روسيا ليست أمريكا ولا حتى «اسرائيل»
د. حسام العتوم
كثيرون هم في منطقتنا العربية والشرق اوسطية الذين يخلطون بين الفدرالية الروسية ومواقفها السياسية ومنها الاقتصادية والعسكرية وبين الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الخارجية. وبين الكيان الاسرائيلي الصهيوني الذي نشاهده اليوم على شكل «دولة»، والسبب هنا يكمن في ارث الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي قصة ميلاد (إسرائيل)، وأكثر من ذلك في رواسب الاعلام الغربي المضلل لصورة الواقع، ومعه العربي المنقاد وهنا أنا لا اعمم وقنوات «الجزيرة» و»العربية» و»الحدث» الفضائية خير مثال، بينما هو الاعلام الروسي مباشرة غير قادر على تغطية كافة مساحات العالم رغم الانجليزية والاسبانية، وإنارة إعلامية غير متابعة بقوة لقناة «روسيا اليوم» بالعربية تبث اعمالها من موسكو مباشرة، وشريحة من المثقفين العرب ترصدها باهتمام في المقابل لموضوعيتها، وكثيرٌ من العرب وغيرهم في منطقتنا غارقون في وحل الدعايات السوداء والرمادية الإعلامية، وهي التي حجبت عنهم الحقيقة وما وراءها، ومنعتهم من التفريق، وبين المنقذ والجلاد، وهو ما انسحب على بسطاء العرب ومثقفيهم.
وما كان من الممكن ملاحظة فروقات في الموقفين الروسي (السوفييتي) والأمريكي في الماضي، لكن إذا ما اردنا أن ندقق النظر سنجد بأن السوفييت دخلوا الحرب الأولى العالمية مبكراً وخرجوا منها مبكراً بسبب اندلاع الثورة البلشفية انذاك 1917، وفي الحرب الثانية دفع الروس والسوفييت فاتورة مرتفعة من القتلى وصلت إلى 27 مليون انسان، فيما بلغت خسارة امريكا التي دخلت الحرب تلك متأخرة حوالي نصف مليون نسمة فقط، ومن غير المعقول ولا الممكن تصور ان (الروس–السوفييت) الذين طردوا ارهاب ادولف هتلر جاءوا إلى سورية بعد انفصالهم سوفييتياً لممارسة الارهاب ضد الشعب السوري المسالم كما تشيع ماكنة الاعلام الغربية المبرمجة ومعها شبيهتها العربية، حيث نسمع وحتى وقتنا هذا بإشاعات مغرضة ترسخت وسط ناسنا مفادها بأن روسيا القت بالقنابل المتفجرة فوق المدن السورية، وفي المشهد العربي والشرق اوسطي نلتقط فروقات عديدة حرّي بنا أن نرصدها ونسجلها خدمة للرأي العام العالمي، فهبوط (روسيا- السوفيتية) في افغانستان عام 1979 كان الغرض منه استباق الحرب الباردة العلنية من جانب الغرب الامريكية، وروسيا المعاصرة لم تكرر تجربة افغانستان في سورية كما يشاع إعلامياً في وقتنا هذا واعتمدت قصف الارهاب فقط من الجو والبحر وأعادت تسليح الجيش العربي السوري، وقابل هذه المعادلة حدوث اخطاء عسكرية بداية ثم تلافيها لاحقاً، وكان لدقة السلاح الروسي فضل في السيطرة على اجواء الحرب وتجنب قصف المدنيين، وتعاون روسي امريكي وعبر مجلس الامن والأمم المتحدة لنزع سلاح سورية الكيماوي وهو ما تم فعلاً بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2018، ولم تلجأ روسيا في افغانستان وفي العراق وفي سورية وفي ليبيا وفي اليمن على قلب انظمة الحكم، ولم تدخل افغانستان تحديداً ولا سورية إلا باتفاقية مسبقة.
وفي العراق عام 1980/ 1988 وقف السوفييت وفي مقدمتهم الروس إلى جانب تسليحه لمواجهة السلاح الامريكي الغازي من طرف ايران، ونصح رئيس وزرائهم بريما كوف، صدام حسين نهاية عام 2002 بترك السلطة واستلام حزب البعث لتفادي اجتياح حلف (الناتو) العسكري للعراق، وحدثت الكارثة التي توقعها وتم تسليم العراق لإيران عام 2003 بسبب رفض الانصياع لنصيحته السياسية انذاك، وهي التي بدأت بإعدام صدام نفسه، وهو الذي لم ترتح له روسيا بطبيعة الحال.
وقبل عام 2011 احتار الروس بما يجري في محيط الملف الليبي وتساءلوا عن سبب اقتراب حراك حلف (الناتو) منه واكتفوا بالمراقبة والمتابعة، ثم عادوا حديثاً هذا العام 2017 للتعاون مع ليبيا بعد عهد القذافي الذي لم يتفقوا أيضاً مع طريقة قتله من دون محاكمة عادلة، وحالياً نشهد اقترابا روسيا من حكومة الوفاق الوطني ومن جماعة اعلان طبرق واللواء خليفة حفتر وبدعوة منهم لمعالجة الوضع غير المستقر في ليبيا وبهدف إعادة البناء، وفي الموضوع اليمني وسط هيجان ما يسمى بالربيع العربي المتحول إلى إرهاب متلاطم ومتحرك مسخ اسود، لم تتفق روسيا مع غزوه من الخارج امريكياً وعربياً وتركت خيار مستقبل اليمن لصناديق الاقتراع، وعلاقات روسية إيرانية متطورة لا علاقة لها بالهلال الشيعي الممتد وسط البلاد العربية وبتدخلاته وسطهم، وهي اقتصادية نووية سلمية بحتة، وسياسية ذات علاقة مباشرة بملفات سورية والعراق واليمن، وزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الاخيرة لموسكو بتاريخ 28/اذار/2017 ولقاءه الرئيس بوتين تؤكد ذلك، وحوار روسي-ايراني مشترك حول الاتفاق الإيراني المشهور (5+1)، ومن دون حساسية او تخوف على آمن (إسرائيل) أو حتى على آمن أمريكا كما شهدته حقبة تولي الرئيس الأمريكي ترامب لسلطة البيت الأبيض في واشنطن 20/1/2017.
وكل ما جرى ويجري على الساحة الدولية من مماحكات بين الدولتين العملاقتين نووياً روسياً وأمريكا يعود لمخلّفات الحرب الباردة العلنية في نهاية عام 1945 رغم النصر المشترك على النازية الالمانية حينها، واليوم وقبل وبعد قدوم السلطة الجديدة في واشنطن نلاحظ حرصاً روسياً على عدم الاقتراب من مساحات التماس مع أمريكا.
نجد بأن روسيا ارتكزت على دقة سياستها الخارجية النابعة من عقلية متوازنة وحكيمة باحثة عن السلام ومقدمة له على العسكرة، والرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف ضربوا أمثلة واضحة بهذا الاتجاه في مؤتمرات (جنيف) و(الاستانا) و(جنيف) من جديد.
وللمقارنة مع (اسرائيل) هنا نكهة خاصة فإذا كان شتاتها اليهود يدّعون هروبهم من محرقة نازية هتلر والعلم عند الله، فأنها اقامت دولتها على اكتاف جماعات مثل الهاغاناه وشتيرن الممكن تشبيهما بعصابات القاعدة المجرمة، وفي كل حروبها لم تفرق بين العرب والإرهاب ومارست النازية المباشرة ضدهم في غزة وجنوب لبنان. واليوم نتطلع لبزوغ فجر جديد نشاهد فيه تقارباً روسياً امريكياً حميمياً وبالعكس بصفتهما العملاقة المتوازنة نووياً وفي الفضاء، وجبهة واحدة عالمية نريدها ضد الارهاب اياً كانت تسميته المسخة، ولا حوار معه وإنما حرب شاملة لاقتلاع جذوره الايدولوجية الفاسدة التي ورثها العالم من الجناح السلبي للوهابية، وجراء تلاطم «الربيع العربي» ووصوله إلى مرحلة الخراب والدمار والقتل والتشريد بدلاً من تطويق الفساد والظلم والديكتاتورية، ولا مخرج لازمات شرقنا العربي الاوسطي من دون إيجاد حل عادل وناجح للقضية الفلسطينية العالقة منذ عام 1948، والتعنت الاسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو سيبقي يشكل إعاقة حقيقية لسلام المنطقة ولأمن العالم، وان اوان امريكا ان تذهب لتنسيق سياستها الخارجية مع العرب ودول العالم. والضربة الامريكية الاخيرة الموجهة سياسياً لنظام دمشق أعطت اشارة لموسكو لرفع يدها عن كل ماله علاقة بالأسد الذي كان يتوجب عليه إزالة مصنع المواد السامة من دون الحاق الضرر بالأطفال والمسالمين من ناسه، وكان على امريكا التعاون مع روسيا ومجلس الامن لتقصي حقيقة الضربة السورية أولاً وما وراءها. ومطلوب من روسيا أيضاً في المقابل ربط نظام دمشق بالعمل الانساني وعدم تجاوزه.
الرأي