دمشق وأنقرة: سباق بين التصعيد والتهدئة

مدار الساعة ـ نشر في 2020/02/12 الساعة 23:36

قد تكون الأزمة السورية دخلت فصلها الأخير بمعركة إدلب الحالية، ولكنه بالتأكيد الفصل الأصعب والأخطر والمفتوح على كل الاحتمالات والحسابات وقد يرتبط مستقبل سورية والتسوية السياسية برمتها بما تحمله الساعات والأيام القادمة من تطورات دراماتيكية، فهامش المناورة السياسية التي اتبعها طرفا المعادلة -الروسي والتركي-وهما من رسم خطوط التوافق في أستانا وسوتشي يضيق بشكل كبير

تقترب اللحظة الفاصلة التي تستوجب ترجمة ما يفرضه الميدان العسكري لواقع سياسي في ظل تصاعد وتيرة الخلاف بينهما على وقع التقدم السريع للقوات السورية الحكومية المدعومة روسيا وإيرانيا، وهو ما ينذر بصدام مباشر تركي روسي. وبالرغم من وجاهة الرأي الذي يشكك باحتمالية حدوث الأمر إلا أن ذلك لا ينفي جدية الخلافات بينهما وإمكانية الاستثمار الأميركي في سياق مناكفة موسكو وتفويت الفرصة على دمشق لتحقيق أي مكاسب

من الواضح أن عامل الوقت ضاغط على الطرفين خاصة في ظل إصرار سوري رسمي على المضي في العملية لأهميتها الاستراتيجية ولقناعتها بعدم وفاء تركيا بتعهداتها في سوتشي قبل سنة ونصف وخاصة ما يتعلق بفصل جبهة النصرة المصنفة إرهابيا عن المعارضة مقابل وقف العملية العسكرية لحين تقدم العملية السياسية، وهو ما أخل به الطرف التركي وبالتالي ليس من مصلحة دمشق بقاء الوضع الراهن لا سيما وأن هذا ساهم في تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تعيشها دمشق نتيجة عدم سيطرتها الكاملة على الطريق الدولي بين الشمال ودمشق، وهو الذي لا تقل كلفته عن المعركة العسكرية التي تخوضها مع المعارضة المسلحة المدعومة تركيًا

سيناريو التلويح التركي بالهروب للأمام بتوسيع رده على استهداف مناطق المراقبة التركية وسقوط قتلى أتراك والتهديد باستهداف الجيش السوري في كل مكان وإبعاده لما بعد نقاط المراقبة وارد، وهو سيناريو الغزو والسيطرة على منطقة إدلب كاملة وإعلانها منطقة آمنة في محاكاة مماثلة لعمليات سبق وأن قام بها الجيش التركي كعملية غصن الزيتون، وعملية درع الفرات، وأخيرا عملية نبع السلام في شمال شرق الفرات

قد تملك أنقرة القدرة على التنفيذ أو التلويح بذلك خاصة إذا راهنت على دعم أميركي تسعى له في إطار التضييق على موسكو، ولكنه سيناريو غير مضمون النتائج وكلفته كبيرة جدا ويعنى بالضرورة الصدام مع روسيا وإطلاق يد الجيش السوري في الرد على تركيا وعلى حلفائها من المعارضة المسلحة وإبطال مفعول نتائج عملية نبع السلام التي اعتبرتها أنقرة إنجازا تاريخيا، بالإضافة لتداعيات الرد العربي خاصة من خصوم أنقرة الذين لن يفوتوا فرصة لإفشال مسعى أردوغان ليس حبا بدمشق الرسمية ولكن لضرب فكرة تمدد المجال الحيوي لتركيا التي تستنسخ النموذج الإيراني إقليميا

خيارات تركيا في سورية صعبة ومعقده وإدلب اليوم مشكلة تركية، وهناك أصوات في المعارضة التركية يرتفع صوتها محذرة من تحولها لمستنقع يدفع ثمنه الجيش التركي معتبرة أن دمشق وموسكو ورطتا تركيا في إدلب. لذلك جاءت التهديدات مرتفعة بإعطاء دمشق مهلة لنهاية شهر شباط للانسحاب من مناطق المراقبة التركية والعودة لما قبل العملية التي قام بها الجيش السوري مؤخرا وإلا فإن أنقرة ذاهبة للخطة «ب « وربما «ج» والظاهر أن الرئيس التركي البارع في قدرته على توظيف الانخراط الخارجي لخدمة حساباته الداخلية سيلجأ لسيناريو «الحافة» من خلال التهديد بمزيد من التصعيد من أجل التهدئة وتحقيق مكاسب. ولكن السؤال الى أي مدى ستكون موسكو ودمشق قادرتين على الاستجابة للرغبة التركية لأن هذا يعني الدفع من حساب الإنجاز السوري وترحيل الأزمة لا حلها.(الغد)

مدار الساعة ـ نشر في 2020/02/12 الساعة 23:36