الأغنياء في هذه الأزمة
مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/29 الساعة 01:39
يبدو لافتا جدا قيمة التبرعات المالية، التي تقدمت بها شخصيات أو مؤسسات، فهي قليلة جدا، مقارنة بما يمكن لهؤلاء أن يقدموه، في هذا الظرف الصعب.
يقول لي اقتصادي مختص أكثر خبرة مني، إن مؤسسات القطاع الخاص والأغنياء مذعورون أساسا من موجة الانهيارات الاقتصادية في العالم، وهم لا يفكرون الآن، لا بالتبرع، ولا بدعم وزارة الصحة، ولا بأي مساهمة؛ إذ إن أيديهم على قلوبهم على أموالهم، واستثماراتهم، وأسهمهم، وهم يرون بأنفسهم أن كل شيء ينهار، ويحللون من خبرتهم خط الأزمة، ويعرفون أن أموالهم مهددة أيضا عما قريب.
هذا التفسير على صحته، لا يمنح أحدا حصانة تحميه، وبيننا مئات الأثرياء إن لم يكن أكثر، من أصحاب المليارات أو الملايين، وإذا كانت هناك تبرعات لافتة للانتباه حقا، فهي تبرعات نقابة المعلمين التي تأسست منذ عامين فقط، وتبرعت بنصف مليون دينار، فيما كل أموالها لا تتجاوز المليون دينار؛ أي أن المعلمين في الأردن تبرعوا بنصف أموالهم، وربما مع هؤلاء شركة البوتاس بتبرعاتها، ودفعها دفعة مقدمة من مساهماتها في الخزينة قبل موعدها، وهذا لا ينفي حق الآخرين في الشكر، بما في ذلك أشقاء عراقيون، لم ينسوا الأردن في هذه المحنة.
من المؤسف أن يصير البلد، كمن يقف على أبواب الأثرياء طلبا للمال، خصوصا أن التداعيات الاقتصادية أكبر من توقعات كثيرين، وقد قيل مرارا إن المشاكل ما بعد كورونا، أكبر من المشاكل خلال تفشي كورونا، لأن الدولة مثلا التي تعتمد في وارداتها على الضرائب وضرائب البنزين والجمارك والمبيعات، وغير ذلك، بنسبة تصل الى 66 بالمائة، لا يدخلها هذه الأيام قرش واحد، فقد توقفت النشاطات التجارية، وتوقفت بالتالي الضرائب، التي كان يتم تحصيلها على فنجان القهوة، وصولا الى التخليص على السيارة، مرورا بقطاع السياحة الذي تعرض لضربة كبرى، وبقية القطاعات مثل الزراعة، والتعليم المدرسي والعالي، وغير ذلك.
هذا يعني بصراحة أن الموازنة لن تبقى كما هي، وسداد القروض بحاجة الى جدولة أو حل، وتأمين المال للخزينة بحاجة الى حل أيضا، من أجل دفع الرواتب، وإدامة عمليات التشغيل، خصوصا أن القطاع الخاص يعاني اليوم بشدة من الإغلاقات ومن قدرته على تسييل المال من أجل دفع التزاماته، فوق حالة الكساد التي سنراها بعد إعلان الأردن خاليا من كورونا.
إذا قيل لكم إن كورونا مصيبة، إلا أن المصيبة الأكبر منها، إنقاذ الاقتصاد الأردني، خصوصا حين نرى أن أغلب دول العالم، تتعرض لخسائر مالية تصل الى آلاف المليارات، وهي غير قادرة أساسا اليوم على مساعدة الدول ذات الاقتصادات الصغيرة، أو اقتصادات الدول النامية، أو الفقيرة، فالكل مشغول بنفسه.
موجة الحقد على الأغنياء قديمة، وقد لا تكون مبررة في بعض الحالات، لكن في هذه الأزمة، هناك عملية تكريس للطبقية، ويجري فرز مواقف الناس، من وقف مع الأردن، ومن جلس يتفرج عليه، وذاك الذي لا يأبه بما يحدث سيقول لك إن الأمر ليس بيده، فقد خسر كثيرا من استثماراته الداخلية أو الخارجية، أو خسر بالبورصات، وسيحاول إقناعك أنه متضرر، وأن ضرره سوف يزيد قريبا.
كل الأمم ينكشف معدنها في الأزمات، وإذا كانت أزمة كورونا تختطف دولا عظمى، فمن الطبيعي جدا أن تترك أثرا علينا، حتى يعرف كثيرون أن الأردن بعد كورونا ليس كما قبله، مثلما هذا حال دول العالم، التي يخسر فيها الملايين وظائفهم، وتنهار قطاعات أمام الأولويات المستجدة بسبب جرثومة غير مرئية هزت أنظمة العالم وعروشه، وأثبتت أن العالم أضعف بكثير مما نظن، وأن إعادة تشكيله ورسم خرائطه ليست بحاجة الى حروب عسكرية، بل ما هو أصغر منها بكثير.
ما يمكن قوله اليوم، إن الدعوة لتأسيس صندوق أزمات في الأردن ووضع أسس لتمويله ودعمه من الجميع، باتت ضرورية، من أجل إطفاء حدة الخسائر والمشاكل المالية التي سوف نراها بعد قليل؛ وضع الخزينة، وضع القطاع الخاص، ومئات آلاف الشغيلة والعمال وغيرهم ممن يعلمون في السياحة والزراعة والصناعة، ولا يصح أبدا أن يعتقد البعض أن هذه ليست مهمته بل مهمة غيره فقط، فيما مهمتنا الأكبر تبدأ بعد فيروس كورونا، وليس خلال تفشيه. الغد
يقول لي اقتصادي مختص أكثر خبرة مني، إن مؤسسات القطاع الخاص والأغنياء مذعورون أساسا من موجة الانهيارات الاقتصادية في العالم، وهم لا يفكرون الآن، لا بالتبرع، ولا بدعم وزارة الصحة، ولا بأي مساهمة؛ إذ إن أيديهم على قلوبهم على أموالهم، واستثماراتهم، وأسهمهم، وهم يرون بأنفسهم أن كل شيء ينهار، ويحللون من خبرتهم خط الأزمة، ويعرفون أن أموالهم مهددة أيضا عما قريب.
هذا التفسير على صحته، لا يمنح أحدا حصانة تحميه، وبيننا مئات الأثرياء إن لم يكن أكثر، من أصحاب المليارات أو الملايين، وإذا كانت هناك تبرعات لافتة للانتباه حقا، فهي تبرعات نقابة المعلمين التي تأسست منذ عامين فقط، وتبرعت بنصف مليون دينار، فيما كل أموالها لا تتجاوز المليون دينار؛ أي أن المعلمين في الأردن تبرعوا بنصف أموالهم، وربما مع هؤلاء شركة البوتاس بتبرعاتها، ودفعها دفعة مقدمة من مساهماتها في الخزينة قبل موعدها، وهذا لا ينفي حق الآخرين في الشكر، بما في ذلك أشقاء عراقيون، لم ينسوا الأردن في هذه المحنة.
من المؤسف أن يصير البلد، كمن يقف على أبواب الأثرياء طلبا للمال، خصوصا أن التداعيات الاقتصادية أكبر من توقعات كثيرين، وقد قيل مرارا إن المشاكل ما بعد كورونا، أكبر من المشاكل خلال تفشي كورونا، لأن الدولة مثلا التي تعتمد في وارداتها على الضرائب وضرائب البنزين والجمارك والمبيعات، وغير ذلك، بنسبة تصل الى 66 بالمائة، لا يدخلها هذه الأيام قرش واحد، فقد توقفت النشاطات التجارية، وتوقفت بالتالي الضرائب، التي كان يتم تحصيلها على فنجان القهوة، وصولا الى التخليص على السيارة، مرورا بقطاع السياحة الذي تعرض لضربة كبرى، وبقية القطاعات مثل الزراعة، والتعليم المدرسي والعالي، وغير ذلك.
هذا يعني بصراحة أن الموازنة لن تبقى كما هي، وسداد القروض بحاجة الى جدولة أو حل، وتأمين المال للخزينة بحاجة الى حل أيضا، من أجل دفع الرواتب، وإدامة عمليات التشغيل، خصوصا أن القطاع الخاص يعاني اليوم بشدة من الإغلاقات ومن قدرته على تسييل المال من أجل دفع التزاماته، فوق حالة الكساد التي سنراها بعد إعلان الأردن خاليا من كورونا.
إذا قيل لكم إن كورونا مصيبة، إلا أن المصيبة الأكبر منها، إنقاذ الاقتصاد الأردني، خصوصا حين نرى أن أغلب دول العالم، تتعرض لخسائر مالية تصل الى آلاف المليارات، وهي غير قادرة أساسا اليوم على مساعدة الدول ذات الاقتصادات الصغيرة، أو اقتصادات الدول النامية، أو الفقيرة، فالكل مشغول بنفسه.
موجة الحقد على الأغنياء قديمة، وقد لا تكون مبررة في بعض الحالات، لكن في هذه الأزمة، هناك عملية تكريس للطبقية، ويجري فرز مواقف الناس، من وقف مع الأردن، ومن جلس يتفرج عليه، وذاك الذي لا يأبه بما يحدث سيقول لك إن الأمر ليس بيده، فقد خسر كثيرا من استثماراته الداخلية أو الخارجية، أو خسر بالبورصات، وسيحاول إقناعك أنه متضرر، وأن ضرره سوف يزيد قريبا.
كل الأمم ينكشف معدنها في الأزمات، وإذا كانت أزمة كورونا تختطف دولا عظمى، فمن الطبيعي جدا أن تترك أثرا علينا، حتى يعرف كثيرون أن الأردن بعد كورونا ليس كما قبله، مثلما هذا حال دول العالم، التي يخسر فيها الملايين وظائفهم، وتنهار قطاعات أمام الأولويات المستجدة بسبب جرثومة غير مرئية هزت أنظمة العالم وعروشه، وأثبتت أن العالم أضعف بكثير مما نظن، وأن إعادة تشكيله ورسم خرائطه ليست بحاجة الى حروب عسكرية، بل ما هو أصغر منها بكثير.
ما يمكن قوله اليوم، إن الدعوة لتأسيس صندوق أزمات في الأردن ووضع أسس لتمويله ودعمه من الجميع، باتت ضرورية، من أجل إطفاء حدة الخسائر والمشاكل المالية التي سوف نراها بعد قليل؛ وضع الخزينة، وضع القطاع الخاص، ومئات آلاف الشغيلة والعمال وغيرهم ممن يعلمون في السياحة والزراعة والصناعة، ولا يصح أبدا أن يعتقد البعض أن هذه ليست مهمته بل مهمة غيره فقط، فيما مهمتنا الأكبر تبدأ بعد فيروس كورونا، وليس خلال تفشيه. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/29 الساعة 01:39