نوفان العجارمة: البترا والاستثمار.. الخوف على الوطن كلِ لا يتجزأ
مدار الساعة - كتب رئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة على صفحته على الفيسبوك مقالا تحت عنوان ( البتراء و الاستثمار – وجهة نظر قانونية) هذا نصه:
بدا واضحا بان ثمة وجهتي نظر بشان مشروع القانون المعدل لقانون سلطة اقليم البتراء التنموي السياحي لسنة 2019، وتحديدا المادة (5) من المشروع والمعدلة للمادة (22) من القانون الاصلي والباحثة في بيع وتأجير الاموال غير المنقولة للأشخاص المعنويين (اي الشركات ) وما في حكمها.
فالبتراء وسكنها يطالبون - بحق- بتشجع الاستثمار في منطقتهم اسوة بباقي مناطق المملكة ولا يجوز حرمانهم من ذلك ، وفي المقابل – من باب الغيرة وحب الوطن ونظرا لمكانة البتراء لدى كافة الاردنيين – هناك من يرفض ذلك خوافاً من تسرب بعض الجهات الاجنبية الى تلك المنطقة والاستحواذ عليها .
واذا نظرا الى هذه المسألة من وجهة نظر قانونية خالصة نجد بان تخوفات الفريق الثاني لا اساس لها من القانون ، وحتى نزيل الشك ونؤكد اليقين، فان المادة (5) من مشروع القانون تحتاج الى اعادة صايغه كما سياتي لاحقا .
وحى نقف على اصل المشكلة لابد من بيان ما يلي :
اولاً : تنص المادة (22) من قانون سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي رقم (15) لسنة 2009 ( النافذ حاليا) على ما يلي (( أ. على الرغم من اي نص ورد في هذا القانون او اي تشريع اخر يحظر التصرف بأراضي المحمية والمواقع الأثرية التي تقع خارج حدود المحمية سواء بالبيع او التأجير او التفويض او الاستثمار او بأي صورة اخرى الى اي جهة عامة او خاصة او اي شخص طبيعي او معنوي سواء أكان أردنيا او غير أردني ، ويسري عليها قانون الاثار النافذ . ب. مع مراعاة أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة وقانون الآثار، يتم تنظيم تأجير الأموال غير المنقولة في الإقليم لغير الأردنيين والأشخاص المعنويين بموجب نظام يصدر لهذه الغاية على ان تكون الأموال غير المنقولة خارج حدود المحمية الأثرية أو المواقع الأثرية الأخرى في الإقليم ووفق المخطط الشمولي لمنطقة السلطة)).
ثانياً : ان حكم المادة (22) من القانون الاصلي منقسم الى شقين : الاول : حظر وبشكل مطلق بيع المناطق الأثرية او تأجيرها باي صورة من الصور ( لأي شخص كان اردني او غير اردني- طبيعياً كان ام معنويا ). الثاني : اجاز تأجير- وليس بيع - الأموال غير المنقولة في الإقليم لغير الأردنيين والأشخاص المعنويين ، على ان تكون الأموال غير المنقولة خارج حدود المحمية الأثرية أو المواقع الأثرية الأخرى في الإقليم ووفق المخطط الشمولي لمنطقة السلطة.
ثالثاً : مشروع القانون المعدل الذي تقدمت به الحكومة ابقى على حكم الفقرة (أ) كما هي اي ما زال يحظر وبشكل مطلق التصرف بأراضي المحمية والمواقع الأثرية التي تقع خارج حدود المحمية سواء بالبيع او التأجير او التفويض او الاستثمار او بأي صورة اخرى الى اي جهة عامة او خاصة او اي شخص طبيعي او معنوي سواء أكان أردنيا او غير أردني ، ويسري عليها قانون الاثار النافذ .
رابعاً : ان التعديل طال الفقرة (ب) من تلك المادة بحيث سمح للأشخاص المعنويين بتملك الاموال غير المنقولة خارج حدود المحمية الاثرية او المواقع الاثرية الاخرى في الاقليم على ان يتم ذلك ضمن ضابطين : الاول يتم تملك بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب من المجلس(مجلس مفوضي السلطة إقليم البتراء التنموي) والثاني : ان لا تقل نسبة تملك الاردنيين في الشخص المعنوي غن 51% وتحت طائلة البطلان.
وبناء على ما تقدم نجد ما يلي :
1. ما زال مشروع القانون يحظر وبشكل مطلق التصرف بأراضي المحمية والمواقع الأثرية التي تقع خارج حدود المحمية سواء بالبيع او التأجير او التفويض او الاستثمار الى اي جهة اي شخص طبيعي او معنوي سواء أكان أردنيا او غير أردني ، وتعتبر في حكم الاثار اي انها مملوكة ملكية مطلقة للدولة وتأخذ حكم الأموال العامة وما تتمتع بها من حماية قانونية .
2. ان السماح للسكان ببيع اموالهم التي تقع خارج حدود المحمية (والتي تعتبر اموالا خاصة) يتفق واحكام الدستور والذي حمى الملكية الخاصة وحظر الاعتداء عليها او تقييد الانتفاع بها، فالدساتير الاردنية المتعاقبة قد حرصت جميعها ابتداء من القانون الاساسي لإمارة شرق الاردن سنة1928 وانتهاء بالدستور الحالي لسنة 1952( المادة 11) على مبدأ صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وبموجب قانون يوازن به المشرع حقوق أصحابها بما يراه من المصالح أولى بالاعتبار، وفي الحدود وبالقيود التي أوردها، باعتبار أنها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بجهده وعرقه، فهي – اي الملكية - الأصل في ثمرة النشاط الفردي وحافزة على الانطلاق والتقدم، فضلا عن أنها مصدر من مصادر الثروة الوطنية التي يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدي وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطني، ومن أجل ذلك، حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقا للقانون وهذا المبدأ مقرر في كل التشريعات الاردنية المتعاقبة .
3. ان السلطة التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور باعتبارها قيد عليها، فلا يجوز تخطيها، وإن جاز للمشرع أن يعيد تنظيم أوضاع قائمة بما يكفل للمواطنين مصالحهم المباشرة، كتلك التي يقتضيها بناء مجتمعهم وتطويره ليكون أكثر أمناً ورقياً وجمالاً وعياً ونظاماً وأفضل بيئة؛ ومن ثم ، لا يجوز نزع الملكية او تعطيل الانتفاع بها بغير تعويض، كذلك فإن كل تنظيم للملكية لا يجوز أن يصل مداه الى ما يعتبر عقلا افتئاتاً عليها من خلال تقويض عناصرها، وزوال المزايا التي تنتجها عملاً .
4. ان الخوف على الوطن كلِ لا يتجزأ، فهل نخاف على منطقة البترا و وادي موسى من تملك اليهود وغيرهم ، ولا نخاف على عمان واربد والعقبة ؟؟
5. لقد سبق لمجلس الامة الحالي وان نظم موضوع تملك الاجانب و الاشخاص المعنوية ( على كامل اقليم المملكة) في قانون الملكية العقارية رقم (19) لسنة 2019 وقد جاء بأحكام تنظيمه تفصيلية تحقق كل انواع التوازن (الفصل السابع من القانون) وبالرجوع الى هذا القانون نجد ما يلي :
· حظر على غير الاردني تملك العقارات في المناطق الحدودية والأثرية والتاريخية المادة (133/ب) من القانون .
· كل اجنبي يرغب بالتملك يحتاج الى موافقة مسبقة .
· يجوز لغير الأردني تملك العقارات بغرض السكن الخاص بـه أو بأسرته داخل حدود التنظيم بناء على موافقة الجهات المعنية وشرط المعاملة بالمثل (139 المادة /أ) .
· لا يمنح الإذن بتملك عقار لشخص حكمي( معنوي) إلا إذا ثبت تمتعه بالشخصية الحكمية وتسجيله في المملكة ومزاولته لأعماله وفق أحكام القانون ( المادة 143).
· للشخص الحكمي، أردنيا كان أم غير أردني، أن يتملك، وبقصد الاستثمار، خارج حدود مناطق التنظيم عقارات لمزاولة أعماله المحددة ضمن غاياته المدرجة في الوثائق القانونية لتسجيله ( المادة 146) .
· على غير الأردني والشخص الحكمي الذي تملك عقارا وفقا لأحكام هذا القانون انجاز المشروع الذي تملك العقار من اجله أو أي مشروع آخر يتوافق مع غاياته خلال اربع سنوات إذا كان التملك لغايات السكن وخلال ست سنوات إذا كان التملك لأي غرض آخر من تاريخ تسجيل العقار باسمه) اي ان ملكية الاشخاص المعنوية تكون فقط لغايات اقامة مشاريع استثمارية وليس لغايات التجارة بالعقار فهذا محظور .
وبناء على ما تقدم ، فإنني اقترح ان يتم الاحالة الى قانون الملكية العقارية بشان كل الاراضي التي تقع خارج حدود المحمية ( سواء من حيث البيع او الايجار) فالنصوص القانونية في الدولة يجب النظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، فالأصل في النصوص القانونية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي، فالتعارض أو التناقض بين النصوص قد يكون تعارضاً ظاهرياً، وقد يكون تعارضاً حقيقياً ، وفي حالة وجود تعارض حقيقي فإن الأفضل هو الأخذ بقاعدة إعمال فكرة التوفيق بين النصوص المتعارضة، فالمنظومة التشريعية يكمل بعضها بعضا دون تصادمها أو تنافرها أو تهادمها لبعضها ولكنها تتكامل من حيث الهدف والغاية .
وعليه، فإنني اقترح ان يتم اعادة صياغة المادة (5) من مشروع القانون المعدل بحيث يكون نصها كالتالي :
يلغى نص الفقرة (ب) من المادة (22) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي: يطبق قانون الملكية العقارية رقم (19) لسنة 2019 واي قانون آخر يعدله او يحل محله، على الأموال غير المنقولة خارج حدود المحمية الأثرية أو المواقع الأثرية الأخرى في الإقليم ووفق المخطط الشمولي لمنطقة السلطة.
هذا ما نقترحه حلا للنقطة موضوع البحث ...