العراق: سرنا طيلة الليل بعيداً عن الطرقات خوفاً من أن يمسكوا بنا
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/11 الساعة 17:27
مدار الساعة - يقطن مخيم العلم الذي يقع على مقربة من تكريت نحو 8,000 امرأة وطفل ورجل نزحوا من بيوتهم في الشمال جراء النزاع القائم. جاءت هذه الأسر إلى هنا بحثاً عن الأمان والمساعدة، هرباً من بلدات وقرى اجتاحها النزاع وتشح فيها موارد الغذاء والوقود والأدوية.
يتألف المخيم من قسمين يحيط بكل منهما سياج معدني مرتفع. وهناك تتمايل الخيام التي تدفعها الرياح القوية تحت سماء رمادية داكنةٍ كالفولاذ. يرتدي الأطفال صنادل وملابس خفيفة ويلعبون بين الخيام، فيما تقف إحدى الأسر بمتاعها خارج البوابات، بعد أن وصلت لتوها وهي في انتظار تسجيلها وحصولها على خيمة.
"لا يحضرون معهم إلا ما يستطيعون حمله"
يبدأ الناس في الاصطفاف منذ الصباح الباكر أمام عيادة المخيم التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود، وسرعان ما تعج صالة الانتظار بالأطفال وأمهاتهم.
وتقول منسقة المنظمة الطبية جيرالدين دوك: "الناس في وضع صعب للغاية ويعتمدون على المساعدات الإنسانية. فقد فروا من النزاع وغالباً ما يصلون إلى هنا ولا يحضرون معهم إلا ما استطاعوا حمله. يتميز المناخ هنا بقسوته، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر شتاءً في حين تكون الشمس حارقةً خلال الصيف. يعيش الناس في الخيام وينامون على الأرض أو على فرش رقيقة".
"انفجر في يدي"
جاء خالد ابن التسعة عشر ربيعاً برفقة أسرته إلى العلم في شهر أكتوبر/تشرين الأول قادماً من الحويجة الواقعة في الشمال. ويقول: "سرناً طيلة الليل بعيداً عن الطرقات خوفاً من أن يمسكوا بنا. التقطت شيئاً ما كان على الأرض خلال مسيرنا لكنه انفجر في يدي". أدى الانفجار إلى إصابات خطيرة في ذراع خالد ورأسه، وقد خضع لعدة عمليات جراحية في مستشفيات المنظمة. يأتي خالد اليوم إلى عيادة أطباء بلا حدود لتنظيف جروحه وتبديل ضماداتها.
تخضع منطقة الحويجة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية منذ أكثر من سنتين. وقد فرّ منها عشرات آلاف الناس منذ تكثيف العمليات العسكرية في أغسطس/آب. تتحدث العديد من الأسر القادمة من هناك عن نقص في الغذاء والوقود تعاني منه المنطقة، كما تصف الرحلات الخطيرة التي تعيَّن عليها خوضها وصولاً إلى بر الأمان.
نزح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي منذ سنة 2014 جراء العنف. كما أدى النزاع إلى إعاقة نظام الرعاية الصحية في البلاد وتفاقم إجمالي الاحتياجات بالنسبة للخدمات الطبية.
العيش في مبانٍ غير مكتملة
تعمل فرق أطباء بلا حدود كذلك على توفير الرعاية الصحية ودعم الصحة النفسية في مخيم عبور يدعى سايلو الحجاج وكذلك في الصمد، أحد أحياء ناحية العلم، حيث تعيش أسر نازحة في مبانٍ غير مكتملة.
تنتظر في مخيم سايلو الحجاج ثلاث نساء وصلن لتوهن من الحويجة سيراً على الأقدام، حيث يقفن خارج عيادة أطباء بلا حدود المتنقلة وبرفقتهن رضيعان. ولد هذان الطفلان في الليلة ذاتها قبل نحو ستة أشهر، غير أن أحدهما أصغر حجماً من الآخر بكثير.
تقول الأم: "إنها تعاني من مشكلة في القلب. سرنا طيلة الليلة عبر الجبال لنصل إلى هنا لأنه ما من طعامٍ كافٍ في الحويجة. ليس هناك أطباء، كما أن كل المواد من وقود وأدوية وحتى الصابون باهظة الثمن هناك".
لا تقف الصدمة عند حادث واحد بل تتعدد الحوادث
قَدِم معظم النازحين المقيمين في تكريت من الحويجة الواقعة في الشمال الشرقي أو من الشرقاط وبيجي إلى الشمال الغربي. وقد شهد معظمهم تقريباً أو عاشوا عنفاً وحشياً من شأنه أن يخلف مشاكل نفسية. لقد أدت صدمة النزوح والبعد عن الأهل، إلى جانب محدودية الرعاية الطبية، إلى تفاقم المشاكل النفسية التي يعاني منها في الأساس الناس. كما أن ضعف ظروف المعيشة والغموض الذي يعتري مستقبل الناس يزيد من توترهم وإجهادهم، وهو ما يبرز أهمية إدراج دعم الصحة النفسية في إطار أنشطة أطباء بلا حدود.
وتقول آنا مارتينز، مديرة أنشطة الصحة النفسية في أطباء بلا حدود: "نرى العديد من المرضى يصلون إلى هنا وهم يعانون من أعرض الإجهاد والصدمة. فهم لم يعيشوا حدثاً صادماً أو حدثين فحسب، إنما تعرضوا بانتظام لحوادث صادمة وعنف مستمر. وهذا ما ينعكس على الأعراض التي تظهر عليهم والتي تشمل على سبيل المثال نوبات الهلع واضطراب الإجهاد التالي للصدمة ومشاكل النوم والآلام الجسدية العامة".
تقدم فرق أطباء بلا حدود بمساعدة المستشارين النفسيين الدعم للمرضى بهدف الحؤول دون تفاقم خطر الأعراض التي يعانون منها. لكن أعراض بعضهم شديدة في الأساس وهم بحاجةٍ إلى رعاية نفسية تخصصية يمكن أن يشكل تأمينها تحدياً كما تقول مارتينز:
"يتعين إحالة بعض مرضانا إلى المستشفى كي يتلقوا رعاية نفسية تخصصية. لكن ليس هناك سوى طبيب نفسي واحد في مستشفى صلاح الدين العام، كما أن الأدوية النفسية المطلوبة لا تتوفر على الدوام. يمكن أن تعاني الإحالات كذلك من تعقيدات تتعلق بتأمين الموافقات الأمنية التي تسمح للمرضى بعبور الحواجز للوصول إلى المستشفى".
لقد علق نازحو العراق بين المطرقة والسندان، فظروف المعيشة في المناطق الأكثر أمناً التي يفرون إليها بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون الأفضل، كما يصعب عليهم العودة نظراً لاستمرار تدهور الأمن وغياب متطلبات الحياة الأساسية.
تدير فرق أطباء بلا حدود عيادات متنقلة وتجمعات سكنية غير نظامية في منطقة تكريت منذ أغسطس/آب 2016، حيث تقدم الاستشارات العامة وتعالج الأمراض المزمنة وتدعم الصحة النفسية. كما افتتحت في يناير/كانون الثاني 2017 عيادةً دائمة تضم وحدة متخصصة في تثبيت حالة المرضى في مخيم العلم.
تعمل منظمة أطباء بلا حدود في العراق بشكل مستمر منذ عام 2006. وسعياً منها للحفاظ على استقلاليتها فإن المنظمة ترفض الحصول على التمويل من أي حكومة أو وكالة دولية فيما يخص برامجها في العراق، وتعتمد فقط على التبرعات الخاصة التي يقدمها أفراد من كافة أنحاء العالم، علماً أن عدد أفراد طاقم المنظمة في العراق يزيد عن 1,600 موظف.
يتألف المخيم من قسمين يحيط بكل منهما سياج معدني مرتفع. وهناك تتمايل الخيام التي تدفعها الرياح القوية تحت سماء رمادية داكنةٍ كالفولاذ. يرتدي الأطفال صنادل وملابس خفيفة ويلعبون بين الخيام، فيما تقف إحدى الأسر بمتاعها خارج البوابات، بعد أن وصلت لتوها وهي في انتظار تسجيلها وحصولها على خيمة.
"لا يحضرون معهم إلا ما يستطيعون حمله"
يبدأ الناس في الاصطفاف منذ الصباح الباكر أمام عيادة المخيم التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود، وسرعان ما تعج صالة الانتظار بالأطفال وأمهاتهم.
وتقول منسقة المنظمة الطبية جيرالدين دوك: "الناس في وضع صعب للغاية ويعتمدون على المساعدات الإنسانية. فقد فروا من النزاع وغالباً ما يصلون إلى هنا ولا يحضرون معهم إلا ما استطاعوا حمله. يتميز المناخ هنا بقسوته، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر شتاءً في حين تكون الشمس حارقةً خلال الصيف. يعيش الناس في الخيام وينامون على الأرض أو على فرش رقيقة".
"انفجر في يدي"
جاء خالد ابن التسعة عشر ربيعاً برفقة أسرته إلى العلم في شهر أكتوبر/تشرين الأول قادماً من الحويجة الواقعة في الشمال. ويقول: "سرناً طيلة الليل بعيداً عن الطرقات خوفاً من أن يمسكوا بنا. التقطت شيئاً ما كان على الأرض خلال مسيرنا لكنه انفجر في يدي". أدى الانفجار إلى إصابات خطيرة في ذراع خالد ورأسه، وقد خضع لعدة عمليات جراحية في مستشفيات المنظمة. يأتي خالد اليوم إلى عيادة أطباء بلا حدود لتنظيف جروحه وتبديل ضماداتها.
تخضع منطقة الحويجة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية منذ أكثر من سنتين. وقد فرّ منها عشرات آلاف الناس منذ تكثيف العمليات العسكرية في أغسطس/آب. تتحدث العديد من الأسر القادمة من هناك عن نقص في الغذاء والوقود تعاني منه المنطقة، كما تصف الرحلات الخطيرة التي تعيَّن عليها خوضها وصولاً إلى بر الأمان.
نزح أكثر من ثلاثة ملايين عراقي منذ سنة 2014 جراء العنف. كما أدى النزاع إلى إعاقة نظام الرعاية الصحية في البلاد وتفاقم إجمالي الاحتياجات بالنسبة للخدمات الطبية.
العيش في مبانٍ غير مكتملة
تعمل فرق أطباء بلا حدود كذلك على توفير الرعاية الصحية ودعم الصحة النفسية في مخيم عبور يدعى سايلو الحجاج وكذلك في الصمد، أحد أحياء ناحية العلم، حيث تعيش أسر نازحة في مبانٍ غير مكتملة.
تنتظر في مخيم سايلو الحجاج ثلاث نساء وصلن لتوهن من الحويجة سيراً على الأقدام، حيث يقفن خارج عيادة أطباء بلا حدود المتنقلة وبرفقتهن رضيعان. ولد هذان الطفلان في الليلة ذاتها قبل نحو ستة أشهر، غير أن أحدهما أصغر حجماً من الآخر بكثير.
تقول الأم: "إنها تعاني من مشكلة في القلب. سرنا طيلة الليلة عبر الجبال لنصل إلى هنا لأنه ما من طعامٍ كافٍ في الحويجة. ليس هناك أطباء، كما أن كل المواد من وقود وأدوية وحتى الصابون باهظة الثمن هناك".
لا تقف الصدمة عند حادث واحد بل تتعدد الحوادث
قَدِم معظم النازحين المقيمين في تكريت من الحويجة الواقعة في الشمال الشرقي أو من الشرقاط وبيجي إلى الشمال الغربي. وقد شهد معظمهم تقريباً أو عاشوا عنفاً وحشياً من شأنه أن يخلف مشاكل نفسية. لقد أدت صدمة النزوح والبعد عن الأهل، إلى جانب محدودية الرعاية الطبية، إلى تفاقم المشاكل النفسية التي يعاني منها في الأساس الناس. كما أن ضعف ظروف المعيشة والغموض الذي يعتري مستقبل الناس يزيد من توترهم وإجهادهم، وهو ما يبرز أهمية إدراج دعم الصحة النفسية في إطار أنشطة أطباء بلا حدود.
وتقول آنا مارتينز، مديرة أنشطة الصحة النفسية في أطباء بلا حدود: "نرى العديد من المرضى يصلون إلى هنا وهم يعانون من أعرض الإجهاد والصدمة. فهم لم يعيشوا حدثاً صادماً أو حدثين فحسب، إنما تعرضوا بانتظام لحوادث صادمة وعنف مستمر. وهذا ما ينعكس على الأعراض التي تظهر عليهم والتي تشمل على سبيل المثال نوبات الهلع واضطراب الإجهاد التالي للصدمة ومشاكل النوم والآلام الجسدية العامة".
تقدم فرق أطباء بلا حدود بمساعدة المستشارين النفسيين الدعم للمرضى بهدف الحؤول دون تفاقم خطر الأعراض التي يعانون منها. لكن أعراض بعضهم شديدة في الأساس وهم بحاجةٍ إلى رعاية نفسية تخصصية يمكن أن يشكل تأمينها تحدياً كما تقول مارتينز:
"يتعين إحالة بعض مرضانا إلى المستشفى كي يتلقوا رعاية نفسية تخصصية. لكن ليس هناك سوى طبيب نفسي واحد في مستشفى صلاح الدين العام، كما أن الأدوية النفسية المطلوبة لا تتوفر على الدوام. يمكن أن تعاني الإحالات كذلك من تعقيدات تتعلق بتأمين الموافقات الأمنية التي تسمح للمرضى بعبور الحواجز للوصول إلى المستشفى".
لقد علق نازحو العراق بين المطرقة والسندان، فظروف المعيشة في المناطق الأكثر أمناً التي يفرون إليها بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون الأفضل، كما يصعب عليهم العودة نظراً لاستمرار تدهور الأمن وغياب متطلبات الحياة الأساسية.
تدير فرق أطباء بلا حدود عيادات متنقلة وتجمعات سكنية غير نظامية في منطقة تكريت منذ أغسطس/آب 2016، حيث تقدم الاستشارات العامة وتعالج الأمراض المزمنة وتدعم الصحة النفسية. كما افتتحت في يناير/كانون الثاني 2017 عيادةً دائمة تضم وحدة متخصصة في تثبيت حالة المرضى في مخيم العلم.
تعمل منظمة أطباء بلا حدود في العراق بشكل مستمر منذ عام 2006. وسعياً منها للحفاظ على استقلاليتها فإن المنظمة ترفض الحصول على التمويل من أي حكومة أو وكالة دولية فيما يخص برامجها في العراق، وتعتمد فقط على التبرعات الخاصة التي يقدمها أفراد من كافة أنحاء العالم، علماً أن عدد أفراد طاقم المنظمة في العراق يزيد عن 1,600 موظف.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/11 الساعة 17:27