من طاعون عمواس إلى فيروس كورونا الجديد
مدار الساعة - تصاعدت المخاوف عالميا في الأسابيع الأخيرة بسبب ما أتفق على تسميته بـ” فيروس كورونا الجديد”، الذي حصد مئات الأرواح من مختلف الجنسيات، وأحدث هلعا كبيرا في أوساط المجتمع الدولي. ولا تزال تطرح الكثير من الأسئلة حول هذا الفيروس، فيما يواصل العلماء أبحاثهم على أكثر من صعيد في محاولات منهم لاحتوائه والقضاء عليه نهائيا. فما الذي نعرفه حتى الآن عن هذا الفيروس؟ وهل عرف تاريخنا الإسلامي ظواهر مشابهة لهذا الوباء، وكيف تعامل معها على مختلف المستويات؟
لقد وضح الشرع مسألة التعامل مع انتشار الأمراض الخطيرة ووصف بعض الأسباب المادية التي يمكن استخدامها للحد من الانتشار.
ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم المسلم عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون ، ونهيه أيضا عن الخروج من أرض وقع بها الطاعون .
روى البخاري ، ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) .
وروى البخاري ومسلم عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) .
عمر بن الخطاب و طاعون عمواس
والطاعون هو كل مرض عام (وباء) ، يؤدي إلى وفاة كثيرين من الناس .
ولقد وقعت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حادثة طاعون عمواس، وهو وباء وقع في الشام سنة 18 هجرية بعد فتح بيت المقدس ، سمي بذلك ” طاعون عمواس ” نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة و بيت المقدس ، و ذلك لأن الطاعون نشأ بها أولا ثم انتشر في بلاد الشام فنسب إليها.
وذكر د. علي الصلابي أن ” تعامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع هذا البلاء في منتهى الحذر حيث لم يدخل هو ومن معه إلى الشام، كما حاول إخراج المعافين من أرض الوباء، كما قام بتحمل المسؤولية كاملة بعد انجلاء هذا الوباء فرحل إلى الشام وأشرف على حل المشكلات وتصريف تبعات هذه الأزمة”.
ما هو فيروس كورونا الجديد؟
أما عن فيروس العصر الراهن، ما يعرف بـ “فيروس كورونا الجديد”، فما نعرفه عنه لحد الآن لم يكن كافيا حتى الساعة للتحكم في انتشاره وتفشيه في أوساط مختلفة ودول عديدة على مستوى العالم.
يعتقد أن فيروس كورونا الجديد ظهر في أول الأمر في أواخر ديسمبر 2019 في مدينة “ووهان” الصينية، في سوق لبيع الحيوانات البرية، وانتشر بسرعة مستفيدا من تنقل المواطنين لتمضية عطلة رأس السنة القمرية في يناير. وقد طال هذا الوباء آلاف الأشخاص وحصد مئات الأرواح خاصة في الصين، التي تعتبر بؤرة الوباء.
في تصريح لفرانس24 قال ناجي عون الأخصائي في الأمراض المعدية والجرثومية في مستشفى كليمونصو بيروت، إنه خلال “التاريخ المعاصر، واجه الإنسان ثلاثة أنواع من فصيلة فيروس كورونا. في 2002 انتشر فيروس سارس أو ما يعرف بإنفلونزا الطيور وهو أحد أشكال فيروس كورونا وكان أول ظهور له في الصين. وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الفيروس قتل 299 شخصا في هونغ كونغ في ذلك الوقت”.
ووفق عون فإنه: “في 2013 ظهر فيروس كورونا الذي انتقل من الجمل إلى الإنسان. ووفق منظمة الصحة العالمية فإن كورونا أو ما يعرف أيضا بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، اكتُشف لأول مرة في المملكة العربية السعودية في عام 2012. وفيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تتسبب في أمراض تتراوح بين نزلة البرد الشائعة والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)”.
المواجهة بمكافحة الأعراض
وفي نفس السياق يقول عون: “اليوم ومنذ ديسمبر 2019 يواجه الإنسان فيروس كورونا الجديد الذي انتقل من الخفافيش إلى الإنسان”. ووفق منظمة الصحة العالمية فإنه مثل متلازمة الشرق الأوسط والسارس فإن هذا الفيروس يسبب أمراضا تتراوح بين نزلات البرد الشائعة واعتلالات أشد وطأة”.
بشأن العلاج أكد الدكتور ناجي عون أن الباحثين “لم يتوصلوا إلى حد الآن إلى علاج ضد وباء كورونا الجديد، ويتم فقط مكافحة الأعراض كارتفاع الحرارة ليسمح للجسم بالمواجهة لوحده”.
وبشأن اللقاح ووفق نفس المصدر فإنه “لا يتوفر له أي لقاح ما لم يتم تصنيعه أولا. وقد يستغرق الأمر عدة سنوات قبل التوصل إلى تصنيع لقاح ضد الفيروس”.
ويواصل العلماء أبحاثهم العلمية بغرض التوصل لعلاج لفيروس كورونا. ويطرح هؤلاء ثلاث “استراتيجيات”، تستند برمتها على أدوية سابقة يحاولون تطوريها لمواجهة هذا الوباء.
في معهد باستور للبحوث في فرنسا، تجند حوالى خمسون شخصا للعمل على دراسة الفيروس وفهمه من أجل العثور على لقاح محتمل سيتم اختباره، لكن الحصول على النتائج يتطلب وقتا، حيث قال البروفيسور كريستوف دينفيرت المدير العلمي لمعهد باستور “سيتم الحصول على نتائج المراحل السريرية في نهاية صيف 2021، مما سيتيح إطلاق حملات التطعيم في خريف عام 2021”.
كيف انتقل الفيروس إلى الإنسان؟
وأوضح عون أن فيروس كورونا الجديد يعيش في أمعاء الخفافيش، ينتقل عن طريق إفرازاته، كالبراز والبول، والهواء، تستنشقه الحيوانات الأخرى أو الإنسان فينتقل بسهولة إليهم. خلال الانتقال من الوطواط إلى الإنسان يتكاثر الفيروس ويتحول ويصبح قادرا على الانتقال إلى بشر آخرين. ويمكن للفيروس العيش في الإنسان، وأن ينتقل من شخص إلى آخر. وبالتالي فإن الفيروس ينتقل من خزانه الأساسي إلى خزان آخر، ثم من إنسان إلى إنسان. وعملية انتقال الفيروس من الخفاش إلى الإنسان نادرة، لكنها عندما تحصل فإن جسم الإنسان غير مؤهل للدفاع عن نفسه”.
وفق منظمة الصحة العالمية، فإن “فصيلة فيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة تشمل فيروسات قد تسبب جملة من الأمراض للإنسان، تتراوح بين نزلات البرد الشائعة ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (السارس). كما تسبب الفيروسات المنتمية إلى هذه الفصيلة عددا من الأمراض لدى الحيوانات”.
ووفق الدكتورعون، فإن فيروس كورونا يحمل أعراضا ومضاعفات عدة وهي صعوبة التنفس وارتفاع الحرارة، السعال. وفي الحالات الأشد وطأة، قد تسبب العدوى الالتهاب الرئوي والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة والفشل الكلوي وحتى الوفاة”.
كيفية الوقاية وهل من علاج؟
وبما أن فيروسات كورونا حيوانية المنشأ، أي أنها تنتقل بين الحيوانات والبشر، نشرت منظمة الصحة العالمية مجموعة توصيات من أجل الوقاية من الإصابة بالفيروس مؤكدة أنه ينبغي لأي شخص يزور أسواق الحيوانات الحية أو أسواق المنتجات الطازجة أو أسواق المنتجات الحيوانية، أن يلتزم بشروط وقائية محددة، بما في ذلك غسل اليدين بانتظام بالصابون والماء الصالح للشرب بعد لمس الحيوانات أو المنتجات الحيوانية، وتجنب لمس العينين والأنف والفم باليدين، وتفادي لمس الحيوانات المريضة أو المنتجات الحيوانية الفاسدة. وينبغي الامتناع تماما عن لمس أي حيوانات أخرى يُحتمل وجودها في تلك الأسواق (كالقطط والكلاب الضالة والقوارض والطيور والخفافيش). كما ينبغي الحرص على عدم لمس روث أو بول الحيوانات… في مرافق السوق.
ووفق نفس البيان أكدت المنظمة أنه ينبغي تجنب تناول المنتجات الحيوانية النيئة أو غير المطهوة جيدا… والتعامل مع اللحوم النيئة والحليب الخام بحذر وعناية لتفادي انتقال الملوثات، وفقا لممارسات السلامة الغذائية الجيدة.