالية بحيث يمكن قياس الفوائد المرجوة منها والتكاليف والآثار المتوقعة لهذه التشريعات بناء على أولويات المجتمع لضمان اختيار أكثر الخيارات التشريعية كفاءة وفعالية وهو ما يعرف بتقييم اثر التشريعات،وعلى الرغم من جدية هذه الجهود، إلا أنها قد لا تؤتي ثمارها إذا لم ترتبط بعملية تحسين وتطوير السياسات والتشريعات.
وتقييم الأثر التشريعي أو كما يسميه البعض تحليل اثر التشريعات، هو عبارة عن أداة لتحليل وقياس اثر التشريعات الجديدة والمعدلة على المجتمع، بقياس الفوائد المرجوة والتكاليف والآثار المتوقعة لهذه التشريعات بناء على أولويات المجتمع لضمان اختيار أكثر الخيارات التشريعية كفاءة وفعالية (التشريع الأفضل)، ويكمن الهدف من تقييم الأثر التشريعي بشكل أساسي في التقليل من الآثار والأعباء غير المرغوب فيها وتعظم من الآثار الايجابية وتدعم تحقيق أهداف السياسة بشكل فعال، وذلك من خلال التأكد من توازن الفوائد والتكاليف، وتحديد أهم القطاعات المتأثرة بالتغيير، وتقييم الخيارات المختلفة التشريعية وغير التشريعية، والتقييم الكامل لأثر التشريع على القضايا المحورية (كالفقر، البطالة، الأعمال، التجارة العالمية، الخدمات....الخ).
كما ويتخذ تقييم جودة التشريع في الأنظمة المقارنة عدة أشكال: أولاً:التقييم والمشورة المسبقة (تقييم مسبق)، يهدف التقييم المسبق إلى التأكيد على امتلاك أصحاب القرار لكافة المعلومات المطلوبة، ويتضمن ذلك مراعاة جميع خيارات تطبيق السياسات المرتبطة بالتشريع، والقيام بتقييم أثر التشريعات مع الاستعانة بآراء العناصر المناسبة، وكذلك يفضل القيام بالمراجعة للتأكد من إتمام كافة هذه الخطوات بنجاح، ويتكون هذا التقييم في أبسط صوره من قائمة مراجعة تضم كافة الخطوات المطلوبة في عملية التقييم، وبصرف النظر عن شكل التقييم فإنه يجب أن يكون جزء من الملف الذي يتم تقديمه لمتخذ القرار، ثانياً: كما يتخذ التقييم شكل التقييم اللاحق، يساهم التقييم اللاحق بصورة واضحة في مراجعة التشريعات القائمة بالفعل، حيث أنه يوفر معلومات واضحة عن كفاءة التشريع ودرجة تأثيره موضحاً عيوبه ونواقصه مما يتيح فرصة لدراسة الإجراءات المطلوبة للإصلاح سواء كانت تبسيط/تيسير أو إلغاء للتشريع أو مراجعة للسياسات نفسها، وينبغي الاستعانة بالتقييم اللاحق عند عمل مراجعة للتشريعات القائمة بشكل عام كما هو الحال في برامج تبسيط التشريعات على سبيل المثال، وبخلاف ذلك يتم الاستعانة بالتقييم اللاحق عند إعداد تشريع جديد والاستعداد لصياغة نصه القانوني.
الحقيقة انه وبعد إجراء مراجعة شاملة لأغلب النظم التشريعية المقارنة وجدنا إن بعض النظم القانونية تعتبر تقييم أثر التشريعات ضرورة لا غنى عنها عند سن التشريعات، إلا أن خصائص وتفاصيل هذه النظم تختلف من دولة إلى أخرى، حاولنا في هذا المقال بالتركيز على أهم النظم القانونية والتي لها خبرة طويلة في مجال الإصلاح التشريعي وتطبيق نماذج ناجحة لتقييم أثر التشريعات، والتي تشمل كل من كندا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الجهة المسئولة عن التأكد من جودة تقييم أثر التشريعات في كندا هو المكتب القانوني الملكي التابع لرئاسة الوزراء، والذي يقدم خدمات الدعم الفني للجهات المشرعة وذلك على هيئة تدريب وإرشادات لتطبيق تقييم أثر التشريعات، أما في المملكة المتحدة فهناك جهتين مركزيتين تقوما بالإشراف على تقييم أثر التشريعات ، الجهة الأولي هي "الجهاز التنفيذي للتشريع الأفضل" وهى مسئولة أيضاً عن الدعم الفني لوحدات تقييم أثر التشريعات بالوزارات خلال عملية تطوير نظام تقييم أثر التشريعات ثم متابعة جودة النظام المطور قبل تقديم التشريع المقترح للحكومة، أما الجهة الثانية فهي "لجنة التشريع الأفضل" والتي حلت محل "فريق عمل التشريع الأفضل" في يناير ٢٠٠٦ ، وهي هيئة استشارية مشكلة من ممثلي الأعمال والمؤسسات غير الحكومية، وتلعب هذه الجهة دور مستشار الحكومة فيما يختص بالأداء التشريعي العام. وتقوم اللجنة بكافة أعمال "فريق عمل التشريع الأفضل" بل وتتولى مسئوليات جديدة ومنها على سبيل المثال بحث الخطط الوزارية بهدف تيسير الإجراءات وتخفيف الأعباء الإدارية،وفيالولايات المتحدة الأمريكية، كان "مكتب الإدارة والميزانية" هو الجهة المركزية المسؤلة عن مراجعة جودة التشريعات واللوائح التنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية على، والتي تتبع لرئيس الدولة مباشرة.
ولا شك بأن النظام الأردني يفتقر إلى وجود قواعد تحكم تقييم اثر التشريعات ويفتقر لمنظومة عمل موحد لتقييم نتائج تطبيق القوانين الجديدة، ولا توجد جهة تتولى مسؤولية التأكيد على درجة جودة التشريعات، حيث أن هناك العديد من النظم القانونية تعتبر تقييم التشريعات جزءاً قانونياً ملزماً لا ينفصل عن عملية اقتراح التشريع، مما يستدعي من المشرع الأردني التدخل والأخذ بهذا النظام في ظل تشريع حديث ينسجم مع السياسات التشريعية النظيرة في هذا المجال.
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/08 الساعة 23:56