البناء المعنوي وإعلام الكورونا
أيا كانت الوقائع على الأرض، فإن الهوية المتخيلة للأمة لا تخرج عما يقدمه الخطاب الإعلامي لها. فالصورة الناصعة للأمة لا تتشكل إلا بالجهد الإعلامي الذي يقوم على نقلها وتدعيمها. صورة الأردن التي يجري تناقلها اليوم حول العالم نتاج طبيعي لما رسمه الإعلام الذي ينقل ويرصد الإجراءات ويعلن عنها. ما قامت وتقوم به الدولة من جهود وأعمال منذ تفجر الأزمة وربط هذه الإجراءات بشعارات وقصص وروايات يحكيها الأردنيون لأنفسهم عن أنفسهم، هو المحتوى الذي شكل هذه الصورة وعزز حضورها كتعبير عن الهوية الأردنية كما يراها الآخر.
في خلفية المشهد العام، يظهر الأردن كبلد يولي الإغاثة وحماية الإنسان جل الاهتمام. فهو يؤوي اللاجئين وينفق من موارده المحدودة على من فروا من بلدانهم حفاظا على حياتهم من دون الاكتراث لزيادة المديونية أو الضغوط التي تتوالد من جراء هذه الأزمة على مستقبليه الاقتصادي والديموغرافي، مستندا في ذلك على مبررات إنسانية وقومية وأخلاقية مستمدة من رسالة تأسيس الدولة ونسب قيادتها ملتزما بشعار من الشعارات التي شكلت عنوانا ومبررا لما تقوم به الدولة وأجهزتها المختلفة هو «الإنسان أغلى ما نملك».
لم يخطر ببال أحد أن يختار الأردن أفضل وأرقى الفنادق والمنتجعات لاستضافة أبنائه العائدين من البلدان الموبوءة لأسابيع من دون حساب للكلف التي قد ترتبها الاستضافة، لقد تفاجأ العالم بسرعة الاستجابة ودقة الإجراءات التي قامت بها الحكومة منذ الإعلان عن الوباء.
الأزمة التي أصابت العالم وأشغلت حكوماته وشعوبه وضعت الأردن بكل مكوناته في مواجهتها. منذ الأيام الأولى والدولة تحاول استنهاض قواها وقيمها ومواردها ومدخراتها لمجابهة الجائحة وتحقيق السلامة، محاولة الحفاظ على معنوياتنا وإدامة استعدادنا للتكافل والتعاون والتحمل.
الصورة التي يتناقلها الناس عن الأردن ونجاحاته تحتاج الى تكريس، فقد أصبحت إرثا جمعيا يقتضي من الجميع المحافظة عليه. والجهود التي يقوم بها الأطباء والممرضون وأجهزة الاستقصاء الوبائي والجنود والحكام الإداريون والوزراء وموظفو الخدمة العامة ورجال الأمن والإعلام، تحتاج من الجميع الى تقدير يتجاوز الإشادة والاعتراف. المواطن الذي هو غاية هذا الجهد ووسيلة تحقيق النجاح مطالب بالامتثال للإرشادات والتوجيهات الصادرة عن أجهزة إدارة الأزمة.
في مثل هذه الظروف تتغير البنى والنظم المألوفة ويفقد بعضها القدرة على الأداء والتأثير، وقد يشتد الخوف والقلق ويدفعان بالأفراد للبحث عن قصة ومعنى لما يحدث، وتحدد علاقاتهم بكل ما حولهم وتشيع في أنفسهم الطمأنينة. يحتاج الأفراد الى معرفة طبيعة الأخطار ونوعية الجهود المبذولة وفعاليتها وعلاقة ما يقومون به بالأدوار التي تنهض بها الأجهزة للخلاص من الأزمة والتغلب على الأخطار.
الرواية الإعلامية تحتاج الى أن تكون محددة وسريعة وواضحة وصادقة وشاملة مستندة الى معرفة بالطبيعة الإنسانية وجوانب الأزمة وحالة المتلقي، فهي تصف الواقع وتدرك المخاوف وتحمل الإجابات المنطقية الشاملة لها. فالروايات الناقصة أو الغامضة أو المضللة تؤدي الى فقدان الثقة وإثارة البلبلة وتوليد الغضب والعداء لمن يصدر هذه الرسائل أو ينقلها.
في الأزمة تبرز الحاجة الى صياغة خطاب إعلامي يهدف الى التوجيه المعنوي للأمة ويستند على الهوية المشتركة بما فيها من معتقدات وأفكار وقيم وأخلاق وأحداث، ويستدعي الرموز والقصص التي تظهر جهود الأفراد والمهن والجماعات للحد من تأثير الخوف والأنانية والتخاذل التي قد تتحول الى واحد من الخيارات التي يلجأ لها البعض.
الغد