الغزو الأمريكي للعراق.. نزيف لم يتوقف منذ 14 عاماً
مدار الساعة- منذ 14 عاماً، هي عمر وذكرى وتاريخ الاحتلال الأمريكي لبغداد، لم ير العراق طعماً للأمن والنوم، من جراء غزو خلف موجات مهولة من العنف والتفجيرات وأنتج تنظيمات إرهابية، أبرزها تنظيم الدولة.
وفي كل عام تُذَكِّر وسائل الإعلام العراقيين عند حلول التاسع من أبريل/نيسان بغزو بلادهم، خلالها تخصص وسائل إعلام تتبع لأحزاب حاكمة برامج تشير إلى أن البلاد كانت تحت حكم "الظلم" و"الديكتاتورية" إبان فترة الراحل صدام حسين.
لكن واقع الحال بات مغايراً أيضاً لما تقوله تلك الوسائل؛ إذ تؤكد تقارير دولية ومنظمات حقوقية وإنسانية، واعترافات مسؤولين عراقيين، وجود استشراء في الفساد وفرض الأحزاب والمليشيات سطوتها بالقوة، وظهور الطائفية واختفاء الأمن وارتفاع في الفقر وضعف كبير في الخدمات.
أمنياً، فقد العراق بعد غزوه عام 2003، الهدوء والاستقرار الداخلي، وصار يشهد نزاعات مختلفة بعد تفكك القوات الأمنية، وحل الجيش العراقي بقرار أمريكي، وهو ما أفسح المجال لظهور مليشيات ومجاميع مسلحة.
بسبب ذلك شهدت البلاد عنفاً طائفياً، وقع بين 2006-2008، وانتهى إلى تقسيم المناطق إلى "سُنية" و"شيعية" هي المرة الأولى التي يشهد مثيلها العراق.
وقد وثقت المنظمة الدولية مقتل أكثر من 190 ألف عراقي بين 2003-2016، في حين وثقت مجلة لانسيت البريطانية الطبية مقتل 655 ألف عراقي بين 2003- 2006، فقط!
ويعكس هذا الارتفاع والاختلاف في الأرقام حجم الكارثة التي مر بها العراق، حين واصل نزيفه بسبب الاحتلال الأمريكي.
تشير التقارير والبيانات الصادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية إلى أن العراق لم يتوقف عن دفع فاتورة الغزو بسقوط ضحايا بشكل يومي، إضافة إلى تدهور الأوضاع الصحية والتعليمية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية فيه.
وللمليشيات دور بارز في ضعف الأمن الذي تشهده المدن العراقية منذ أربع عشرة سنة.
ويذكر أن أكثر من 70 مليشيا، تفرض وجودها في العراق، وترتكب الكثير من الجرائم، منها جرائم "طائفية"، بحسب ما يُوثق عبر مقاطع فيديو وتأكيدات رجال اعتقلتهم المليشيات، خاصة في أحداث استعادة مناطق من سيطرة تنظيم الدولة، منها الفلوجة في يونيو/حزيران 2016.
يضاف إلى ذلك، انتشار التنظيمات المسلحة، في البلاد منذ غزوها، وآخرها تنظيم الدولة، الذي سيطر صيف 2014 على نحو ثلث العراق، قبل بدء المعارك من قِبل القوات العراقية بدعم دولي، لاستعادة الأراضي من سيطرة التنظيم، لتتمكن من انتزاع أغلب المساحات منه، حتى بات يحتكم على أجزاء صغيرة قياساً لما كان عليه في 2014.
العراق لم ينتفع من الميزانيات التي وُصفت أرقامها بـ"الكبيرة"، لا سيما أن النفط الذي يعتمد عليه في وارداته، كان يشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعاره، حتى 2014، لكن الوثائق التي كشفها سياسيون في الحكومة العراقية، ومنظمات دولية، تؤكد حصول عمليات فساد ضخمة، يقف خلفها قادة في الحكومة.
بسبب ذلك، بقيت مؤشرات الفقر والصحة والتعليم تؤكد انحداراً في قراءاتها السنوية.
فنظام التعليم في العراق الذي كان واحداً من أفضل النظم بالمنطقة في ثمانينات القرن الماضي، وتمكن مِن الاقتراب مِن القضاء التام على الأمية- تدهور؛ إذ ترتفع نسبة الأمية في البلاد حالياً إلى نحو 20%، بحسب بيانات حكومية رسمية.
أما في معدل الفقر، فقد كشفت اللجنة المالية بمجلس النواب العراقي، في آخر بيان لها، صدر مطلع العام الجاري، عن ارتفاع معدل الفقر بالعراق إلى 35%، في أعلى معدل تصل إليه البلاد منذ نحو 100 عام، إبان الانتداب البريطاني مطلع القرن الماضي.
وفي المجال الصحي، فقد حول غزو العراق البلاد إلى موقع موبوء في الكثير من مناطقه؛ إذ تسبب القصف المكثف بآلاف الأطنان من القنابل، في حصول أمراض مختلفة، لا سيما أن القصف الأمريكي استهدف منشآت كانت تصنع مواد كيماوية، تسببت في نشر أمراض مختلفة، من أخطرها السرطان بأنواع متعددة، بعد انتشارها في المياه والتربة والجو.
وأشارت بحوث ودراسات عراقية وأجنبية عدة إلى حجم الكارثة البيئية التي تعانيها مناطق العراق، مؤكدة أنها بدأت تتعاظم بمخاطرها على حياة الإنسان.
منظمة الصحة العالمية لرصد الأمراض السارية والأمراض الجديدة بالشرق الأوسط، وفي برنامج أقرته قبل بضع سنوات، أصدرت في 2016، تقريراً أشارت فيه إلى أن البرنامج الإقليمي رصد 60 مرضاً وبائياً في مناطق مختلفة من العراق.
ويختصر واقع الحال الذي يمر به العراق، وما صار إليه بعد أربعة عشر عاماً من غزوه، تصنيف "Mercer"، الذي وضع العاصمة العراقية بغداد، بالمركز العاشر من بين العواصم الأسوأ معيشة في العالم.
تجدر الإشارة إلى أن التقرير الذي أصدرته "Mercer"، وهي واحدة من كبرى شركات استشارات الموارد البشرية في العالم، بحث في 450 مدينة حول العالم، واعتمد على مجموعة من العوامل، في المقارنة بين جودة الحياة فيها، وهي: البيئة السياسية (الاستقرار السياسي والجريمة ونفاذ القانون)، والبيئة الاقتصادية (أنظمة صرف العملات والخدمات المصرفية)، إضافة إلى البيئة الاجتماعية والثقافية من حيث توافر وسائل الإعلام والرقابة والقيود على الحرية الشخصية.
وجرى الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الطبية والصحية، وذلك من ناحية توافر الخدمات الطبية وانتشار الأمراض المُعدية وأنظمة مياه الصرف الصحي والتخلص من النفايات وتلوث الهواء.
وكان للتعليم تأثير في تقييم جودة الحياة بالمدن من حيث المعايير المتبعة فيه، وتوافر المدارس الدولية في المدن التي جرت دراستها، بالإضافة إلى الخدمات العامة والنقل، مثل: الكهرباء، والمياه، والنقل العام، وازدحام حركة المرور. الخليج اونلاين