البطالة والأمن والهوية

مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/07 الساعة 23:00
قد يستغرب القارئ استخدام المفاهيم الثلاثة كعنوان لمقال ويسأل عن الرابط بين البطالة والهوية او البطالة والأمن. الاستغراب لا مكان له اذا ماعرفنا ان البطالة مشكلة كبيرة تسعى الدولة الأردنية لحلها في الوقت الذي يتطلع فيه الجميع الى إيلاء موضوعات الامن الوطني والهوية الجامعة اهتمامات اضافية، لهذه الاسباب يصعب تقدم البلاد نحو بناء امن وطني دون ايجاد مكان ومتسع لمئات آلاف الشباب والشابات الاردنيين العاطلين عن العمل والمنخرطين في حركة الاعتصامات والاحتجاجات التي اصبحت أحد مظاهر الفضاء العام الاردني خلال العامين الماضيين في الأردن ما يزال الكثير من العاطلين عن العمل يلومون الحكومات وسياساتها ويعتبرونها المسؤول الاول عن تعطل دخولهم وعدم العمل واستئناف دورة الحياة. في الوقت نفسه يرد بعض المسؤولين على هذه الاتهامات بأخرى تضع اللوم على الشباب الاردني المتعطل بأنهم لا يرغبون بالعمل ويتطلعون الى وظائف حكومية بعينها ويدينون عزوفهم عن الالتحاق ببرامج التشغيل التي تحاول تأهيلهم للسوق وتحسين فرص استخدامهم في وظائف ومهن تدر دخولا تفوق ما قد يحصلون عليه من الوظائف الحكومية وسط هذا الجدل قدمت الحكومة التي مضى على تشكيلها قرابة عامين قائمة جديدة من الاولويات والاجراءات والمؤشرات التي تسلط الضوء على جوانب ومجالات تشغل الناس وتهم السياسيين والنقاد وتدعو الجميع للتساؤل عن كيفية العلاقة التي تراها الحكومة بين هذه الاولويات والبرامج التي ستجسر الفجوات بين مجالاتها. فعلى اهمية الرؤية الحكومية التي تحدث عنها الرئيس فإن لا مجال لنجاحها ما لم تسند ببرامج يفهمها الجميع وتنخرط بها المؤسسات والقطاعات المختلفة ويجري تخصيص الموارد المالية لها على ان يتم التقييم الدائم لها وتصحيح الانحرافات التي قد تحدث اثناء التطبيق التجربة الاردنية كانت زاخرة بالشعارات التي تراوحت بين اهل العزم و الأردن اولا و ارفع رأسك وغيرها من الشعارات التي استحوذت على اهتمام الاعلام لبضعة ايام واسابيع قبل ان تختفي دون قياس للأثر الذي احدثته على مفاهيم الهوية والشخصية والانجاز. اليوم لا احد يعرف بدقة كيفية ظهور هذه المفاهيم وتحولها الى شعارات ومدى ارتباط اي منها ببرامج للعمل والتغيير وفيما اذا جرى استبدالها بعد مراجعة وتقييم في قراءة اولية لوثيقة الاولويات الحكومية المنشورة على الموقع الالكتروني لرئاسة الوزراء يتولد لدى القارئ انطباع بدخول الحكومات الاردنية الى مرحلة التخطيط والعمل الجماعي الذي يتجاوز منهج البيانات الوزارية التي تعرض على مجالس النواب كأفكار مجزأة وعروض إنشائية يصعب أن تجد لها برامج تنفيذية او مؤشرات لقياس مدى تحققها على الارض. للوهلة الاولى يسهم البناء الشكلي للوثيقة في خلق الانطباع بوجود تصور شمولي يحتاج الى مزيد من المناقشة والتحليل والفهم لدى كافة جهات التخطيط والتنفيذ على مستوى المؤسسات والمحافظات الرؤية الحكومية التي عرضها الرزاز رؤية تنموية اقتصادية ثقافية سياسية قيمية تؤسس لمشروع وطني يعالج اشكالات الهوية ويؤسس لترميم العلاقة بين الحكومة والمجتمع ويدعو الى الاعتماد على الموارد الأردنية التي جرى تعريفها. المشكلة التي ما تزال تهدد العلاقة بين الحكومة والشعب ترتبط بالغموض الذي يلف قطاع الطاقة والاستثمارات والتشغيل اضافة الى عدم قناعة الناس بعدالة الاسعار التي يكابدونها للطاقة بأشكالها المختلفة خصوصا وهم يتابعون تهاوي اسعار الطاقة في العالم وارتفاعها في بلدهم الحل الذي يؤسس لنمط جديد يرتبط بالاجابة على الاسئلة التي يطرحها الشارع حول الكهرباء والبنزين وتنوع وتعدد الشركات المسجلة في الخارج والمنشغلة بترتيب امور اقتصادنا. بدون الانتقال الى محافظات المملكة ودمج الجامعات الأردنية في التطوير والتدريب والقياس قد يبقى المشروع حبرا على ورق او عرضا جيدا للنوايا التي حملتها الحكومة وتعثرت قبل ان يهضمها المجتمع وتنعكس على واقعه.(الغد)
مدار الساعة ـ نشر في 2020/03/07 الساعة 23:00