القواعد القرآنية صيغها، وكيفية الاستفادة منها
مدار الساعة - ينقسم القرآن الكريم إلى قسمَيْن أخبر عنهما ربنا -سبحانه- في قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام: 115]، فبيَّن أنّ كلامه إمّا أخبار كلّها صدق، وإمّا تكاليف كلّها عدل. وذلك أن «أقواله كلّها صدق ورشد وهدى وعدل وحكمة: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}، وأفعاله كلّها مصالح وحكم ورحمة وعدل وخير»[1].
ومن الأخبار والتكاليف القرآنية ما جاء مصوغًا صياغة القاعدة أو السُّنّة الثابتة؛ وذلك كما في هذه الآيات:
1. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: 2، 3].
2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7].
3. {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق: 7].
ولا شكّ أنّ تسليط الضوء على هذه القواعد له فوائد وثمرات لا تخفى، لا سيّما وأنها تكتز معاني شديدة التركيز والأهمية ما يجعل أهل الإسلام على مختلف شرائحهم وطبقاتهم بحاجة لاستيعابها وبناء برامجهم ومخططاتهم في مختلف الميادين وفقًا لها، وبما لا يعارضها؛ لأنها بمثابة سنن ثابتة لا تتخلّف، كما أنّ هذه القواعد تأتي في صورة لفظية موجزة ما يجعلها صالحة لأن تجري مثلًا بين الناس يستشهدون به في مختلف المواقف الحياتية التي يجابهونها، فيكون لذلك آثار سديدة في ربط الواقع بالقرآن وجَعْل قواعده هي الأمثال التي يتعاطاها الناس في مختلف مواقفهم، ويرجعون إليها ويتمثّلونها، وهو ما يسهم في تفعيل آثار هذه القواعد شيئًا فشيئًا في دنيا الناس لجريانها بينهم، وإزاحة ما يعترضها من بعض أمثالٍ تسري بين الناس باعتبارها قواعد رغم ما فيها من مصادمات للقرآن الكريم. ومن ثم يهدف هذا المقال لتسليط الضوء على القواعد القرآنية، وبيان حقيقتها، وصيغها، وأنواعها، وقيمتها التربوية، وكيفيات الاستفادة منها، وهو ما يسهم بصورة أكبر في نشر هذه القواعد وإشاعتها بين الناس؛ إذ هو الغاية الكبرى التي نطمح إليها من وراء إثارة الموضوع. وبيان ذلك على النحو الآتي:
حقيقة القواعد القرآنية، وبيان صيغها
القواعد[2] القرآنية[3] هي تلك الأُسس القرآنية التي تدلّ على حقائق ثابتة مطّردة يعبّر عنها بصيغ خبرية[4]، أو تدلّ على تكاليف يطّرد نفعها وصلاحها يعبر عنها بصيغ إنشائية[5].
فمن الأخبار والتكاليف القرآنية ما يأتي مصوغًا صياغة القاعدة المطردة أو السُّنة الثابتة؛ ليرشدنا إلى حقيقة من حقائق الإيمان التي أخبر الله تعالى بها في صورة خبرية يقينية مطّردة لا تتخلف، وذلك
كما في هذه الآيات:
1. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2، 3].
2. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: 3].
3. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7].
4. {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}[الحج: 40].
5. {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: 40].
6. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور: 55].
7. {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور: 57].
8. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: 48].
9. {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48].
10. {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: 135].
11. {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: 53].
12. {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286].
13. {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: 286].
14. {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: 7].
15. {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق: 7].
16. {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء: 128].
17. {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164].
18. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: 164].
ومن الآيات ما يأتي في صورة تكاليف يطرد نفعها وصلاحها يعبر عنها بصيغ إنشائية، وذلك كما في هذه الآيات:
1. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: 199].
2. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: 34].
3. {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53].
4. {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق: 7].
5. {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق: 7].
6. {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: 9].
7. {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: 9].
8. {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: 9].
9. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10].
10. {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات: 10].
11. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}[الحجرات: 11].
ومن آيات القواعد القرآنية ما يأتي في صورة خبرية لكنها تعبر عن تكاليف (أوامر أو نواهٍ) يطّرد نفعها وصلاحها؛ فهي خبرية لفظًا؛ لكنها إنشائية معنًى، وذلك كما في هذه الآيات:
1. {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: 128].
2. {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: 97].
3. {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}[البقرة: 83].
4. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: 164] [6].
فهذه الجمل أو القواعد القرآنية وإن كانت صيغتها صيغة الخبر فإن معناها هو الإنشاء والتكليف:
– فالمقصد في الجملة الأولى: الإرشاد إلى الصلح، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10].
– والمقصد في الجملة الثانية: هو التكليف؛ أي: (أمِّنوا مَن دخَل المسجدَ الحرام). «قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا}، قال القاضي أبو يعلى: لفظه لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، وتقديره: ومَنْ دخَله فأمِّنوه»[7].
– والمقصد في الجملة الثالثة: هو التكليف أيضًا؛ أي: (لا تعبدوا إلّا الله وأحسِنوا إلى الوالدين)؛ وذلك لأن الفعل المضارع (تعبدون) جاء مرفوعًا فدلّ على أنّ (لا) قبله هي النافية وليست الناهية؛ فهو إخبار عن حقيقة لا يستقيم الإيمان والتوحيد بدونها، وهذا الأسلوب أبلغ من أسلوب النهي: (لا تعبدوا) الذي يُطلَب به أمرٌ يراد حصوله بعد النهي؛ أمّا لفظ الآية فهو يدلّ على أمرٍ واقع لا يستقيم الأمر بغيره، والفارق بينهما كالفارق بين قولك: (لا تدخِّن) وقولك: (التدخين ممنوع)؛ فلا شك أن الجملة الثانية دلَّت على المنع بصورة قاطعة أقوى من الأولى.
قال الزمخشري: «لا تَعْبُدُونَ: إخبار في معنى النهى، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهى؛ لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه»[8].
هذا، وقد جاءت صياغة تلك القواعد على طرق غاية في البلاغة والإحكام، ولكلّ منها قيمته ودلالته في الثبوت والقطع أو دلالته على الإلزام.
– فمنها ما جاء في أسلوب الشرط بـ(مَن) الشرطية، أو (إنْ) الشرطية وجملتي الشرط والجواب؛ كما في القواعد (1-4).
– ومنها ما جاء في صيغة الجملة الاسمية التي تدلّ على الثبوت والدوام؛ كما في: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: 128].
– ومنها ما جاء في صيغة الجملة الفعلية المؤكّدة التي تدلّ على التجدّد والاستمرارية؛ كما في: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: 40].
– ومنها ما جاء في صيغة الجملة الفعلية الماضية التي تدلّ على تحقّق الفعل؛ كما في: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}[النساء: 128].
– ومنها ما جاء خبرًا يفيد الإنشاء كما في الأمثلة التي سبق بيانها.
بيان أنواع القواعد القرآنية
نستطيع أن نقسّم أنواع القواعد تبعًا لصياغتها إلى نوعين:
1) قواعد خبرية
2) قواعد تكليفية، أو طلبية.
فالقواعد الخبرية: هي التي تخبر بحقائق يقينية ثابتة مطّردة، وجاءت بصيغة خبرية.
أمّا القواعد التكليفية: فهي التي تأتي في صورة تكاليف يطّرد نفعها وصلاحها، يعبّر عنها بصيغ إنشائية، أو بصيغ خبر يراد به الإنشاء والتكليف؛ ولذا يمكن تسميتها بالطلبية كذلك.
كما أن ثمة تقسيمًا آخر أهم لهذه القواعد باعتبار ما تتعلق به؛ حيث تنقسم إلى:
1) قواعد إيمانية.
2) قواعد هي: سنن كونية.
3) قواعد سلوكية.
فالقواعد الإيمانية: هي تلك القواعد التي تتعلق بحقائق إيمانية تترتب على توحيد العبد وإيمانه وثقته بالله وتوكله عليه وامتثاله لأوامره…إلخ؛ مثل:
1. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: 3].
2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7].
3. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور: 55].
4. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: 48].
5. {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}[الطلاق: 7].
والقواعد التي هي: سنن كونية: هي تلك القواعد التي تتعلق بحقائق كونية ثابتة تجري مجرى السنن الثوابت المطّردة؛ مثل:
1. {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء: 16].
2. {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 76].
3. {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}[الإسراء: 77].
4. {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[يوسف: 110].
أما القواعد السلوكية: فهي تلك القواعد التكليفية التي تتعلق بإصلاح السلوك والأخلاق والتعامل بين الناس؛ مثل:
1. {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان: 63].
2.{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[المزمل: 10].
3. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }[الأعراف: 199].
4. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت: 34].
5. {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53].
6. {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق: 7].
7. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10].
8. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}[الحجرات: 11].
أمثلة لبيان بعض القواعد القرآنية، وبيان قيمتها الإيمانية والتربوية
من أمثلة القواعد الإيمانية؛ قاعدة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2، 3].
إنّ المؤمن إذا أخذ هذه القاعدة بيقين وقوة إيمان، وثقة تامّة بتحقّق الجزاء فيها المترتّب على وقوع الشرط، كان في ذلك أشدّ الحافز له ليتقي الله تعالى في جميع أموره ليجعل اللهُ تعالى له مخرجًا من الأزمات والكروب التي يمرّ بها في هذه الحياة، وما أكثرها!
ومن أمثلة تطبيقات تلك القاعدة في الواقع:
1. أن يترك المسلم الإقدام على الاقتراض بالربا عند الأزمات والكروب؛ ثقةً بأنّ: (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
2. أن يرفض المسلم قبول الرشوة مهما كان فقيرًا محتاجًا؛ ثقة بأن: (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
3. أن يرفض المسلم قبول العمل المحرم مهما كان فقيرًا محتاجًا إليه؛ ثقة بأن: (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
ومن أمثلة القواعد السلوكية: قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: 199].
إنّ المؤمن إذا أخذ هذه القاعدة بيقين وقوة إيمان، وانقياد وامتثال تامَّين بأنّ ما يأمر الله تعالى به، ويرشد إليه هو خير محض؛ فإنه يتّخذ العفو عن الناس منهجًا له في حياته؛ فيَقبل منهم ما تسمح به نفوسهم وأخلاقهم، ويجعل التحاكم إلى المعروف دستورًا بينه وبينهم، وهذا مع مَن يَقبل العفو أو العرف؛ أمّا الجاهل الذي لا يرضى عفوًا، ولا يَقبل عُرفًا؛ فهذا لا حيلة معه إلّا الإعراض والهجر الجميل الذي لا عتاب معه؛ وهذا شبيه بقوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان: 63]، وقوله تعالى:{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[المزمل: 10].
ومن أمثلة تطبيقات تلك القاعدة في الواقع:
1. أن يعفو المسلم عن إيذاء جاره له، ويترفّع عن أن يبادله أذى بأذى؛ امتثالًا لأمره تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
2. أن يأمر المسلم بالمعروف ويرضَى به فيما ينشب بينه وبين الناس من خلافات في المعاملات اليومية؛ امتثالًا لأمره تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
3. أن يترك المسلم مجاراة الجاهل في سفاهته وجهله؛ امتثالًا لأمره تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
ومن أمثلة السنن الكونية: قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[يوسف: 110].
إنّ الدعاة إلى الله تعالى إذا أخذوا هذه القاعدة بيقين وقوة إيمان، وثقة تامّة بتحقق الجزاء فيها المترتب على وقوع الشرط، كان في ذلك أشدّ الحافز لهم على بذل أقصى الجهد في أداء ما عليهم من الدعوة والبيان للناس، واثقين تمام الثقة واليقين أن الله ناصرهم لا محالة مهما لاقَوا من الصدِّ والإعراض عن دين الله تعالى.
كيف نتعامل مع القواعد القرآنية ونستفيد منها؟
على المسلم أن يعلم أن تلك القواعد القرآنية قواعد ثابتة ثبوتًا قطعيًّا؛ ولذا فإنّ علينا أن نتلقاها باليقين التام؛ بحيث نبني عليها واقعنا وحياتنا، ونتنبّأ من خلالها بالأمور المستقبَلية التي أخبرَت عنها السنن الكونية القرآنية؛ حتى ننتفع بخيرها ونحذَر شرّها.
الخاتمة
حاول هذا المقال إلقاء الضوء على القواعد القرآنية، وبيان حقيقتها والمراد بها، وكذا اجتهد في بيان صيغ القواعد القرآنية وأنواعها وبيان أمثلتها، وقيمتها وأثرها في العقيدة والسلوك والكيفيات الواجبة علينا إزاء الإفادة من هذه القواعد.
ولا شك أن معرفة تلك القواعد والتعريف بها ونشرها يؤدي إلى تفعيل الأثر الإيماني لتلك القواعد في دنيا الناس؛ إِذْ لها أثر لا يُنكر في تحريك القلوب، وتوطيد الثقة بالله، وترتيب المسلم حياته وفق قواعد الإيمان وواجباته ومقتضياته؛ من الإخلاص لله، والانقياد لأوامره، والصبر لمرضاته، وتحقيق الرغبة والرهبة إليه، والرجاء فيه، وتحقيق التوكل عليه…إلى آخر ما هو ثابت من حقوق الإيمان.
كما أن في تفعيل تلك القواعد بديلًا إيمانيًّا صالحًا عمّا يتعاطاه الناس في لقاءاتهم ومجالسهم من الأمثال والأقوال الشائعة والمتوارثة، والتي فيها ما قد يخالف العقيدة ويصادمها؛ مثل قولهم: اتّقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه، ما يحتاجه البيت يحرم على المسجد، يعطِي القرط لمَنْ لا أُذن له…إلى آخر ما هو شائع من الأمثال والأقوال المخالفة للعقيدة.
لكلّ ما ذُكِر يدعو المقالُ إلى أهمية متابعة التعريف بتلك القواعد القرآنية ونشرها بين المسلمين عامةً، والوعّاظ والخطباء والكُتّاب والإعلاميين خاصةً؛ ليساعدوا في إشاعتها في أوساط الناس.
[1] التفسير القيم: تفسير القرآن الكريم لابن القيم، مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية، الناشر: دار ومكتبة الهلال- بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ، (ص24).
[2] القواعد جمع قاعدة، وهي أساس الشيء؛ يقال: «قواعد البيت: أساسه» (مقاييس اللغة 5/ 108)، والقاعدة اصطلاحًا: «قضية كلية منطبقة على جزئياتها» (التعريفات للجرجاني: 171).
[3] «ووصف تلك القواعد بالقرآنية يدلّ على أنها: (مستخرجة من نصوص القرآن)، وفي هذا إشارة إلى مادة هذه القواعد؛ فهي مأخوذة من الآيات القرآنية، وليست كقواعد المفسرين أو الأصوليين التي يجتهد العلماء في صياغتها وتحرير ألفاظها». (قواعد قرآنية: 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة، د/ عمر بن عبد الله المقبل، مركز تدبر- الرياض، السعودية، ص12).
وقد وقعتُ على هذا الكتاب السابق للأستاذ الفاضل الدكتور عمر المقبل بعد أن خطرَت لي هذه الفكرة، وظننتُ أني أبو عُذرتها، وأني أول مَن أصور حلقات بهذا العنوان أو أكتب مقالًا تحت هذا العنوان، غير أني وجدته قد سبقني بالفكرة والكتاب وتسجيل حلقات في الموضوع كذلك، وهو كتاب ماتع مفيد في بابه؛ غير أنه اقتصر على خمسين قاعدة، والقواعد القرآنية كثيرة جدًّا؛ وهذا لا يعيبه في شيء، فهو لم يشترط الحصر أو الاستقصاء، وقد أفدت من بعض ما جاء فيه، واهتديت إلى جديد في الموضوع لا سيما في تقسيم القواعد بحسب صيغها، وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا.
[4] الخبر هو ما يحتمل الصدق أو الكذب لذاته؛ كقولك: (الجو حارّ)؛ فيقال لك صدقت أو كذبت. يراجع: الإيضاح في علوم البلاغة، المحقق: محمد عبد المنعم خفاجي، الناشر: دار الجيل- بيروت، الطبعة الثالثة، (1/ 59).
[5] الإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب، ومن أنواعه: الأمر والنهي والاستفهام والتمني…إلخ؛ كقولك: أحسِنْ إلى زيد- لا تُسِئ إلى عمرو- كيف حالك؟ ليتني أنجح…إلخ. يراجع: الإيضاح، المرجع السابق (1/ 59).
[6] يمكن أن تُجْعَل من باب الإخبار كما مرَّ، ويمكن أن تُجْعَل من الخبر الذي يراد به الإنشاء والتكليف؛ أي: لا تأخذوا أحدًا بذنبِ آخر.
[7] زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، المحقق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ، (1/ 307).
[8] تفسير الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الثالثة، 1407هـ، (1/ 159).