الرواشدة يكتب: أوسلو الختيار وسلطة أبو مازن

مدار الساعة ـ نشر في 2020/02/11 الساعة 13:33
تختلف روايات من عرفوا ياسر عرفات باختلاف الأماكن والازمنة التي عرفوه بها، وتتقاطع جميعها حول شخصية الرجل الاستثنائية، فهو لم يقل لأي فلسطيني يطلب منه عونًا مادياً "لا" وقد يسألك عن أدق تفاصيل حياتك، وكأنه صديقك الحميم الذي لا ينسى شيئاً، يرسل دعوات التهنئة والمواساة للجميع، فهو يتقن لعب دور الأب جيدًا، ويريد أن يصنع من جموع اللاجئين شعباً. متواضع وقريب للناس وداهية سياسية فوق كل هذا، يناور مع كل الحلفاء والاعداء وعلى كل الخطوط الا فلسطين خطه الأحمر الوحيد. من عرفوا الرجل يعلمون ايضًا، أنه تعامل مع أوسلو كحل مؤقت لوجوده في تونس البعيدة، وأنه لم يحاول بناء دولة في الضفة وقطاع غزة بمقدار ما حاول تنظيم الشعب الفلسطيني وتوحيد ولاءته، فحتي ادارته للموارد المالية كانت تقترب من الإدارة المالية لحركات المقاومة وتبتعد عن الدولة، واستفاد من هذا الغموض في تمويل بعض لحظات المقاومة والخروج من الهيمنة المالية الإسرائيلية على السلطة. يكمن سر أبو عمار الأكبر في قدرته على خلق أوراق الضغط وادارتها جيدًا ويمتلك كل المفاتيح ولو نأى بنفسه عنها علناً ليقدم نفسه بصورة شبه ندية لخصومه فهو يمتلك ما يوجعهم ولا يعطي راغبًا الا ليأخذ، من هذه التفاصيل قد نفهم ما الذي جرى في أوسلو وما بعدها ولماذا اختلف اخراج صفقة القرن عن أي مفاوضات أو اتفاق جرى مع ياسر عرفات. طريقة اعلان صفقة القرن لا تخلوا من الاستعراض الانتخابي لتدعيم موقف نتنياهو وترامب لكنها أيضا وما سبق إعلانها من تنفيذ بعض مقترحاتها علنا على الأرض تشي بالاستهتار برام الله وضياع أوراق المساومة من يديها.

فالسلطة اليوم في ظل محمود عباس، محصورة في الضفة من دون القطاع وهذا يعكس ضعف تأثيرها في المجتمع الفلسطيني وتعدد المرجعيات الحاصل هناك، مما يفقد السلطة قدرات إدارة الازمات وتحريك الشارع أو الاستفادة من زخمه وحرارته ناهيك عن التفاوض، أضف الى ذلك شلل السلطة المالي أمام التحكم الإسرائيلي بكل مواردها المالية، الذي أفقدها حتى القدرة على تلبية رواتب موظفيها وحاجيات الفلسطينيين الطارئة فما بلك بشراء الولاء أو تمويل المقاومة الشعبية بطرق غير مباشرة كما حصل في الانتفاضة الثانية، أما التنسيق الأمني الفج والمنافسة داخل أروقة السلطة وأجهزها المستندة الى مرجعيات خارجية والفساد والمحسوبيات وغيره الذي أفقد رام الله شرعيتها في أعين الفلسطينيين قبل غيرهم، كل ما سبق حول أوسلو عرفات من قبول مؤقت ورهان على الديموغرافيا والجيل الجديد والزمن لتحقيق المزيد الى شبه دولة يحلم بها محمود عباس جعلتها صفقة القرن مستحيلاً ولا تملك رام الله لمقاومتها الا الاقتراب من فوضى عرفات مبتعدة عن كل ما يمثله محمود عباس.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/02/11 الساعة 13:33