الرواشدة تكتب: معركة الكرمة ... درة الشرف العربي
بقلم: عروبة عاطف الرواشدة
"وكانت الأسود تربِض في الجَنبات على اعتاب السفوح وفوق القمم في يدها القليل من السلاح والكثير من العزم وفي قلوبها العميق من الايمان بالله والوطن , وتفجر زئير الأسود في وجه المد الأسود ... الله اكبر"
بهذا وصف جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال - طيب الله ثراه- المعركة الأبرز في تاريخ العربي الحديث، فبعد سلسلة الحروب العربية الإسرائيلية والتي كان بها النصر حليفا لإسرائيل منذ عام 1948 وصولا الى حرب حزيران الحزين عام 1967 والذي استولت به إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان، جاءت معركة الكرامة الخالدة لتبث الأمل في صدر الأمة العربية.
هذه المعركة التي خسر خلالها الجيش الإسرائيلي ثلاثة أضعاف ما خسره في حرب حزيران 1967 من آليات ودبابات، هذه المعركة التي اعتقدها العدو نزهة قصيرة أو وفق ما أسمته القوات الإسرائيلية بالعملية البوليسية الخاطفة، لكنها كانت اشتباكاًعسكرياً أسفر عن خسائر فادحة لم تكن يتوقعها العدو الإسرائيلي، لتتحول تلك النزهة للسيطرة على مرتفعات المملكة الى فاجعة حقيقية.
يقول جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال - طيب الله ثراه- في كتابه (مهنتي كملك): "فمنذ أن دقت الساعة الخامسة والنصف من صباح 21/ اذار عام 1968 اشتعلت نيران معركتنا الأخلد والتي استمرت لستة عشرة ساعة متتالية" حيث كانت أهداف الكيان الصهيوني من شن غارته على أراضي الضفة الشرقية وحدود الأردن تتمثل بالقضاء على قوة الجيش العربي وتحطيم الروح المعنوية له وتدمير الحياة الاقتصادية في وادي الأردن والتي كانت في حالة تدهور واهتزاز، فبالرغم من كل الهجمات التي وجهتها إسرائيل الى الأردن ومن محاور عدة بالإضافة الى التغطية والهجمة الإعلامية التي ترمي الى إبادة الروح المعنوية الأردنية والتي تدعو بها الجيش الأردني الى الاستسلام وعدم المقاومة، إلا أن كل ذلك قد قوبل بدفاع عنيف من الجيش الأردني العربي، مما اجبر القوات المهاجمة على الانسحاب.
ولم تكن معركة الكرامة محدودة الأهداف بل امتدت من جسر الأمير محمد شمالا الى جسر الأمير عبدالله جنوبا مرورا بالاغوار الوسطى وغور الصافي وغور المزرعة، وما الغاية من تعدد المحاور تلك إلا تشتيت الجيش العربي وتضليله ولكن المعركة رسمت نهاية مقولة الجيش الذي لا يقهر، حيث استطاع الجندي الأردني الباسل وبقيادته الحكيمة انتزاع النصر من العدو وجعله يعترف بالهزيمة ويجر أذيال الخيبة والفشل.
وقد جاء رد جلالة المغفور له الملك الحسين - طيب الله ثراه- واضحا حينما طلبت إسرائيل وقف اطلاق النار فقال مخاطبا جيش العروبة الباسل: "أيها الرجال في أرض المعركة اقتلوهم حيث وجدتموهم بأسلحتكم، بأسنانكم، إخوانكم في العروبة معكم في هذه المعركة البطولية الخالدة".
وبالرغم من كل الضغوطات الدولية التي كانت تطالب بوقف اطلاق النار رفض الحسين ذلك طالما أن هناك جنديا إسرائيليا واحدا شرقي نهر الأردن، وما كان هذا سوى نتاج للتلاحم القوي بين الشعب والجندي والقائد والذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز النصر الذي تحقق بالفعل، فمعركة الكرامة كانت معركة وجودية بالنسبة للأردن، معركة البذل في سبيل الله، وكان النصر وحماية الأردن الهدف الأسمى لآلاف من أسود الجيش العربي، لتكون هذه العقيدة بوصلة دائمة لهذا الجيش وعلى مر أجياله، ويتمثل هذا بقول جلالة الملك عبدالله الثاني: "إن قوتنا ودورنا المحوري في المنطقة والعالم ليس بصدفة، إنما هو من صنع أياد اردنية مثابرة مبدعة وضعت الأردن على خريطة التميز والإنجاز ورفعت راية الأردن عاليا في مختلف الميادين"
فقد اثبتت معركة الكرامة أن الأردنين قادرين على تحقيق النصر بأيآد صنعت البطولة والفداء والصمود متسلحين بصوت جلالة الحسين - طيب الله ثراه- وهو يجلجل قائلا : " قولوا للإنسان العربي إن في الأردن شعبا نذر نفسه من أجل أمته وقضيتها وجيشا يلقى أبناؤه الموت بصدورهم الصلبة "
وجاء صوت فيروز صادحا: "والقصة الأخيرة قصتنا الكبيرة نكتبها جميعا بالأحرف الكبيرة".