نقل فيروس كورونا إلى الغير جريمة يُعاقب عليها القانون الأردني
بقلم: د.عبدالله أبو حجيله
بات من الواضح للقاصي والداني خطورة فيروس كورونا على صحة الإنسان وسرعة انتشاره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين البشر، وقد ساهمت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز ثقافة ومعرفة الأشخاص بالأعراض التي تظهر على المصاب بهذا الفيروس، ولا شك أن عزل المصاب بهذا الفيروس في مكانٍ بعيد عن غيره من الأشخاص كالمنزل أو الحجر الصحي في المستشفى يكاد يكون هو الوسيلة الوحيدة للوقاية من هذا الفيروس الخطير ومنع انتشاره بين الأشخاص.
وانطلاقاً من ذلك يُطرح تساؤل هام في مجال القانون الجنائي، ولاسيما في نطاق جرائم نقل العدوى بمرضٍ وبائي إلى الغير وهو - ما مدى تجريم ومعاقبة المصاب بفيروس كورونا حينما ينقل هذا الفيروس لغيرة عن قصدٍ أو عن خطأ وتحدُث تبعاً لذلك حالة وفاة أو إيذاء بسبب هذا الفيروس؟
إن المسؤولية الجزائية للمصاب بفيروس كورونا عن نقل هذا الفيروس إلى الغير تختلف بحسب توافر قصد المصاب بنقل هذا الفيروس لغيره أو نقله بالخطأ، وتختلف كذلك بحسب علم المصاب بإصابته بالفيروس أو انتفاء علمه بها.
ومن هنا لابد لنا من الإشارة إلى أرقام المواد القانونية التي يمكن بمقتضاها تجريم ومعاقبة ناقل فيروس كورونا إلى غيره عن قصدٍ أو خطأ وهي المواد (326،327،328،333،334،343،344) من قانون العقوبات الأردني، وسنكتفي بذكر أرقام هذه المواد لأن المقام هنا لا يسمح بكتابتها بشكلٍ تفصيلي ، ولكن من المفيد الإشارة هنا إلى النصوص القانونية الخاصة التي تُجرّم وتُعاقب على سلوك نقل عدوى مرض وبائي إلى الغير ، وتتمثل هذه النصوص بنص المادة (22/ ب) من قانون الصحـــــة العامة الأردني رقم (47) لسنة 2008 التي نصت على أنه : ( كل من أخفى عن قصد مصاباً أو عرّض شخصاً للعدوى بمرض وبائي أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طُلب منه لمنع تفشي العدوى يُعتبر أنه ارتكب جرماً يعاقب عليه بمقتضى أحكام هذا القانون)، ونص المادة(66) من ذات القانون الذي جاء بهذه الصيغة : ( مع مراعاة أي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر يُعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من خالف أي من أحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بمقتضاه ولم ترد عقوبة عليه في هذا القانون).
يُستفاد من جميع النصوص السالفة الذكر أنه من المتصور وجود عدة نماذج جرميّة تتعلق بنقل فيروس كورونا إلى الغير، وهذه النماذج تتنوع بحسب النتيجة التي تنجم عن نقل الفيروس فقد تكون النتيجة هي الوفاة ، سيما أن الوفاة متوقعة بسبب هذا الفيروس إذا كان المجني عليه لا يستطيع مقاومة الفيروس بسبب كِبر سنه أو وضعه الصحي الضعيف، كما قد تكون النتيجة هي الإيذاء وهو الغالب الأعم ، كما أن هذه النماذج الجرميّة تختلف بحسب صورة الركن المعنوي الذي يتوافر في أي منها فقد يتمثل بالقصد أو بالخطأ.
وبشكلٍ عام فإن النماذج الجرميّة السابقة يجمعها ثلاثة أركان : الأول وهو ركن المحل الذي يتمثل بالإنسان الحي الذي يقع عليه القتل أو البدن الذي يتم المساس بسلامته بسلوك الإيذاء ، والركن الثاني هو المادي الذي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية وهي : عنصر السلوك الذي يتمثل بنقل الفيروس بأي وسيلة كانت،وهنا يُمكن القول، أن سلوك نقل الفيروس كسلوك يرتكبه الجاني يصلُح لارتكاب جرائم القتل أو الإيذاء لأن هذه الجرائم تدخل في عِداد ما يسمى بجرائم القالب الحر كما يُسميها بعض الفقه، وعنصر النتيجة إلإجرامية التي تتمثل بإصابة الغير بالفيروس ومن ثم وفاته أو إيذائه ، ثم وجود عنصر رابطة السببية بين السلوك ونتيجة القتل أو الإيذاء التي لحقت بالغير، أما الركن الثالث، فهو المعنوي الذي يتمثل بالقصد أو بالخطأ.
ويمكن توضيح النماذج الجرميّة السابقة وعقوباتها في القانون الأردني بايجاز من خلال ثلاث فرضيات هي :
الفرضية الأولى : وهي إصابة الشخص بكورونا وهو يعلم يقيناً أنه مصاب بها ومع ذلك يمتنع قصداًعن العزل المنزلي الانفرادي وعن الذهاب إلى المستشفى ليتلقى العناية الطبية اللازمة، ويكون قصده من الامتناع نقل الفيروس إلى غيره لقتله أو ايذائه كأن يقوم المصاب بالفيروس بالرغم من سابق علمه بالإصابة باستعمال مجموعة من كمامات و توزيعها على أشخاص آخرين لإعادة استعمالها قاصداً قتلهم أو إيذائهم أو قيامه بوضع لُعابُه على الأماكن المُعرّضة للمس من عامة الناس بقصد قتلهم أو إيذائهم- وفي مثل هذه الحالات يُسأل المصاب الناقل للفيروس بشكلٍ عام عن جريمة قتل مقصود ويعاقب بالاعدام أو بالأشغال المؤبدة أو المؤقتة لمدة عشرين سنة وذلك في نطاق المواد (326- 328) من قانون العقوبات، وننوه هنا إلى عدم رغبتنا بذكر بعض تفصيلات العقوبات لأن المقام في هذ المقال لا يسمح بذلك، كما يُسأل المصاب عن جريمة إيذاء مقصود ويُعاقب بالحبس لغاية ثلاث سنوات وفقاً للمادة (333) من قانون العقوبات، وذلك كله بحسب قصد المصاب الناقل للفيروس والنتيجة التي أرادها للغير ، ويستوي في هذه الحالة كون المصاب يقصد نتيجة القتل أو الايذاء مباشرةً أو توقعها وقبل بالمخاطرة وهذا ما يسمى بـ ( القصد الاحتمالي ).
وينبغي التنبيه، أنه إذا نجم عن جريمة نقل فيروس كورونا قصداً مرض المجني عليه أو تعطيله عن العمل مدة تزيد على عشرين يومًا فلا مجال لتطبيق عقوبة الحبس المقررة لهذه الجريمة في النص الخاص الوارد في المادة (66) من قانون الصحـــــة العامة، لأن العقوبة المقررة لجريمة الايذاء المقصود المنصوص عليها في المادة (333) من قانون العقوبات أشد من تلك الواردة في المادة (66) السالفة الذكر، سيما أن المادة الأخيرة أكدت أنه في حال وجود أي عقوبة أشد في قانون آخر لهذه الجريمة فإن العقوبة الأشد هي الواجبة التطبيق، وهذا المنهج التشريعي يتماشى مع حكم حالة الاجتماع المعنوي للجرائم المنصوص عليه في المادة (57) من قانون العقوبات.
ومن جهة أخرى، يجب تطبيق عقوبة الحبس المقررة لجريمة نقل فيروس كورونا قصداً المنصوص عليها في المادة (66) من قانون الصحـــــة العامة - وذلك حينما ينجُم عن هذه الجريمة مرض المجني عليه أو تعطيله عن العمل مدة لا تزيد على عشرين يومًا - وذلك إعمالاً لقاعدة النص الخاص يقيد العام، كما أن عقوبة الايذاء المقصود الذي ينجُم عنه مرض المجني عليه أو تعطيله عن العمل مدة لا تزيد على عشرين يومًا المنصوص عليها في المادة (334) أخف من العقوبة الواردة في المادة (66) السالفة الذكر.
وبتقديرنا فإن إثبات القصد الجنائي في مجال جرائم نقل الفيروس إلى الغير صعب جداً، ولكن يُمكن للمحكمة المختصة بما لها من سلطةٍ تقديرية أن تستدل عليه من خلال الظروف المرافقة لكل جريمة كعدم التزام المصاب الناقل للفيروس بتعليمات الحجر الصحي أو علاقته بالمجني عليه أو تعمّده وضع الُّلعاب على الأماكن المُعرضة للمس من عامة الناس بقصد ايذاء الآخرين أو قتلهم.
أما الفرضية الثانية : فتتمثل بإصابة الشخص بكورونا وهو غير متأكد بأنه مصاب بها، كأن تظهر عليه بعض أعراضها البسيطة، ففي هذه الحالة إذا تم نقل الفيروس إلى الغير دون قصدٍ من المصاب، بمعنى أن يتم نقل الفيروس بالخطأ لعدم تبصر المصاب الناقل للفيروس أو لعدم احتياطه أو لإهماله أو لعدم مراعاته لتعليمات الجهات الحكومية المعنية الصادرة بهذا الشأن، كأن يلامس المصاب المجني عليه أو يستخدم أدواته أو يشاركه في الطعام والشراب ففي مثل هذه الحالات يُسأل المصاب الناقل للفيروس عن جريمة غير مقصودة وهي إما قتل غير مقصود إذا كانت النتيجة التي وقعت هي الوفاة، ويُعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وفقاً لنص المادة(343) من قانون العقوبات، و يُسأل المصاب عن جريمة إيذاء غير مقصود إذا كانت النتيجة التي وقعت هي الايذاء ويُعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة أو بالغرامة من ثلاثين دينارًا إلى مائة دينار، أو بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بغرامة من خمسين دينارًا إلى مائتي دينار وفقاً لنص المادة(344) من ذات القانون.
وتتمثل الفرضية الثالثة : بإصابة الشخص بكورونا وهو لا يعلم بها ولم يتوقعها على الاطلاق لأنه لم تظهر عليه أي أعراضها لكونه مثلاً يتمتع بمناعة قوية استطاع من خلالها مقاومة الفيروس، ففي هذه الحالة إذا تم نقل الفيروس إلى الغير فبتقديرنا إن المصاب الناقل للفيروس في هذه الفرضية لا يسأل جزائياً وذلك لانتفاء القصد والخطأ لديه.
وصفوة القول إنه وبالرغم من وجود نصوص جنائية في القانون الأردني تحمي ضحايا نقل فيروس كورونا سواءً بالقصد أو بالخطأ إلا أن هذه النصوص وحدها لا تكفي لمواجهة الممارسات اللا أخلاقية لبعض المصابين بفيروس كورونا مع علمهم بإصاباتهم كالامتناع عن الذهاب إلى المستشفى لحجرهم صحياً وعدم عزل أنفسهم في المنزل وعدم التزامهم بالتدابير والإجراءات التي تفرضها الجهات المختصة لحماية أنفسهم وإنقاذ الآخرين من الإصابة بالفيروس، وبالتالي يمكن القول إن مبادئ الأخلاق والضمير الحي من المفترض أن يسودا في كل المجتمعات لمكافحة وباء فايروس كورونا الخطير.
أسأل الله العظيم أن يحفظ بلدنا وشعبنا ومليكنا وأُمتنا العربية والإسلامية
* أستاذ القانون الجنائي المساعد / كلية القانون / جامعة اليرموك