“التعليم” ينجح بتخفيض العنف الأسري.. ويفشل في رفع نسب التبليغ

مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/18 الساعة 07:17
مدار الساعة - تشير بيانات مسح أجرته الحكومة على مستوى المملكة، وظهرت نتائجه مؤخرا، إلى تناقض محيّر: النساء الجامعيات المتزوجات من رجال متعلمين، أقل عرضة للعنف الجسدي. لكن احتمال ألا يبلغن عن تعرضهن للعنف، يماثل تقريبا احتمال عدم تبليغ النساء الأقل تعليما عن تعرضهن للعنف الجسدي.
تستند هذه النتائج على “مسح السكان والصحة في الأردن 2017-2018” الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة. ولغايات المسح، أجرى الباحثون مقابلات مع نساء متزوجات أو سبق لهن الزواج ممن تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما ويُقمن في الأردن، وذلك باختيار عينة عشوائية من الأسر في كل منطقة بالمملكة. وبلغ عدد النساء اللواتي جرت مقابلتهن 6852، وهي عينة ممثلة على المستوى الوطني.
التقرير؛ عرف العنف الجسدي للنساء اللواتي جرى استبيانهن بتعرضهن على أيدي أزواجهن بالدفع أو الهز أو رمي شيء، أو الصفع، أو لي الذراع، أو شد الشعر، أو اللكم بقبضة اليد، أو الركل.. السحب، أو الضرب بقوة، أو محاولة الخنق أو الحرق عن قصد، أو التهديد أو المهاجمة بسكين أو مسدس، أو أي سلاح آخر.
ووفقا للمسح، تعرضت امرأة من كل 5 نساء متزوجات أو سبق لهن الزواج في الأردن لعنف جسدي منذ سن الـ15، وتعرضت امرأة من كل 7 نساء متزوجات أو سبق لهن الزواج لعنف جسدي في الأشهر الـ12 الماضية التي سبقت المسح.
نسبة قليلة جدا من المتزوجات أو سبق لهن الزواج، تعرضن للعنف، وسعين للحصول على مساعدة وإخبار أي شخص بما تعرضن له. أكثر من 7 نساء معنفات من كل 10 نساء متزوجات، يخترن الصمت التام بدلا من طلب المساعدة من جهات مختلفة، تشمل أفراد العائلة أو أفراد عائلة الزوج أو الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران أو أطباء أو محامين أو الشرطة.
المتعلمات أقل عرضة للعنف الجسدي الأسري
احتمالية تعرض النساء المتزوجات، أو اللواتي سبق لهن الزواج غير المتعلمات للعنف الجسدي الأسري، بلغت الضعف مقارنة بالنساء الحاصلات على تعليم عال. ووفقا لبيانات المسح في 2018، وُجد أنه كلما كان مستوى تعليم المرأة المتزوجة أعلى، تنخفض نسبة احتمال تعرضها للعنف الجسدي.
كانت نسب المتزوجات اللاتي تعرضن لعنف جسدي أسري مرة واحدة – على الأقل – في العام الأخير الذي سبق الاستطلاع على النحو التالي: 4 من كل 20 امرأة غير متعلمة أو وصلت للإعدادية فقط، 3 من أصل 20 امرأة حصلت على تعليم ابتدائي، وامرأتان من 20 امرأة وصلن للتعليم العالي.
المتعلمون أقل إساءة لزوجاتهم
احتمالية تعرض المتزوجات أو اللواتي سبقن لهن الزواج للعنف، ليست مقرونة بمستوى التعليم الذي حصلن عليه حسب، بل يقترن أيضاً بالمستوى التعليمي للزوج أيضاً، فقد بين المسح وجود ارتباط أقوى بين مستويات تعليم الأزواج وممارسة العنف الأسري.
وكانت النساء الأقل تعرّضا للعنف، هن المتزوجات من رجال حاصلين على تعليم أعلى؛ فخلال العام الذي سبق المسح، وجد بأن نسب التعرض للعنف الجسدي على النحو: سيدتان من 20 متزوجة من رجال حاصلين على تعليم عالٍ، و3 سيدات من 20 متزوجة من رجال حاصلين على تعليم إعدادي، و4 من 20 متزوجة من رجال حاصلين على تعليم ابتدائي، و4 من 20 متزوجة من رجال غير متعلمين.
في مقابلة أجريت مع هيلينا صايغ، مستشارة إرشادية بخبرة تزيد على 28 عاماً، تحدثت فيها عن كيفية تطور وتناقل مثل هذه العادات في المجتمع، أوضحت “أن 70 % من تصرفاتنا المتكررة تنبع من بيئتنا، خصوصا ما نتعلمه خلال الاعوام السبعة الأولى من حياتنا”.
وفسّرت سبب انتقال العنف بين الأجيال “للبشر خلايا عصبية عاكسةmirror neurons في أدمغتهم، تستخدم لتقليد سلوكيات شهدوها في الطفولة، بما في ذلك سلوكيات العنف”.
وأضافت أن الأطفال عندما ينشؤون في بيئة مضطربة، قد يفتقرون لمهارات معيّنة كالتواصل والذكاء العاطفي وإدارة الغضب واستراتيجيات المواجهة، لذا يتحولون لأشخاص بالغين مسيئين متمسكين بالسلوكيات التي تربوا عليها لأنهم يعتمدوا على ما لديهم من ممارسات وسلوكيات يشعرون بأنها طبيعية ومألوفة. لم توفر البيانات دليلا لتحديد تأثير البيئة التي تربى بها الرجال على سلوكياتهم مع زوجاتهم، الا إذا كان الرجال الذين يضربون زوجاتهم، تربّوا في أسر كان فيها آباؤهم يضربون أمهاتهم. أما من شملهن المسح وتعرضن لعنف جسدي أو جنسي زوجي، فنشأت 3 منهن من أصل 5 في أسر، كان فيها الأب يضرب الأم. أما بالنسبة لمن تعرضن لعنف جسدي فقط، فنشأت سيدتان من اصل 5 في أسر، كان فيها الأب يضرب الأم.
نمط الحياة لا يزيد خطر تعرض النساء للتعنيف الجسدي
تشير الردود على أسئلة المسح لعدم وجود صلة قوية بين أعمار النساء أو غناهنّ أو جنسياتهن، أو يعشن بمناطق ريفية أو حضرية، أو عاملات ام لا، أو عدد أطفالهن وغيرها من عوامل، واحتمال أن يكنّ تعرضن لعنف جسدي على أيدي أزواجهن العام الماضي.
في المسح، صنفت النساء إلى خمس مجموعات حسب دخل الأسرة، ولم يظهر أن الثروة كانت عاملاً لتوقع ما إذا كانت المرأة ستتعرض للعنف الجسدي. لكن بشكل عام تبين أن أعلى معدلات للتعنيف الجسدي بين النساء، كانت في الفئتين الأفقر، بينما كان أقل معدل للتعنيف من فئات النساء الأكثر غنى، أما احتمالات تعرض من ليس لديهن أطفال للعنف، فهي قريبة من احتمالات تعرض من لديهن أطفال للعنف.
وبرغم أن التعليم يلعب دوراً كبيراً بالحد من العنف الجسدي، وُجد أن محافظة البلقاء تسجّل أعلى مستويات من التعليم والعنف الجسدي معاً. وسجلت البلقاء، ثاني أعلى معدلات للحاصلين على تعليم ثانوي، وأعلى معدلات عنف أسري في الأردن، اذ تتعرض امرأة من كل 4 متزوجات أو سبق لهن الزواج للعنف فيها.
هل التعليم كافٍ للتغلب على العنف الأسري؟
حسب الدراسة المبنية على نتائج المسح السكاني ذاته، فالتعليم له تأثير في الحد من العنف الجسدي تجاه المرأة، ولكن ليس له التأثير ذاته، بزيادة نسب الإبلاغ عن العنف أو طلب المساعدة أو وقف التكتم عنه.
فلم تظهر نتائج دراسة بيانات الاستطلاع أي تأثير إيجابي واضح على طلب المساعدة، أيا كانت العوامل الاجتماعية التي تنتمي لها النساء المشمولات في المسح، فالمسح السكاني كان مبني على استطلاعات وزعت على النساء بين عمر 15 و49 من المتزوجات أو من سبق لهن الزواج، اذ صنفن حسب عدة عوامل؛ اجتماعية كمكان السكن (حضري أو ريفي) والعمر والمحافظة والجنسية وعدد الأطفال والحالة الاجتماعية والاقتصادية، وهل المرأة عاملة أم لا، ودرجة تعليمها، بهدف دراسة العوامل المختلفة التي ينتمين، وتحديد أثرها على العنف الجسدي والإفصاح أو الإبلاغ عنه وطلب المساعدة.
طلب المساعدة حسب المسح، شملت عدة مصادر وهي: أفراد العائلة أو أفراد عائلة الزوج أو الأصدقاء أو الجيران أو أطباء أو محامين أو الشرطة أو منظمات العمل الاجتماعي.
أظهر المسح، أن ثلثا ضحايا العنف الجسدي أو الجنسي، اخترن الصمت التام؛ فلم يخبرن أحداً عن ذلك ولم يطلبن المساعدة. أما النسبة القليلة ممن طلبن المساعدة، فمقابل كل 40 امرأة، طلبت المساعدة من عائلتها هناك امرأة واحدة فقط أبلغت الشرطة. لم يسأل المسح السيدات عن الأسباب التي دفعتهن للتكتم على تعرضهن للعنف.
عوائق خفية تحول دون الإبلاغ عن العنف
في مقابلة أجريت مع سيرين وليد البيطار، التي عملت في تنفيذ برامج لحماية المرأة من العنف لأكثر من 14 عاما، ذكرت أنه وبناء على خبرتها، يوجد عوامل عديدة تمنع المرأة من الإبلاغ لجهات رسمية؛ اذ تلعب الطبيعة العشائرية لمجتمعنا وبنيته، دورا كبيرا في طلب المساعدة، فقد تطلب نساء مساعدة أسرهن المباشرة أو شيخ العشيرة (…).
وبما ان زواج الاقارب منتشر أيضاً، فإن أبلغت المرأة عن زوجها، الذي قد يكون ابن عمها مثلا، قد تصعد الأمور بطريقة غير مرغوب بها، إذ ستسبب بذلك في حدوث مشاكل عائلية، لذا يفضل كثيرون التصرف وحل النزاعات بطريقة عائلية دون الإبلاغ عنها.
بالتوازي مع الفترة التي نفذ فيها المسح، أقر البرلمان الأردني قانون الحماية من العنف الأسري في نيسان (ابريل) 2017، وألزم مُقدمي الخدمات الصحية والتعليمية، الإبلاغ عن العنف الأسري بموافقة المتضرر، إن كان الفعل المُرتكب جُنحة.
يفرض القانون على إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، التعامل مع شكاوى العنف المنزلي الواردة إليها وتوثيقها، لكن انتقادات طالت القانون، ومنها أنه لا يفرض على إدارة حماية الأسرة تحويل الحالة للقضاء، إلا إن كانت جناية، وأن المرأة المتضررة هي التي يجري إبعادها عن مكان النزاع بدلا من إبعاد الجاني، بحسب تعليق اتحاد المرأة الأردنية.
والى الآن، لا يوجد دراسات إثر التعديل على القانون، للإبلاغ وطلب المساعدة من المرأة المُعنفة.
حاليا؛ هناك 5 دور رعاية رئيسة تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية للنساء المعرضة حياتهن للخطر. فدار الوفاق “عمان”، تستقبل الناجيات من العنف، ودار الوفاق “إربد” ودار الكرامة، تستقبلان الناجيات من جرائم الاتجار بالبشر، ودار أمكنة تستقبل المهددة حياتهن بالخطر، اما دار آمنة، والتي بوشر العمل بها منذ 2018، فتستقبل المهددة حياتهن بالخطر جراء الشرف الذي ينطوي على جرائم قتل غالبا، وقد أنشئت لانهاء الاحتجاز الوقائي، الذي بموجبه تحال النساء المعرضة حياتهن للخطر للسجون، حفاظا على حياتهن، ومن المقرر استقبال جميع الحالات بالتدريج.
التأثير طويل الأمد للعنف الأسري
يرتبط العنف الأسري بأشكال متنوعة أخرى، كعدم المساواة بين الجنسين بالنسبة للمرأة. ووفقا لوثيقة أعدتها منظمتا: الصحة العالمية والصحة للدول الأميركية كجزء من سلسلة “فهم العنف ضد المرأة والتصدي له” ونشرت العام 2012، بالاستناد على دراسات أخرى، فإن النساء اللاتي لديهن تاريخ من سوء المعاملة، يكن أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية مزمنة، كالصداع وآلام الحوض المزمنة وآلام الظهر والبطن، ومتلازمة القولون العصبي، واضطرابات الجهاز الهضمي.
كما يرتبط خطر إصابة النساء بمشكلات عقلية وذهنية بالإيذاء الجسدي، كالاكتئاب ومحاولات الانتحار واضطراب بعد الصدمة والتوتر والقلق، واضطرابات النوم والأكل، والاضطرابات النفسية الجسدية، أي ما تعرف بالأمراض” السيكوسوماتية”. كذلك توصل البحث أيضا إلى أن العواقب الصحية، قد تكون حادّة وفورية أو طويلة الأمد ومزمنة، وقد تستمر حتى بعد توقف الاعتداء. نسرين قاقيش - الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/18 الساعة 07:17