الباشا الرقاد يكتب: الجيش والأمن.. احتراف عسكري وأمني.. وإبداع استراتيجي .... ومواقف إنسانية

مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/30 الساعة 20:31

بقلم: اللواء الركن السابق د . محمد خلف الرقاد مدير التوجيه المعنوي الأسبق

.... مابين خضم المعركة الشرسة مع وباء كورونا (كوفيد 19) والعمل بقانون الدفاع ... وبين التحديات المترتبة على تداعيات أوامر الدفاع الأول والثاني والثالث لمواجهة الخطر الداهم على صحة الأردنيين .... تبرز القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالتعاون مع أركان الدولة الأردنية أرضاً وحكومة وشعباً بخطابها العسكري والأمني الجريء والمتوازن... وتفرض حضورها المتميز على ساحة الجهود السياسية والعسكرية والاجتماعية للحفاظ على صحة الأردنيين، والحد من انتشار هذا الوباء الخطر الذي يفوق تأثيره كل التوقعات ، ويتحدى كل الإمكانات المادية والمعنوية والصحية والعلمية والتقنية والتعليمية والاقتصادية والسياسية.... ولكنه سيتوقف بحول الله وقوة إرادة الشعب الأردني وجهود الدولة الأردنية المتكاملة.

... وهنا لا بد من رفع التحية إجلالاً وتقديراً واحتراماً لقواتنا المسلحة الباسلة وأجهزة الأمن الأردنية التي ما انفكت على مدى ما يقارب الثلاثة أسابيع الماضية تصل الليل بالنهار لضبط إيقاع الأزمة من خلال تخطيط استراتيجي متماسك مبني على خبرات وكفاءات عسكرية وأمنية تعلمت وتدربت في معاهد عسكرية أقسم رجالها على خدمة الوطن والتفاني في الإخلاص له والوفاء لقيادتة الرشيدة الحكيمة الشجاعة التي لم تضع في اعتبارتها حسابات الربح والخسارة في ظل ظرف اقتصادي تنوء بحملة دول كبرى مقابل صحة المواطن الأردني الذي تعتبره رأس مالها وذخيرتها لأيام الشدائد والأزمات... لقد برزت كفاءة التخطيط العسكري الاستراتيجي في إدارة الأزمة في مكافحة وباء "كورونا" من خلال : وضوح الرؤية ، وجلاء الهدف ، ويسر وسهولة الخطط القابلة للتطبيق ، والتي سارت على ما يرام وبكل سلاسة وأريحية ، سواء أكان من خلال ضبط الأمور ، والسيطرة على إيقاع حركة وفوضوية الشارع ، وضبط خروقات القوانين والأنظمة والتعليمات ، وارتباك بعض المؤسسات ، وذلك بنهج وخطاب عسكري اتسم يالقوة والحزم الممزوج بالإنسانية وتفهم أوضاع وقضايا الناس ، والاستجابة لمتطلبات المواطنين ، ومع وقع خطاب إعلامي عسكري متماسك تُرفع له كل أشكال التحايا وهو يسند بقوة إعلام الدولة الرسمي وغير الرسمي.

.... إن الهيبة والاحترام اللذين تُحظى بهما مؤسستنا العسكرية (الجيش والأمن)، وتناغم الشعب مع هذا الاحترام والثقة المتبادلين كانا من أهم أسباب النجاح لهذه الوقفة البطولية والشجاعة للجيش والأمن ، وكانا هما السبب الرئيس في اكنمال جهود طرفي المعادلة في مواجهة الوباء الخطير ، ومع تمام وتركيز نظرتنا على النصف المملوء من الكأس بكل الخير والحب والوفاء للأردن نقفز فوق بعض المخالفات والسلوكيات التي لا تصب في بوتقة جهود الحرب على الوباء ... إلا أن صدر القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأوسع قد استوعبا بكل جدارة وكفاءة مرارة بعض السلوكيات المنبوذة والمستهترة في زمن الشدة ، فكانوا الأكثر مرونة في التعامل مع المخالفين ، لتتحول المخالفات القانونية والممارسات الخاطئة والسلوكيات المستهترة إلى دروس مستفادة ، حافظت على مستوى عالٍ من الحد من انتشار وتفشي الوباء، وحافظت على أرواح الكثيرين من الذين كنا نشاهدهم من خلال نوافذ وردهات منازلنا ، وهم يستعرضون بحركاتهم الطائشة وتحركاتهم المخالفة دون أي حس بالمسؤولية ، وليست من الرجولة في شيء، حتى إذا رأوا حزماً في التنفيذ وحُسن تصرف في السلوكيات العسكرية والأمنية الرائعة... انتاب الخجلُ الكثيرين ... وأقلعوا عن هذه الممارسات الخاطئة .... أما الذين لم يرتدعوا وتمادوا في غيهم يعمهون ، فلا داعٍ للإشارة إلى أين كان مصيرهم ... ْ، بل شكّلت " قرصات الأذن" رادعاً أبدياً ودرساً مستفاداً في العودة عن أي سلوك خاطيء وغير مسؤول يمكن أن يكون قنبلة موقوتة لا يمكن التنبوء بوقت انفجارها لتنشر الوباء والرعب والخوف وتعريض الأمن الصحي الأردني للخطر القاتل.

وكما أتاح لنا الدستور حرية التعبير وتوجيه النقد للسياسات والاستراتيجيات بهدف الإصلاح وغيره.... يقتضي الواجب الإشادة بالمنجزات للدولة الأردنية بكل أركانها : الشعب والسلطة ( الحكومة ) التي مارست قراراتها السيادية من أجل الحفاظ على صحة المواطنين عبر تخطيط رائع ، وبدون توقف عند بعض المحطات التي شابها بعض التشوه وكانت سبباً في إعاقة تسارع الخطى الناجحة، ذلك لأن التجربة صعبة ، والوضع الاقتصادي لا نحسد عليه ، لكن الحكومة كانت متميزة في مرونتها وشجاعتها بالعودة عن بعض القرارات وتعديل الخطط التي اعتراها بعض التعثر، ذلك لأن النجاح في التخطيط ، هو العودة إلى الخطط البديلة ، فمقاتلة وباء " كورونا" أشرس من العمليات القتالية في ميدان المعركة بالمدفع والدبابة ، والقائد العسكري الذي توكل له مهمة دفع العدو والقضاء عليه ، إذا ما واجه مقاومة على أحد مقتربات القتال في الميدان ، فإنه يتحول إلى الخطة البديلة ، وهكذا كانت الحكومة ... فلها والشكر وعليها الثناء حت هذه اللحظة.

أما خلية إدارة الأزمة التي يقودها عسكريون، فلا بد من رفع أجل التحايا لها... وهي تطور خططها بتطور مسار ومؤشرات الأزمة ارتفاعاً وانخفاضاً ، وأحسنت التخطيط الذي تستحق عليه أكثر من الثناء من البداية وحتى إخلاء المحجور عليهم صحياً منذ صباح اليوم من فنادق البحر الميت ... لقد كانت خطة الإخلاء سهلة متماسكة واضحة وميسرة وسهلة وقابلة للتطبيق بكل المقاييس... حيث جرى الإخلاء من خلال أسطول نقل اعتمد في استدعائه على التطبيقات الذكية وإيصال الناس إلى بيوتهم ومحافظاتهم وعلى نفقة الدولة... ونرفع رأسنا عالياً ونحن نشاهد يسر وسهولة وسلاسة الإخلاء دون الإخلال بالحفاظ على الهدف الرئيس وهو صحة المواطنين من خلال توقيع المفكوك عنهم على تعهدات تلزمهم بضرورة البقاء في بيوتهم لمدة اسبوعين آخرين ، إمعاناً في الحيطة والحذر ، وحتى زوال آثار هذا الوباء الخطير.

... وهنا إحساس عميق بأن الأردنيين قيادة وشعباً وجيشاً وأمناَ ومؤسسات وطنية رسمية وغير رسمية استفاقت على حلم طالما راودنا لنصبح في مصاف الدول المتقدمة لنتثبت ونستيقن جميعاً بأننا بالفعل أصبحنا في مصاف الدول المتقدمة ، بل تقدمنا على دول امتلكت الإمكانات الاقتصادية والمالية والعلمية والتقنية والأنظمة الصحية القوية، لكنها لم تتمكن من إدارة الأزمة ، ولم تأخذ الأمور على محمل الجد ، وأصبحت تلهث بعد فوات الأوان وتحذو حذو الأردن في إدارته للأزمة بعد أن كان بعضها يضع الأردن في غير مكانه الحقيقي ... ونحن ننجح لغاية اليوم، فإن مكاننا الحقيقي اليوم يقع في صدارة دول العالم المتقدمة ، وما ندري ماذا تفعل الأيام ، فوباء كورونا وضع النظام الدولي على المحك ، فربما تبيد حضارات كانت قد تسيدت واحتلت الصدارة ، وقد تُشاد حضارات جديدة لم تكن في الحسبان، وقد تنهار نظم اقتصادية لم يكن من المتوقع أنها ربما ستسقط ، فبالرغم من حجمنا الاقتصادي المتواضع والتقني الذي يجهد باللحاق في ركب التكنولوجيا ، إلا أننا نملك الوعي والإرادة والثقافة والقيادة الراشدة ، ولا بد لنا من أن نحتل مكاننا الحقيقي واللائق تحت الشمس ... وتحية إلى القيادة الهاشمية التي لم تقس الوضع بمقياس الربح أو الخسارة ، واختارت صحة المواطن الأردني رغم ضعف وهشاشة الاقتصاد ، فالمال يأتي ولو بعد حين ، لكن الإنسان إذا ذهب لا ولن يعود ... وتحية إلى كل الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت في القوات المسلحة وفي الأجهزة الأمنية وبخاصة القادة منهم على كل المستويات ، ولا يظهرون على الإعلام ، فجهودهم واضحة ومعروفة لدى الجميع، فالشمس كما قالت العرب: " لا تُغطى بغربال أبداً " .... وليحفظ الله الأردن ملكاً وقيادة وشعباً وجيشاً وأمناً ... رب إجعل هذا البلد آمناً ..

 

 

مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/30 الساعة 20:31