هل «يُغامِر» ترامب.. صَوْبَ «كوريا» هذه المرّة؟
محمد خروب
أن تأمر القيادة الاميركية في المحيط الهادئ, مجموعة «كارل فنسون» القتالية بان تكون تحت التصرف، وتصف الأمر بانه «اجراء احتياطي».. يعني ان ادارة ترامب تريد ان «تُجرِّب» حظها هذه المرة في تلك المنطقة, التي اولاها سلفه اوباما اولوية على جدول اعماله، ما فسّره كثيرون على انه بداية «انسحاب» اميركي من الشرق الاوسط الى منطقة المواجهة الجديدة مع «الصين», التي (في قراءة هؤلاء للخطوة الأوبامية) ستكون «القوة» التي ستُزاحِم واشنطن على مكانتها ونفوذها وقيادتها للعالم, ما يستوجب من واشنطن «التحوّط» ومحاولة وقف صعود الصين, حيث الاخيرة لا تتوقف عن القول في كل مناسبة ان صعودها «سِلّمي», وانها لا تنازع احدا القيادة بل هي دأبت التذكير بأن موازنتها العسكرية شفافة وليس لديها ما تخفيه, رغم انها رفعت موازنتها الدفاعية لهذا العام نحواً من 7% لكنها موازنة متواضعة لا تكاد تصل الى 150 مليار دولار, فيما تزيد الموازنة العسكرية لأميركا على 690 مليار دولار.
الخطوة الاميركية تجاه كوريا الشمالية تقترب من مغامرة جديدة يسعى او يوحي ترامب, على ضوء عدوانه الموصوف على سوريا بما هي دولة ذات سيادة وعضو في المنظمة الدولية، بانه «مستعد» لتكرار عدوان كهذا على جمهورية بيونغ يانغ (وليس الصين بالتأكيد), التي هي الاخرى عضو في الأمم المتحدة وتخضع لحصار وعقوبات شديدة منذ اكثر من عشر سنوات, لكنها ترفض التخلّي عن برنامجها النووي الذي اصابت فيه نجاحا ملحوظاً، فيما يتواصل برنامجها الصاروخي الذي يتم التركيز عليه هذه الايام ,وبخاصة بعد التجربة الصاروخية الاخيرة, التي قيل في الاعلام الاميركي والكوري الجنوبي والياباني انها «فشِلت» وكانت ترمي لاختبار صاروخ سكود مُطوّر بهدف تحميله رأساً نووياً, يمكنه الوصول للشواطئ الأميركية (يُهوِلون ذلك لِتضليل الرأي العام الأميركي والعالمي).
ليس سهلاً على واشنطن ترجمة تهديداتها الاخيرة, التي تزامنت مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الاولى لأميركا في عهد ترامب, حيث استضافه الاخير في المنتجع الذي يملكه في ولاية فلوريدا، وكان ترامب نفسه, كما اركان ادارته وبخاصة وزير خارجيته الذي بدأ يتخذ مواقف «صقورية», تُذكِّرنا بأجواء ادارة جورج بوش الابن, كذلك مندوبته لدى الامم المتحدة نيكي هايلي, عندما قال ثلاثتهم في ما يشبه تكرار الاسطوانة ذاتها: ان الولايات المتحدة مُستعدَّة للتحرك «وحدها».. اذا لم تكن «الصين» قادرة على التنسيق معنا».
ملف «كوريا الشمالية» يكاد يختلف جذريا عن ملف الازمة السورية لاسباب جيوسياسية, واخرى ذات صلة بما استقرت الامور عليه في شبه الجزيرة الكورية بعد انتهاء الحرب الكورية اوائل خمسينيات القرن الماضي, كذلك في ما خص طبيعة موازين القوى التي تحكم تلك المنطقة, وخصوصاً تداعيات ما تقوم به الولايات المتحدة من مناورات وحشود عسكرية وبناء تحالفات جديدة حتى مع اعداء قدامى مثل فيتنام, ومحاولاتها التي لا تتوقف لاستفزاز الصين وبخاصة في بحر الصين الجنوبي (محور الصراع الخطير الآخذ في التفاقم).اضافة الى مبدأ «الصين الواحدة» الذي يريد ترامب ابتزاز الصين من خلاله, عندما ادلى بتصريحات استفزازية في بداية عهده,وتلويحه (ثم تراجعه) بانه لن يلتزم مبدأً كهذا.
لن يُترجم عرض القوة الذي بدأ يوم امس بتحريك حاملة الطائرات كارل فينسون والاسطول المرافق لها على ارض الواقع، لان ترامب واركان جيوشه وخصوصا المجمع الصناعي العسكري الاكاديمي, الذين اصابتهم «نشوة» كبرى بعد عدوانهم على سوريا, يُدركون ان مغامرة كهذه ستفتح صندوقا كارثِياً اين منه شرور «صندوق باندورا»؟في عالم لم تعد الولايات المتحدة مهما لوّحت واستفزّت وادّعت قادرة, على الاحتفاظ بموقعها القيادي الاول في نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب آخذ بالتشكّل,يعيد الإعتبار للقانون الدولي ويرفض اي «استثناءات» كتلك التي دأبت واشنطن على ابتزاز العالم عبر فرضِها هذا الاستثناء المزعوم الذي بات من الماضي, وهو ما يدركه ترامب جيداً, رغم ديماغوجية شعاره الرامي إعادة اميركا الى «عظمتها» القائل بـِ: أميركا.. أولاً!.
لم تتضح بعد نتائج القمة الاميركية الصينية, وما تسرّب من منتجع فلوريدا حول جدول اعمال مباحثات ترامب ـــ تشي، ما يزال «قليلاً» ان لجهة المائة يوم التي تم الاتفاق عليها لِبلورة نقاط الخلاف والاتفاق في الملف الخلافي الاكبر ونقصد ملف التبادل التجاري، ام لجهة القضايا «الأخطر» حول بحر الصين الجنوبي ونشر منظومة صواريخ THAAD التي اقامتها واشنطن على اراضي كوريا الجنوبية (تسعى لِنشرها ايضا في اليابان) وما قيل عن ان ترامب «شرَح» للرئيس الصيني وجهة نظره في المنظومة هذه, التي تُعارضها بشدة بيجين وموسكو, اذ وصفتها الاخيرة بانها «تهديد للتوازن الاستراتيجي في المنطقة». ناهيك عن القضية الخلافية الاكبر وهي برنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي, حيث لم تتوقف واشنطن في كل عهودها عن التهديد بتوجيه «ضربة» لكوريا الشمالية, وهذه المرة اضاف العسكريون الاميركيون هدفا جديداً (اغتيال الزعيم كيم جونغ اون).
تمتاز الدبلوماسية الصينية بالهدوء والصبر الإستراتيجي, لكنها تتعاطى بحزم مع القضايا التي تمسّ امنها القومي ومصالحها, ولم يُعرَف رد فعلها حول التصريحات الاميركية الاستفزازية حتى الان., الاّ ان ما هو واضح اكثر, هو ان واشنطن تواصل الحديث عن انتهاك»الآخرين» القانون الدولي، فيما هي الدولة الاولى في العالم (وربيبتها اسرائيل, التي تزدري هذا القانون وكل ما هو شرعية دولية... ولا تعيره أدنى أهمية.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي