العمالة الأجنبية تدفع ثمن أزمة الدولار في لبنان
مدار الساعة - وصلت ماري إلى بيروت منذ 3 أعوام للعمل في الخدمة المنزلية وإعالة أسرتها في إثيوبيا. إلا أنها منذ أشهر لم تتمكن من إرسال أموال بسبب أزمة شح الدولار التي تعصف بعشرات الآلاف من العمال الأجانب في لبنان.
في شارع حيوي في الدورة، شمال بيروت، تتجول ماري مع صديقاتها مرتدية ثياباً أنيقة وبأحمر شفاه يزين ثغرها في يوم عطلتها الأسبوعية.
تقول الشابة ذات الملامح الخجولة والبنية الهزيلة: "كنت أقبض 400 دولار شهرياً وأحولها إلى أثيوبيا، أما اليوم فأنال راتبي بالليرة اللبنانية"، التي لامس سعر صرفها أمام الدولار 2500 ليرة في السوق الموازية، فيما لا يزال رسمياً 1507 ليرات.
وعلى ماري أن تدفع من راتبها، بعدما خسرت عملياً ثلث قيمته، بدل إيجار غرفة تقيم فيها شمال بيروت، وكلفة الطعام، والملبس على حد قولها.
وتوضح بالعربية: "ثمة مشكلة حالياً، لكن ليس من أرباب العمل بل من الدولة"، مضيفةً "لا أتمكن من إرسال المال إلى أثيوبيا".
في الشارع الشعبي، تضيق المحال على أنواعها بعمال أجانب من مختلف الأعمار، يدخلون تباعاً لشراء منتجات مستوردة من بلدانهم، من مأكل، ومشرب، وثياب.
تتسامر مجموعات من الشبان على الأرصفة، وأمام مكاتب الاتصالات، أو المطاعم التي تصدح منها الموسيقى على أنواعها، بينما تتجول شابات بثياب ملونة ذهاباً، وإياباً.
ويعيش في لبنان أكثر من 250 أل عامل خدمة منزلية، بينهم أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل، تتحدر غالبيتهن العظمى من أثيوبيا، إضافةً إلى الفلبين، وبنغلادش، وسريلانكا.
ولا يشمل هذا العدد آلافاً، بلا تصاريح عمل .
وغالباً ما تندد منظمات حقوقية والدول التي يتحدرون منها بظروف عملهم، إذ تتبع السلطات اللبنانية نظام الكفالة الذي يمنح أصحاب العمل وفق منظمة العفو الدولية "سيطرة شبه كاملة" على حياة عشرات الآلاف من عاملات المنازل المهاجرات، اللواتي يتعرضن لأشكال من الاستغلال وسوء المعاملة.
وينال معظم العمال، خاصةً في الخدمة المنزلية، رواتب ضئيلة تبدأ بـ150 دولاراً ولا تتجاوز 400 دولار شهرياً، تبعاً للجنسية. وتأثرت رواتبهم جميعاً بندرة الدولار على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد.
بات عدد كبير منهم عاجزاً على نيل راتبه بالدولار، أما تحويله لدى الصرافين فيكبده خسارة مع تراجع قيمة الليرة، ولجوء غالبية المشغلين إلى الدفع بالعملة المحلية.
إزاء هذا الواقع الذي يُرهق اللبنانيين والمقيمين على حد سواء، لا تعرف ماري ما سيحمله المستقبل القريب.
وتقول: "إذا تحسن الوضع سأعمل، وإذا لم يتحسن ماذا أفعل؟ نحن نريد الدولار".
وتتابع "في أثيوبيا لدينا كل شيء إلا الدولار. نريد المال. عندي أشقاء في المدرسة وأساعد عائلتي والآن لا أتمكن من ذلك".
وتكاد أزمة الدولار تتكرر على لسان غالبية العمالة المهاجرة سواء العاملات في الخدمة المنزلية، أو العاملين في محطات الوقود، والمعامل، والشركات، التي تئن من الانهيار الاقتصادي، وباشر عدد منها تسريح موظفيها.
واقترحت سفارة الفلبين في بيروت في 5 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، تذكرة سفر مجانية على رعاياها الراغبين في المغادرة بسبب الأزمة. وأعلنت أن أكثر من ألف فليبيني، غالبيتهم من النساء يرافقهن أطفال، قصدوا مقرها للتسجيل.
وعلى وقع الاحتجاجات غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية وفسادها منذ 17 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وجد الشاب الهندي أمانديب سينغ الذي يعمل في مشتل للزهور شمال بيروت منذ أربعة أعوام، راتبه ينخفض من 500 إلى 360 دولار تقريباً.
ويروي لفرانس برس أن رب عمله يدفع نصف راتبه بالليرة.
وينقل "أصبر قليلاً، ربما بعد شهرين أو ثلاثة سيتحسن الوضع. سأنتظر وأرى ما سيحصل".
ويضيف "إذا لم يتوفر الدولار فلا شيء في لبنان. سأذهب إلى الهند، ماذا سأفعل هنا؟".
وخفضت عاملة التنظيف البنغالية ياسمين بيغون، المبلغ الذي ترسله شهرياً إلى عائلتها من 300 إلى 150 دولاراً.
وتقول بحسرة: "ثمة مشكلة كبرى، الدولار غير متوفّر وأسعار كل شيء ارتفعت. لم يعد الوضع كما كان عليه وحياتنا صعبة"، موضحةً أنها تنال راتبها من ربة عملها بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي.
وتشرح "تقول لي السيدة لا دولار عندي، من أين أعطيك الدولار؟ وأنا... لست قادرة على فعل أي شيء".
وتفرض المصارف قيوداً مشددة على عمليات السحب بالدولار.
ويجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن الحصول على أموالهم التي ادخروها في ظل موجة غلاء، وارتفاع نسبة البطالة، وإقفال مئات المؤسسات لأبوابها.
وإذا استمرّ الوضع على حاله، لا تستبعد ياسمين العودة مع زوجها، إلى بلدهما.
من جهتها، حسمت الشابة ناف، العاملة في تنظيف المنازل والتي تتقاضى أتعابها بالساعة، قرارها بالعودة إلى أثيوبيا.
وتوضح أن ربات المنازل "يدفعن لي بالليرة اللبنانية ولا أستطيع إرسال المال إلى إثيوبيا. يقلن لي لا دولارات في المصرف".
وتضيف على عجل بينما تنتظرها صديقاتها "عائلتي تقول لي توقفي عن العمل، وتعالي إلى هنا ماذا أفعل هنا؟ أريد أن أسافر".