الأمير: اغتيال الجنرال سليماني.. رسالة في كل الاتجاهات
مدار الساعة - بقلم الصحفي "رامي الامير" العَمري
لا يخفى على أحد أن مقتل الجنرال الايراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس وما يمثله من مكانة سياسية وعسكرية لدى النظام الايراني يعد ضربة قاصمة وجريئة من قبل الامريكان للنظام الايراني في ظل التوترات وحالات الشد والرخاء بين الدولة الفارسية التي دائما ما تتبجح في سعيها في بسط نفوذها في المنطقة وتحديدا بالعديد من العواصم العربية وتصديرها لثورتها الاسلامية ولطالما تعتبرها انها نموذج أخّاذ وسامي في ارساء السلم الاقليمي والعالمي وملهمة للشعوب المستضعفة المقاومة من وجهة نظرها... وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت رؤيتها العلنية التي تنادي دائما بتخليص المنطقة التي ارهقتها الحروب والثورات من براثن الارهاب وتحرير الشعوب وارساء السلام وحماية حقوق الإنسان من وجهة نظرها، وان كانت هذه الدعوة يرافقها ارسال القوات وارساء البارجات وحاملات الطائرات ونشر المدافع والصواريخ. كيف لا وهي التي دائما ما يتباهى رئيسها الخامس والاربعون دونالد ترامب بانها القوة الأقوى والأعظم والأشرس على وجه الكرة الارضية.
وبالعودة الى عملية الاغتيال للجنرال سليماني ابن الثاني والستين عاما الذي يعد ابرز القادة الإيرانيين بالعقود القليلة الماضية والقريب جدا من مرشد الثورة بايران خامئني والمنحدر من عائلة فقيرة من جنوب ايران والذي تدرج في حياته العسكرية وشارك في الحرب العراقية الايرانية إبّان فترة الثمانينات فإن هناك عددا من الرسائل الظاهرة والمخفية التي تحاول أن ترسلها الادارة الامريكية في كافة الاتجاهات والصعد واهمها أن امريكا ليس لديها أي خطوط حمراء في حربها مع اعدائها والتي تعتبر ايران الدولة الاولى حاليا في هذا العداء خاصة بعد وصول الجمهوريين لسدة الحكم وتسلم ترامب مفاتيح الحرب والسلم ورسم السياسات وعقد الاتفاقيات والغاء المعاهدات مما يعني أنه لا يوجد هناك مبررات أو اعتذارات عند اتخاذ القرارات الحاسمة ومن ضمنها تنفيذ الاغتيالات لمن تعتبرهم امريكا أعداء للسامية ومحراك الشر في المنطقة والمؤججين للصراعات واستهداف المصالح الامريكية في الدول المحيطة لايران .
ولعلنا ندرك ان هذه العملية النوعية والقاسية من قبل امريكا للنظام الايراني جاءت بعد ايام قليلة من اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد من قبل مجموعة من العراقيين وإضرام النيران فيها الأمر الذي يعتبره البيت الأبيض أنه انتهاك لكافة الخطوط الحمراء في تهديد ابنائها سواء من المدنيين أو العسكريين ، والذي ما كان ليتم لولا اعطاء القادة الايرانيين الضوء الاخضر للمتظاهرين العراقيين بدخول المنطقة الخضراء ومهاجمة السفارة الأمريكية الامر الذي استدعى أن يكون الرد المناسب لهذا الانتهاك الخطير من وجهة النظر الامريكية بتوجيه ضربة كبيرة وقاصمة وبأمر مباشر من ترامب يكون من خلالها توصيل رسالة واضحة للنظام الايراني ان لا تساهل مع أي اعتداء على أية منشأة من منشآتها وان اي تصعيد سيقابله تصعيد يسبقه بمسافات..
اما الرسالة الثانية الواضحة التي نقرؤها ونلمسها من عملية الاغتيال هذه فهي رسالة الاطمئنان التي تبعثها الادارة الامريكية لحليفتها الأولى بالمنطقة "اسرائيل" ورئيس وزرائها الأسبق بنيامين نتنياهو خاصة في ظل الظروف المتأرجحة والغير مستقرة في الداخل الاسرائيلي من حيث الفشل المتكرر في الآونة الأخيرة في تشكيل حكومة موحدة وهي حالة فريدة يعيشها الكيان الصهيوني في هذه الايام خاصة وان شخص نتياهو يعتبر الحليف الأول والأقرب لترامب مما يجعل من هذه العملية تقوية لموقف الاول وتعزيز فرصه في تشكيل الحكومة الاسرائيلية المقبلة وتخفيف حدة الانتقاد له من مكونات المجتمع الاسرائيلي وهذا ما يفسر قطع نتنياهو زيارته الحالية لليونان والعودة لإسرائيل على وجه السرعة.
اما الرسالة الثالثة فهي ايضا تأتي في رسائل الاطمئنان التي تبعثها الادارة الامريكية لحلفائها في منطقة الخليج والعالم العربي وجديتها بالوقوف إلى جانب تلك الدول (حيث طالت هذه الجدية العديد من الانتقادات بالفترة السابقة) التي تعتبر إيران هي المحرك الرئيسي للإرهاب بالمنطقة من خلال تدخلها المباشر بإستخدام حلفائها ومليشياتها في عدد من الدول العربية كاليمن وسوريا ولبنان وبالاضافة الى العراق وخلق حالة من عدم الإستقرار في المنطقة التي تعتبر الأغنى والأشمل باستحواذها على مصادر الطاقة من نفط وغاز وغيرها من الثروات الطبيعية ما يستوجب الحفاظ على الاستقرار وتوفير الأمن الدائم لها كمزود رئيسي للعالم من هذه الثروات خاصة في ظل الهجوم الاخير بالصواريخ على منشأة أرامكو النفطية السعودية والتي تعد الأكبر على مستوى العالم في استخراج النفط وتصديره لكافة الدول حيث امتدت اصابع الاتهام وقتها نحو ايران.
لا شك ان هذه العملية وما تحمل في طياتها من فعل وردود فعل لاحقة سيكون لها تأثيرات كبيرة على المنطقة وأعتقد أن وجود العديد من القوات الامريكية المنتشرة على مرمى أعين القوات الإيرانية في عدد من الدول القريبه من إيران بالإضافة لاعتقاد النظام الايراني أن امريكا ما كانت ستقوم بهذه الخطوة إلا بتشجيع من حلفائها بالمنطقة سيحفز الإيرانيين على القيام بخطوة قادمة تبين من خلالها أن ايران لن تخاف ولن تستكين من عملية الاغتيال هذه وستحافظ على هيبتها بالمنطقة ما يعني أننا سنشهد المزيد من التوترات والأفعال خلال الفترة القريبة القادمة وسيكون لكل من يقطن في هذا الاقليم جزءا لا بأس به من هذه التصعيدات.