أزمة كورونا: عالقون وسط معادلة صعبة
الدول الناجية من تسجيل إصابات بفيروس كورونا، تكافح بكل طاقاتها لتتجنب الانضمام إلى قائمة الدول الموبوءة. لكن مع اتساع دائرة الفيروس وانتشاره في عشرات البلدان، تبدو المهمة صعبة للغاية، وقد يكون ثمن المحافظة على نظافة السجل أكبر من الثمن الذي تدفعه المجتمعات التي انتشر فيها الفيروس. وأعني بذلك الإجراءات الاحترازية في المطارات، وخفض النشاط العام والتجمعات بكل أشكالها ما يدفع إلى إلغاء فعاليات رياضية وثقافية وسياحية
الحظر المفروض مثلا على استقبال السياح من دول الانتشار الأوسع للفيروس، أو السفر إليها يعني خسائر صافية لقطاعات عديدة، كما أن حالة الذعر التي تصيب الناس تضرب النشاط الاقتصادي وأسواق المال في الصميم
ما نزال في الأردن نحافظ على سجلنا نظيفا من حالات الإصابة بفيروس كورونا، لكننا نعيش تحت وطأة الخوف والقلق، ويدفعنا الحذر يوميا إلى المزيد من الإجراءات المتشددة لسد كل الثغرات المحتملة، لكن ذلك ليس بلا ثمن، وإذا ما حافظ الفيروس على معدل انتشاره السريع سنضطر إلى الانخراط أكثر في الجهود العالمية لاحتواء الوباء
في عرضه لخطط وزارة الصحة لمواجهة الفيروس، لم يستبعد وزير الصحة سعد جابر إقدام الحكومة على تعطيل المدارس والجامعات، ومنع التجمعات في دور العبادة والمقاهي، في حال سجلت إصابات بالفيروس. لم يحدد الوزير جابر مستوى الاصابات الذي يقتضي اللجوء إلى تفعيل هكذا خيار مزعج، لكن مجرد وجود مثل هذا التوجه، وهو صائب دون شك، يتطلب الأمر من المسؤولين الحد من كلفته قدر المستطاع
يمكن على سبيل المثال العمل منذ الآن لتكثيف العام الدراسي في المدارس والجامعات، بزيادة عدد الحصص وساعات المحاضرات، وتقليص المنهاج إن أمكن ذلك لاختصار التقويم السنوي، بحيث لا تتراكم على الطلاب وحدات دراسية كثيرة في حال اضطرت الوزارة لتعليق الدوام
وتستطيع الحكومة أيضا اتخاذ قرار فوري وعاجل بتعليق مشاركة المسؤولين بالمؤتمرات والاجتماعات خارج المملكة، وتكليف السفراء تمثيل الأردن كلما اقتضت الضرورة
وللمحافظة على مستوى مقبول من النشاط في المرافق العامة والرسمية، يتعين على السلطات المعنية تنظيم حملات مستمرة لتطهير وتعقيم تلك المرافق، وتوفير مواد التعقيم الصحية في المدارس والجامعات ودور العبادة والدوائر الرسمية. وتشغيل خط ساخن للتبليغ عن الحالات المشتبه فيها،أو البؤر الساخنة التي تشكل تهديدا بيئيا وصحيا
لم تكن إجراءات وزارة الصحة موفقة في بدايتها، وكشفت الفيديوهات المسربة من قسم الحجر الصحي في مستشفى البشير عن خلل فادح يؤشر على سوء إدارة في التعامل مع الملف برمته. لكن الوزارة وعدت بتصويب الوضع، واستحدثت قسما خاصا خارج مستشفيات الوزارة للحجر الصحي، حيث اختارت فندقا لهذه الغاية، ووعدت بالتشديد في تطبيق البروتوكول الصحي في المطارات والمعابر البرية. وفي الوقت ذاته قرر رئيس الوزراء إشراك مركز الأزمات الوطني في إدارة الأزمة وتولى بنفسه اجتماعا تنسيقيا لضمان سلامة الإجراءات
في كل الأحوال، ينبغي علينا جميعا أن نسعى للمحافظة على نسق طبيعي لحياتنا، دون إهمال للظروف المحيطة والمخاطر المترتبة على وصول الفيروس للأردن، لعلنا نقلل من خسائر الاقتصاد قدر المستطاع ونتجنب الفيروس اللعين
معادلة صعبة دون شك، لكن العالم كله عالق وسطها لزمن مفتوح.(الغد)