القواسمة تكتب: احتراق

مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/03 الساعة 14:46
بقلم: بثينة القواسمة كان الوقت محترقاً جداً، خرجت منه رمادية اللون إلى الأبد، فنجاتي هذه تعني أنني حاربت نيرانك بكل ما أوتيت من برود، ولكن هل ينفع انجمادي أمام نار قبحك المشتعلة؟ هل يكفيني أن أكون فقط متوقفة الدماء! صدق أن هذا لم ينفعني أبداً فلقد ذاب كل هذا الجمود وخرجت الدماء من عينيي وهربت متأثرةً بحروقٍ أحالتني لمعطف أبيض متسخ برمادٍ متتطاير. إلى الآن وأنا أشتعل كل صباح إثر تلك الحروق التي رُسمتَ بها على جسدي و أبكي من شدة تفحم قلبي فلا عزاء لي إلا رؤية الشمس و عدم التعرض لها خشية الذكريات. إلى الآن ودموع ليلي تحرق تشوهات وجهي التي خلفها بُعدك، وتدفعني إلى النوم خشية الانتحار. أتظن أن الأمر كان هيناً؟ أكنت تعتقد أن صب الكاز و رمي عود كبريت في روح أحدهم بهذه السهولة؟ ألم يؤنبك قلبك في إحدى الليالي على ذلك الرماد يا رجل؟ أتحولت إلي يهودي جبان يشتهي التعذيب و الحرق و تقطيع كل ما هو متكامل! هل سمعت صوت آهات أحدهم في إحدى المساءات؟ إنها آهاتي التي أخشى عليها من أن يسمعها أحد فهي عورة. كان لا بد لي أن أعي تماماً أنني سأحترق منذ رؤيتك، ولكنها لهفة البدايات، وحب الاكتشاف، وشغف للمجهول، وتجميع للذكريات والزهور الجافة ورموش عينيكَ، ورسم لضحتك المذهلة، و تطريز صوتك في قلبي، و عمى الأم عن أخطاء طفلها، و عفو الأب عن تهور ابنه، و حضن أخت عميق، وتربيت يد صادقة من صديق صادق، و نصيحة معلم لك شأنٌ عنده. وها أنت الآن قبر أسود في مخيلتي، لا سلام عليه و لا حتى دعاء.
مدار الساعة ـ نشر في 2020/01/03 الساعة 14:46