لماذا يجعل اغتيال سليماني الولايات المتحدة تستعد لمواجهة انتقام؟
مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/07 الساعة 08:36
مدار الساعة - عندما اندلعت المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة خلال حرب العراق، انضمت قوة القدس التابعة لسليماني إلى القتال. وقامت إيران بتمويل وتسليح الميليشيات التي قصفت القواعد والمنشآت الدبلوماسية الأميركية، وقدمت لها الفخاخ والعبوات المتفجرة المحسنة القادرة على اختراق دروع المركبات العسكرية الأميركية. وكانت ما تسمى “المتفجرات الخارقة للدروع” مسؤولة عن ما لا يقل عن 250 وفاة أميركية في العراق.
* * *
أثار الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية يوم الجمعة المخاوف على الفور من أن الحرب غير المتكافئة التي لطالما مجّدها ودافع عنها بقوة لن تبقى بعد مصرعه فحسب، وإنما ستنتقم لموته أيضاً.
قامت المنشآت العسكرية الأميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بتعزيز إجراءات الأمن لديها وحثت السفارة الأميركية في العراق المواطنين الأميركيين على “مغادرة العراق على الفور” بعد أن أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب أصدر الأمر بتوجيه الضربة ضد سليماني.
ولم تكن عملية القتل الأخيرة مثل الهجمات الأخرى التي هدفت إلى القضاء على أعداء الولايات المتحدة في السابق -الغارات التي قتلت أسامة بن لادن أو زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي. كان سليماني شخصية عامة بارزة في إيران، وجنرالاً كبيراً في الحرس الثوري الإيراني، والذي كان بسهولة أكثر المسؤولين شعبية في حكومة إيرانية لا تتمتع بالشعبية بشكل عام. وفي داخل إيران، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تم تداولها على مستوى العالم، كان هو القائد الأبرز وكبير المهندسين لطموحات إيران الإقليمية -في سورية ولبنان واليمن، وبشكل أكثر مباشرة في العراق، حيث لاقى نهايته.
في بيان له بعد الاغتيال، قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي: “كان سليماني الوجه الدولي للمقاومة، وسوف يكون كل محبي المقاومة آخذي ثأره.” ووعد بأن “انتقاماً قاسياً سوف يأتي”.
بعد إعلان وفاته، قام التلفزيون الحكومي الإيراني بتعليق جميع البرامج وبعرض صورة لسليماني مصحوبة بتلاوات من القرآن، وهو ما يحدث دائماً عند وقوع حدث كبير. كما بدأ التلفزيون الحكومي بث لقطات لقوات إيرانية منخرطة في القتال، من الحرب العراقية الإيرانية -التي قاتل فيها سليماني- إلى معارك في لبنان وسورية.
هددت وفاة سليماني، على طريق في مطار بغداد الدولي، بتصعيد الأعمال القتالية الأميركية مع إيران بشكل حاد. وكانت هذه الضربة الجوية هي ثاني ردود الفعل العسكرية التي يأمر بها ترامب على الأعمال الإيرانية التي كانت تزداد عدوانية بثبات خلال الأشهر السبعة التي حدثت فيها من دون رد. وكانت الدورة الحالية قد بدأت في 27 كانون الأول (ديسمبر)، عندما أدى هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في شمال العراق إلى مقتل متعاقد دفاعي يعمل لصالح الأميركيين.
ألقى ترامب باللوم في ذلك الهجوم على ميليشيا مدعومة من إيران، “كتائب حزب الله”، وقامت طائرات أميركية يوم الأحد من الأسبوع الماضي بشن غارة على الميليشيا وقتلت 24 شخصاً. وبعد يومين، اقتحم أنصار الميليشيات العراقية السفارة الأميركية في بغداد، وأحرقوا المباني الخارجية وهتفوا “الموت لأميركا”. وكان في الحشد الذي تواجد في السفارة مؤسس “كتاب حزب الله”، أبو مهدي المهندس، الذي قتل في الغارة الأميركية مع سليماني.
تولى سليماني، 62 عاماً، قيادة قوة القدس، فرع الحرس الثوري المسؤول عن العمليات في الخارج، بدءًا من عمليات التخريب والإرهاب إلى إدارة الميلشيات التي تعمل كقوات تابعة لإيران. وفي أفغانستان، يقال أنه دعا إلى التعاون مع القوات الأميركية في حربها ضد حركة طالبان، وهي جماعة سنية أصولية كانت تشكل تهديدًا مستمرًا لإيران التي تعتبر نفسها زعيمة الطائفة الشيعية المنافسة في الإسلام. لكن ذلك التحالف الهش لم يستطع الصمود بعد قيام الرئيس جورج دبليو بوش بضم إيران إلى “محور الشر”، ثم الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 الذي وضع أكثر من 100.000 جندي أميركي على الحدود الإيرانية.
ربما يقدم رد إيران دائم التحوُّل والتطور على الغزو فكرة عن كيفية ردها على اغتيال سليماني. في بعض الأحيان التي أظهرت فيها الولايات المتحدة قوتها العسكرية، بدت الجمهورية الإسلامية وكأنها تجبُن تتراجع. وعلى سبيل المثال، في غضون ساعات من الضربة الصاروخية الأميركية في العام 2003 ضد جماعة “أنصار الإسلام”، وهي جماعة سنية إرهابية كانت تعمل في شمال العراق ووجدت إيران أنها ملائمة للمساعدة، قامت طهران بإغلاق الحدود التي كانت تزود المجموعة عبرها بالأسلحة، وهدّأت نشاطها تماماً. ووفقًا للتقديرات المنشورة للمخابرات الأميركية، فإن إيران تخلت بعد سقوط صدام حسين، خائفة على ما من القوات الأميركية المجاورة، عن العمل في تصنيع رأس حربي ذري، بينما واصلت العمل على الجانب المدني من برنامجها النووي.
ولكن، عندما اندلعت المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة خلال حرب العراق، انضمت قوة القدس التابعة لسليماني إلى القتال. وقامت إيران بتمويل وتسليح الميليشيات التي قصفت القواعد والمنشآت الدبلوماسية الأميركية، وقدمت لها الفخاخ والعبوات المتفجرة المحسنة القادرة على اختراق دروع المركبات العسكرية الأميركية. وكانت ما تسمى “المتفجرات الخارقة للدروع” مسؤولة عن ما لا يقل عن 250 وفاة أميركية في العراق.
لم يكن سليماني أبداً شخصاً يخفي نوره. في العام 2008، قام وسيط بتسليم رسالة مكتوبة للجنرال ديفيد بترايوس، الذي تولى قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق. وقالت الرسالة: “الجنرال بترايوس، يجب أن تدرك أنني، قاسم سليماني، أتحكم في سياسة إيران تجاه العراق وسورية ولبنان وغزة وأفغانستان”.
وفي العقد الذي تلا ذلك، كان سليماني هو الوجه لنظام إيراني كسب تمكيناً هائلاً من الغزو الأميركي للعراق، الذي أطاح أولاً بعدوه القديم صدام حسين، ثم أطلق بعد ذلك القوة الانتخابية للأغلبية الشيعية في العراق في نظام ديمقراطي أنشأته الولايات المتحدة على أسس طائفية. ومع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وزعزعة الاستقرار الني صاحبت الربيع العربي، استفادت إيران من انقسام المنطقة إلى معسكرات طائفية -سنية ضد شيعية- بينما انهارت الهويات الوطنية.
وإلى سورية، أرسلت إيران كلاً من قواتها الخاصة لإنقاذ الرئيس بشار الأسد، وقوات حزب الله، الميليشيا التي أنشأتها في لبنان منذ عقود. ووجدت لنفسها عميلاً جديداً في المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين جرّوا منافسيَن إقليميَّين هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى حرب قاسية. وعلى الرغم من استثمار كلف نحو تريليون دولار أميركي وآلاف الأرواح الأميركية، ظلت إيران إلى حد بعيد الدولة الأقوى نفوذاً في العراق.
عندما ظهر جيش “داعش” المتطرف هناك في العام 2014، وتمكن من التغلب على الجيش العراقي، تجاوز سليماني الولايات المتحدة في السباق إلى الخطوط الأمامية، حيث قدم الأسلحة الأولى للقوات الكردية العرقية التي ستوقف التقدم الإرهابي. وفي بغداد، دعت الحكومة الميليشيات إلى التحشيد والتعبئة ضد “داعش”، وهو ما كان مكسباً مفاجئاً آخر لقوة القدس، حيث تم تنظيم معظم المقاتلين حسب الطائفة. وكان من بين الملصقات التي نشرت في إيران في الساعات التي تلت مقتل سليماني، واحداً يقول باللغة الإنجليزية: “الجنرال سليماني، مكافحة الإرهاب”.
في تغريدة على “تويتر”، وصف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف سليماني بأنه “القوة الأكثر فاعلية التي تقاتل ‘داعش’، والنصرة، والقاعدة وآخرين”، ووصف اغتياله بأنه “عمل خطير للغاية وتصعيد أحمق”.
بطبيعة الحال، كانت إيران هي التي بادرت إلى معظم التصعيد على مدار العام السابق -مختبرة ترامب بثبات في عالم الحرب غير المتكافئة، بعد أن شدد الخناق على الاقتصاد الإيراني على أمل إجبار طهران على إعادة فتح المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي كان قد انسحب منه من جانب واحد.
ولكن، مع إحجام ترامب عن الرد عسكرياً، أصبحت هجمات إيران أكثر جرأة -من مهاجمة ناقلات النفط (التي قال ترامب لمجلة تايم عن واحد منها أنه “صغير للغاية”)، إلى إسقاط طائرة أميركية من دون طيار (وهو ما أمر ترامب بشن هجوم انتقامي بعده، ثم ألغى الهجوم في اللحظات الأخيرة)، إلى قصف منشأت نفطية سعودية رئيسية في أيلول (سبتمبر). وجاء الرد العسكري الأول لترامب في الأسبوع الماضي فقط بعد مقتل المتعاقد العسكري. وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى عملية اغتيال جوية جلبت شهقات الدهشة إلى أولئك الذين يعرفون أهمية سليماني لإيران.
في العام 2017، عندما أدرجت “مجلة تايم” سليماني في قائمتها التي تضم الأشخاص المائة الأكثر نفوذاً في العالم، كتب كينيث بولاك، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية أنه “بالنسبة للشيعة في الشرق الأوسط، بمثابة جيمس بوند، وإروين روميل، وليدي غاغا معاً في شخص واحد”. وفي داخل إيران، تستدعي النجاحات التي حققها في الخارج الأمجاد السابقة للإمبراطورية الفارسية التي عملت الجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى على التقليل من شأنها، لأنها كانت سابقة زمنياً على الإسلام. لكن آيات الله وجدوا مؤخرًا ميزة في القومية. وثمة ملصق آخر يحيي ذكرى سليماني والذي يصفه بـ”الجنرال الفارسي”.
كان سليماني يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور الإيراني بحيث كان ينظر إليه -على الأقل من قبل البعض في طهران- على أنه الشخصية التي قد تحافظ على الإيمان العام الذي تمس حاجة النظام إليه بعد رحيل المرشد الأعلى، الذي بلغ الثمانين من عمره -ربما بأن يصبح الوجه العام للجمهورية الإسلامية بينما يقف رجل دين جديد على قدميه. وقد تم تدمير هذه الفكرة أيضاً، مهما كانت حقيقية أو معقولة، على الرصيف في بغداد.
في التعليق على الاغتيال، أعلن وزير الخارجية الإيراني أن “الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن جميع عواقب نزعتها المغامراتية المارقة”. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: Why the U.S. Assassination of Iranian Quds Force Leader Qasem Soleimani Has the U.S. Bracing for Retaliation ترجمة: علاء الدين أبو زينة كارل فيك – (مجلة تايم) 3/1/2020 - الغد
أثار الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية يوم الجمعة المخاوف على الفور من أن الحرب غير المتكافئة التي لطالما مجّدها ودافع عنها بقوة لن تبقى بعد مصرعه فحسب، وإنما ستنتقم لموته أيضاً.
قامت المنشآت العسكرية الأميركية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بتعزيز إجراءات الأمن لديها وحثت السفارة الأميركية في العراق المواطنين الأميركيين على “مغادرة العراق على الفور” بعد أن أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب أصدر الأمر بتوجيه الضربة ضد سليماني.
ولم تكن عملية القتل الأخيرة مثل الهجمات الأخرى التي هدفت إلى القضاء على أعداء الولايات المتحدة في السابق -الغارات التي قتلت أسامة بن لادن أو زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي. كان سليماني شخصية عامة بارزة في إيران، وجنرالاً كبيراً في الحرس الثوري الإيراني، والذي كان بسهولة أكثر المسؤولين شعبية في حكومة إيرانية لا تتمتع بالشعبية بشكل عام. وفي داخل إيران، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تم تداولها على مستوى العالم، كان هو القائد الأبرز وكبير المهندسين لطموحات إيران الإقليمية -في سورية ولبنان واليمن، وبشكل أكثر مباشرة في العراق، حيث لاقى نهايته.
في بيان له بعد الاغتيال، قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي: “كان سليماني الوجه الدولي للمقاومة، وسوف يكون كل محبي المقاومة آخذي ثأره.” ووعد بأن “انتقاماً قاسياً سوف يأتي”.
بعد إعلان وفاته، قام التلفزيون الحكومي الإيراني بتعليق جميع البرامج وبعرض صورة لسليماني مصحوبة بتلاوات من القرآن، وهو ما يحدث دائماً عند وقوع حدث كبير. كما بدأ التلفزيون الحكومي بث لقطات لقوات إيرانية منخرطة في القتال، من الحرب العراقية الإيرانية -التي قاتل فيها سليماني- إلى معارك في لبنان وسورية.
هددت وفاة سليماني، على طريق في مطار بغداد الدولي، بتصعيد الأعمال القتالية الأميركية مع إيران بشكل حاد. وكانت هذه الضربة الجوية هي ثاني ردود الفعل العسكرية التي يأمر بها ترامب على الأعمال الإيرانية التي كانت تزداد عدوانية بثبات خلال الأشهر السبعة التي حدثت فيها من دون رد. وكانت الدورة الحالية قد بدأت في 27 كانون الأول (ديسمبر)، عندما أدى هجوم صاروخي على قاعدة أميركية في شمال العراق إلى مقتل متعاقد دفاعي يعمل لصالح الأميركيين.
ألقى ترامب باللوم في ذلك الهجوم على ميليشيا مدعومة من إيران، “كتائب حزب الله”، وقامت طائرات أميركية يوم الأحد من الأسبوع الماضي بشن غارة على الميليشيا وقتلت 24 شخصاً. وبعد يومين، اقتحم أنصار الميليشيات العراقية السفارة الأميركية في بغداد، وأحرقوا المباني الخارجية وهتفوا “الموت لأميركا”. وكان في الحشد الذي تواجد في السفارة مؤسس “كتاب حزب الله”، أبو مهدي المهندس، الذي قتل في الغارة الأميركية مع سليماني.
تولى سليماني، 62 عاماً، قيادة قوة القدس، فرع الحرس الثوري المسؤول عن العمليات في الخارج، بدءًا من عمليات التخريب والإرهاب إلى إدارة الميلشيات التي تعمل كقوات تابعة لإيران. وفي أفغانستان، يقال أنه دعا إلى التعاون مع القوات الأميركية في حربها ضد حركة طالبان، وهي جماعة سنية أصولية كانت تشكل تهديدًا مستمرًا لإيران التي تعتبر نفسها زعيمة الطائفة الشيعية المنافسة في الإسلام. لكن ذلك التحالف الهش لم يستطع الصمود بعد قيام الرئيس جورج دبليو بوش بضم إيران إلى “محور الشر”، ثم الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 الذي وضع أكثر من 100.000 جندي أميركي على الحدود الإيرانية.
ربما يقدم رد إيران دائم التحوُّل والتطور على الغزو فكرة عن كيفية ردها على اغتيال سليماني. في بعض الأحيان التي أظهرت فيها الولايات المتحدة قوتها العسكرية، بدت الجمهورية الإسلامية وكأنها تجبُن تتراجع. وعلى سبيل المثال، في غضون ساعات من الضربة الصاروخية الأميركية في العام 2003 ضد جماعة “أنصار الإسلام”، وهي جماعة سنية إرهابية كانت تعمل في شمال العراق ووجدت إيران أنها ملائمة للمساعدة، قامت طهران بإغلاق الحدود التي كانت تزود المجموعة عبرها بالأسلحة، وهدّأت نشاطها تماماً. ووفقًا للتقديرات المنشورة للمخابرات الأميركية، فإن إيران تخلت بعد سقوط صدام حسين، خائفة على ما من القوات الأميركية المجاورة، عن العمل في تصنيع رأس حربي ذري، بينما واصلت العمل على الجانب المدني من برنامجها النووي.
ولكن، عندما اندلعت المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة خلال حرب العراق، انضمت قوة القدس التابعة لسليماني إلى القتال. وقامت إيران بتمويل وتسليح الميليشيات التي قصفت القواعد والمنشآت الدبلوماسية الأميركية، وقدمت لها الفخاخ والعبوات المتفجرة المحسنة القادرة على اختراق دروع المركبات العسكرية الأميركية. وكانت ما تسمى “المتفجرات الخارقة للدروع” مسؤولة عن ما لا يقل عن 250 وفاة أميركية في العراق.
لم يكن سليماني أبداً شخصاً يخفي نوره. في العام 2008، قام وسيط بتسليم رسالة مكتوبة للجنرال ديفيد بترايوس، الذي تولى قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق. وقالت الرسالة: “الجنرال بترايوس، يجب أن تدرك أنني، قاسم سليماني، أتحكم في سياسة إيران تجاه العراق وسورية ولبنان وغزة وأفغانستان”.
وفي العقد الذي تلا ذلك، كان سليماني هو الوجه لنظام إيراني كسب تمكيناً هائلاً من الغزو الأميركي للعراق، الذي أطاح أولاً بعدوه القديم صدام حسين، ثم أطلق بعد ذلك القوة الانتخابية للأغلبية الشيعية في العراق في نظام ديمقراطي أنشأته الولايات المتحدة على أسس طائفية. ومع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وزعزعة الاستقرار الني صاحبت الربيع العربي، استفادت إيران من انقسام المنطقة إلى معسكرات طائفية -سنية ضد شيعية- بينما انهارت الهويات الوطنية.
وإلى سورية، أرسلت إيران كلاً من قواتها الخاصة لإنقاذ الرئيس بشار الأسد، وقوات حزب الله، الميليشيا التي أنشأتها في لبنان منذ عقود. ووجدت لنفسها عميلاً جديداً في المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين جرّوا منافسيَن إقليميَّين هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى حرب قاسية. وعلى الرغم من استثمار كلف نحو تريليون دولار أميركي وآلاف الأرواح الأميركية، ظلت إيران إلى حد بعيد الدولة الأقوى نفوذاً في العراق.
عندما ظهر جيش “داعش” المتطرف هناك في العام 2014، وتمكن من التغلب على الجيش العراقي، تجاوز سليماني الولايات المتحدة في السباق إلى الخطوط الأمامية، حيث قدم الأسلحة الأولى للقوات الكردية العرقية التي ستوقف التقدم الإرهابي. وفي بغداد، دعت الحكومة الميليشيات إلى التحشيد والتعبئة ضد “داعش”، وهو ما كان مكسباً مفاجئاً آخر لقوة القدس، حيث تم تنظيم معظم المقاتلين حسب الطائفة. وكان من بين الملصقات التي نشرت في إيران في الساعات التي تلت مقتل سليماني، واحداً يقول باللغة الإنجليزية: “الجنرال سليماني، مكافحة الإرهاب”.
في تغريدة على “تويتر”، وصف وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف سليماني بأنه “القوة الأكثر فاعلية التي تقاتل ‘داعش’، والنصرة، والقاعدة وآخرين”، ووصف اغتياله بأنه “عمل خطير للغاية وتصعيد أحمق”.
بطبيعة الحال، كانت إيران هي التي بادرت إلى معظم التصعيد على مدار العام السابق -مختبرة ترامب بثبات في عالم الحرب غير المتكافئة، بعد أن شدد الخناق على الاقتصاد الإيراني على أمل إجبار طهران على إعادة فتح المفاوضات حول الاتفاق النووي الذي كان قد انسحب منه من جانب واحد.
ولكن، مع إحجام ترامب عن الرد عسكرياً، أصبحت هجمات إيران أكثر جرأة -من مهاجمة ناقلات النفط (التي قال ترامب لمجلة تايم عن واحد منها أنه “صغير للغاية”)، إلى إسقاط طائرة أميركية من دون طيار (وهو ما أمر ترامب بشن هجوم انتقامي بعده، ثم ألغى الهجوم في اللحظات الأخيرة)، إلى قصف منشأت نفطية سعودية رئيسية في أيلول (سبتمبر). وجاء الرد العسكري الأول لترامب في الأسبوع الماضي فقط بعد مقتل المتعاقد العسكري. وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى عملية اغتيال جوية جلبت شهقات الدهشة إلى أولئك الذين يعرفون أهمية سليماني لإيران.
في العام 2017، عندما أدرجت “مجلة تايم” سليماني في قائمتها التي تضم الأشخاص المائة الأكثر نفوذاً في العالم، كتب كينيث بولاك، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية أنه “بالنسبة للشيعة في الشرق الأوسط، بمثابة جيمس بوند، وإروين روميل، وليدي غاغا معاً في شخص واحد”. وفي داخل إيران، تستدعي النجاحات التي حققها في الخارج الأمجاد السابقة للإمبراطورية الفارسية التي عملت الجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى على التقليل من شأنها، لأنها كانت سابقة زمنياً على الإسلام. لكن آيات الله وجدوا مؤخرًا ميزة في القومية. وثمة ملصق آخر يحيي ذكرى سليماني والذي يصفه بـ”الجنرال الفارسي”.
كان سليماني يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور الإيراني بحيث كان ينظر إليه -على الأقل من قبل البعض في طهران- على أنه الشخصية التي قد تحافظ على الإيمان العام الذي تمس حاجة النظام إليه بعد رحيل المرشد الأعلى، الذي بلغ الثمانين من عمره -ربما بأن يصبح الوجه العام للجمهورية الإسلامية بينما يقف رجل دين جديد على قدميه. وقد تم تدمير هذه الفكرة أيضاً، مهما كانت حقيقية أو معقولة، على الرصيف في بغداد.
في التعليق على الاغتيال، أعلن وزير الخارجية الإيراني أن “الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن جميع عواقب نزعتها المغامراتية المارقة”. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: Why the U.S. Assassination of Iranian Quds Force Leader Qasem Soleimani Has the U.S. Bracing for Retaliation ترجمة: علاء الدين أبو زينة كارل فيك – (مجلة تايم) 3/1/2020 - الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/07 الساعة 08:36