صليبا يكتب: هل من مبرر لاعتماد الأرقام العربية في كتاباتنا؟

مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/12 الساعة 17:22
بقلم: باسل صليبا – باحث في مهارات التفكير الناقد ومستشار في تنمية القيادات وتطوير المؤسسات يدور نقاش موسّع هذه الأيام حول الصيغة المناسبة التي يجب اعتمادها للأرقام التي نستخدمها. وهذا النقاش، وإن كان ليس بجديد، إلا أنه أخذ زخماً إضافياً حين شجّع المركز الوطني للمناهج على استخدام ما يُتعارف عليه بالأرقام العربية (1 2 3) Arabic Numerals في كتب المناهج الدراسية، في حين قرر ممثل نقابة المعلمين الأردنيين تعليق حضوره جلسات المجلس الأعلى للمركز الوطني للمناهج، وربط عودته بعدة شروط على رأسها عودة استخدام ما يتعارف عليه بالأرقام الهندية أو الأرقام العربية المشرقية (۱ ۲ ۳) Arabic Hindu Numerals. وفي هذا البحث الموجز، رأيت أن أنظر في هذين الموقفين ومبرراتهما في استخدام الأرقام العربية أو الهندية مستخدماً أدوات التحليل الموضوعي والتفكير المنهجي والفكر الناقد. عند استعراض تاريخ هذه الصيغ من الأرقام، نلاحظ أن أصول الأرقام في الجهتين متشابهة. فقد أخذ العرب فكرة الأرقام من الهنود، إذ كان لدى الهنود أشكال متعددة للأرقام، واختار الرياضيون العرب، بدءاً من الخوارزمي، مجموعة منها وهذبوها وكونوا منها مجموعةً من الأرقام نسميها اليوم باسم الأرقام الهندية أو الأرقام العربية المشرقية، واستعملها العرب في المشرق العربي. كما قام الخوارزمي باختراع مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم الأرقام العربية، وفيما بعد استعملها العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله. وقد قام الخوارزمي بتصميم تلك الأرقام العربية على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم. فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنان يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا، وهكذا. (المراجع: ويكيبيديا ومراجع أخرى عديدة). وحين نقارن الآن بين الصيغتين، يتبيّن أن لاستعمال الأرقام العربية مزايا عديدة عن الأرقام الهندية، أجملها في التالي: 1. الانتشار العالمي للأرقام العربية: فهي الآن متعارف عليها ومستخدمة في كل دول العالم كصياغة معروفة ومفهومة للأرقام. وهي الصيغة المعتمدة عالمياً في الكتابات والمقالات ومحتويات وعناوين المواقع على الانترنت، وفي صيغ الإيميل وأرقام الحسابات البنكية وجداول المحاسبة وغيرها. 2. انتشارها في البيئة العربية: تستخدم دول المغرب العربي الأرقام العربية منذ وقت طويل، بالإضافة الى أن دول الخليج العربية تحوّلت إليها وباتت تستخدمها بشكل عام، وفي الكتب المدرسية بشكل خاص. كما أن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام العربية تستخدمها. 3. شيوع استخدامها في الأردن: فهي مستخدمة في معظم صحفنا الورقية وعموم مواقعنا الالكترونية، وموجودة أيضاً على لوحات سياراتنا وارقام عماراتنا وترقيم شوارعنا وعناوين بريدنا، وعلى ملصقات وشروحات ما ننتجه من صناعات وملبوسات وأغذية وأدوية وغيرها كثير. 4. اعتمادها ضمن التكنولوجيا الحديثة: فهي الصيغة الأساس للأرقام في جميع أجهزة التكنولوجيا الحديثة التي لدينا من كمبيوتر ولابتوب وموبايل وأجهزة منزلية ومكتبية وغيرها، والتي هي بين أيدينا جميعاً كباراً وصغاراً. 5. تواجدها في بيئة الطالب: فهي على الكمبيوتر والآلة الحاسبة وتجهيزاته وأدوات مختبره وموازينه ومقاييسه وحتى مسطرته. كما أنها الصيغة المعتمدة في المعادلات العلمية والرياضية وفي لغات البرمجة جميعها. 6. توفر عدد هائل من الخطوط والأشكال Fonts للأرقام العربية: وقد ساعد في هذا كونها الصيغة المعتمدة في كل البرامج والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي. 7. وضوح رقم الصفر في الحجم والشكل: فهو يظهر بحجم متوازن مع بقية الارقام حيث يتخذ شكل دائرة كاملة، وهذا الوضع افضل من الصفر في الارقام الهندية المتمثل في نقطة واحدة صغيرة مقارنة بحجم بقية الأرقام. كما أن الصفر في الارقام العربية لا يماثله اي حرف من احرف الهجاء العربية او اي رقم آخر، بينما نجد الصفر "النقطة" في الارقام الهندية يماثل النقطة المستخدمة مع بعض الاحرف الهجائية، كما يماثل نقطة نهاية السطر. 8. الاختلاف في الشكل بين النقطة العشرية والفاصلة الألفية في الأرقام العربية (مثال 1,500.5)، بينما تستخدم الفاصلة ذاتها كفاصلة عشرية وفاصلة ألفية في الأرقام الهندية وبما قد يسبب اللبس. 9. وجود شكل واحد بالأرقام العربية للرقم الواحد، بينما توجد أحياناً عدة أشكال للرقم الواحد في الأرقام الهندية بحسب البلد العربي، مثل تعدد أشكال الأرقام (٢، ۳). ولهذا كله، وفي ضوء التوجه العالمي والشامل لاستخدام الأرقام العربية، والمزايا التي لها مقارنة بالأرقام الهندية، فإن أي موقف معاكس لهذا التوجه ليس بالضرورة موقف خطأ، لكنه موقف مناقض لتوجه شامل وقوي ويتطلب حججاً موضوعية بنفس القوة، فالحجج والأدلة يجب أن تتناسب مع الموقف المتخذ. ولذا، أذكر تقييمي للمبررات التي يتم ذكرها للتمسك بالأرقام الهندية أو رفض الأرقام العربية. فمثلاً، لا يمكن الاحتكام الى ما له قِدمٌ بالتاريخ كمبرر للاستمرار باستعمال الأرقام الهندية. وقد رأينا في ما عرضته سابقاً أن صيغتي الأرقام العربية والهندية لهما حضور في ماضينا. علماً بأن نقاشنا يجب أن يتركز حول جدوى وملاءمة استخدام كل صيغة منهما في عصرنا الحالي، ولسنا في تنافس حول أيهما أكثر قدماً في التاريخ. فإن كان الِقدم هو المعيار فهناك صيغ للأرقام أقدم منهما كليهما. كما أن استخدامنا للأرقام الهندية في الماضي لا يوجب الاستمرار في ذلك الآن. فتكرار ممارسة من الماضي أمر جيد حين يتم تقديم الأدلة اللازمة لجدواها حالياً. كما أن شيوع أمر في مرحلة ما لا يثبت بالضرورة جدوى الاستمرار عليه. فالتقدّم العلمي والمعرفي والحضاري جلب أموراً كثيرة نافعة لم تكن من ماضينا. وكم من ممارسة شائعة من حولنا الآن نتمنى لو تستبدل بممارسة أكثر جدوي. وفي سياق مشابه من الماضي، كان عدم تنقيط الكتابة وعدم وضع علامات التشكيل أو الهمزات أو النقاط أو الفواصل أو علامات السؤال والتعجب أمر شائع من جوهر لغتنا وتراثنا وثوابتنا وموروثنا الحضاري وما اعتدنا عليه ومما استقرت عليه اللغة، ولكننا غيّرنا هذا كله في فترة ما، ونحن نفتخر حالياً بهذا التغيير. والأرقام الهندية ليست الخصوصية المُثلى التي تميزنا عن غيرنا، فالأرقام الهندية لم تكن بالأصل لنا بل أخذناها عن غيرنا وطورناها. ويلفت انتباهي هنا أن نكون أبناء حضارة تفخر بأنها قدمت الكثير مما ثبت فائدته وعمّ استخدامه للأمم الأخرى، وفي نفس الوقت نرفض أن نتبنى ذات هذا الموقف حين نكون نحن المتلقين للتغيير. كما أنّ التخوّف من موقف قد يُساء فهمه بالضعف أو الخضوع إن تم تبنّي الأرقام العربية المستخدمة الآن لدى الآخرين ليس مبرراً كافياً لوقف التغيير. والحقيقة إن مراعاة المخاوف هو أمر طبيعي وتفكير سليم، أما محاولة اثبات صحة خيار ما من خلال إثارة المخاوف والمشاعر كوسيلة للإقناع ودون تقديم حجج موضوعية فيس بأمر مقنع. وليس بصحيح أن تغيير صيغ الأرقام هو مقدمة للانزلاق نحو تغيير أحرف اللغة والخطاب والهوية وغيرها. فهذا الموقف قد يُعتبر تلاعباً بالمخاوف والعواطف إلا إذا تم بيان الحجج المقنعة على هذا الربط، وأن هذا الانزلاق هو غالباً ما سيحصل، وأنه لا يمكن التنبه إليه أو التحوّط له مسبقاً، وأنه إذا بدأ حدوث هذا الانزلاق فلا يمكن إيقافه. كما أن الاحتكام لجمالية خطوط الأرقام الهندية ماضياً أو حاضراً لا يثبت صحة التمسك بها الآن. فالجمال هو أمر نسبي وشخصي، وليس بقاعدة منهجية في الوصول الى خيار موضوعي. وفي الوقت الحالي، فإن الاحتكام الى الجمال يصب في صالح الأرقام العربية وليس الهندية. فالخطوط والأشكال والصور المتوفرة حالياً للأرقام العربية على جميع الأجهزة والبرامج هي أكثر تعدداً وتنوعاً وجمالاً مما هو متوفر للأرقام الهندية. واقول لمن يشك، اسألوا بناتكم وأولادكم! وأخيراً، ومهما حاولنا، لا يمكن التهرب من استخدام الأرقام العربية حتى لدى من لم يؤيدوا ذلك. ومن أمثلة ذلك كتاب استقالة ممثل نقابة المعلمين والذي دعا الى اعتماد الأرقام الهندية، حيث تمتلئ صفحة الكتاب بالأرقام العربية، وكتاب مجمع اللغة العربية الاردني والذي دعا الى اعتماد الأرقام العربية المشرقية (الهندية) في جميع المطبوعات، حيث عُمم على الجميع وختم بأسفله بطابع جهاز الفاكس بالأرقام العربية. وفي الحوارات على وسائل التواصل، دعا العديدون الى استخدام الأرقام الهندية، وقد ظهرت كافة الأرقام ضمن نصوص مشاركاتهم على وسائل التواصل كأرقام عربية! والخلاصة، فأن مزايا اعتماد الأرقام العربية متعددة ومتينة، وحجج رفض ذلك والتمسك بالأرقام الهندية تحيط بها الشكوك.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/12 الساعة 17:22