اعتماد المؤسسات الصحية ضرورة لا رفاهية
ياسين القيسي *
.. الحكومة توضح في تصريحات الحوافز والحزم الأخيرة للخدمات، ورفع سويتها، ان الانفاق على عدد منها جيد نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي وانه يضاهي متوسط إنفاق الدول المماثلة او القريبة غير ان الجودة وكفاءة الخدمات ليست بمستوى الإنفاق وغير مقنعة.
يفترض ان تحتل الصحة رأس الأولويات وتنفق الحكومة حسب تصريحات وزير الصحة ما يقرب من 2.5 مليار دينار سنويا لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين وهو ما يعادل 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويبدو واضحاً هنا ان حلقة مفقودة بين حجم الإنفاق وبين المردود منه بمعنى جودة الخدمات، وان هناك هدراً كبيراً في هذا القطاع يخل بمعايير تلقي الخدمة ونوعيتها وتوزيعها ومراقبتها وتقييمها والكلف المترتبة عليها؛ وحوكمة هذه العملية برمتها اسوة بغيرها من الخدمات والصحة أهمها.
منظمات دولية عديدة ومنها البنك الدولي كانت اشارت في تقارير سابقة إلى أن الأردن يمكنه تحسين جودة الخدمات في قطاعي الصحة و التعليم اذ ينفق عليهما ضعف ما تنفقه بلدان الشرق الأوسط و شمال افريقيا ؛وما يتساوى تقريبا مع دول مثل المانيا و النمسا و بولندا نسبة الى الناتج المحلي الإجمالي.
تحتاج الحوكمة الى ادوات وأذرع في المساءلة و الشفافية ومقررات في كيفية ادارة مسار الخدمة الصحية تشمل المدخلات و البنية التحتية والتشريعية والموارد البشرية والمالية والرقابة والتقييم و معايير الاعتماد والجودة.
من البديهي ان ما سبق ذكره يحتاج الى مؤسسية فاعلة و تشريعات محفزة و ضمانات للمساءلة والرقابة و التطوير و الشراكة الحقيقية بين القطاعات المعنية كافة.
أحد أوجه هذه المؤسسية وجود "مجلس اعتماد المؤسسات الصحية" المعزز بنظام اعتماد المؤسسات الصحية رقم 105لسنة 2016؛ والذي ينص على التزام المؤسسات الصحية من مستشفيات و مراكز صحية تقدم الرعاية الصحية الأولية ومختبرات وصيدليات وعيادات ومراكز الطب البشري العاملة في المملكة بالحصول على شهادة اعتماد خلال مدة (3)سنوات من تاريخ نفاذ النظام و نشره في الجريدة الرسمية.
في السنوات الأخيرة تحقق جزء من ثقافة الإهتمام بالمساءلة لدى المواطن و المؤسسات، وتجدنا نسأل ونستعلم عن مستوى المدارس لأبنائنا و الاعتماد العام و الخاص للجامعات ، ولدينا بعض الإهتمام بالمواصفات و المقاييس والغذاء والدواء وأهمية الهيئات والاليات الرقابية بشكل عام.
ولعل الاهتمام والتركيز على اعتماد المؤسسات الصحية يمكن ان يتقدم على ما سبق اذا ما ترسخت هذه المفاهيم.
ما يطور البيئة الحاضنة و ثقافة المؤسسية و المساءلة في تطبيق معايير الجودة و السلامة و التزام المؤسسات الصحية بتقديم الرعاية ذات الجودة في بيئة آمنة قبل و اثناء و بعد تقديم الخدمة و تكاملية منظومة المعايير و الشروط و فعالية المراقبة و التقييم و الإدارة والتأهيل واستجابة الإستراتيجيات و الخطط لمتطلبات تحديث و تطوير الخدمة و مساراتها المختلفة.
نقترب من السنة الثالثة لصدور الإرادة الملكية السامية بالموافقة على نظام المؤسسات الصحية سالف الذكر ، وهي المدة الممنوحة للحصول على شهادة الاعتماد من تاريخ انفاذ النظام و هناك العديد من المؤسسات الصحية التي استكملت في ملفاتها المعايير و الشروط المطلوبة؛ و بعضها بادر الى ذلك و منها من أعتمد و أعيد اعتماده ، و البعض الآخر من يغتنم التقييم و المراجعات في تحديد الثغرات و فرص تحسين الجودة من خلال التوصيات و المقترحات و التدريب المستمر ووضع و تعديل الخطط و توفير الإمكانات و الكوادر المنسجمة مع مضامين الاعتماد ومعاييره.
يمكنني هنا القول في ختام هذا أنني على المستوى الشخصي و بحكم مراجعتي شهريا و متابعة صرف دوائي و معالجاتي عند الحاجة، لمركز صحي عمان الشامل؛ لسنوات عديدة لاحظت بحكم فضولي الصحفي تطورات نسبية وملفتة في الإدارة وتقديم الخدمة على مختلف المستويات بالرغم من تضاعف اعداد المستفيدين ومتلقي الخدمة في السنوات الاخيرة لأسباب معروفة.
ولدى الإستفسار من ادارة المركز والوزارة جاءتني الإجابة ان متابعات و استجابات لمتطلبات معايير الاعتماد من قبل مجلس اعتماد المؤسسات الصحية و ارتفاع سقف الطموح لمواصلة تحقيق ذلك لسنوات متتالية وإعادة الاعتماد و المحافظة على هذا النسق المتصاعد ؛ الذي انعكس ايجابا على ارض الواقع .ما قد يعطي حالة نموذجية يمكن استنساخها مع مؤسسات اخرى.
يبقى القول ان تطوير التشريعات والقوانين باتجاه الإلزامية وتفعيل التشاركية و المحافظة على عدم الربحية و مصداقية المؤسسات؛ يمكن ان يحقق خطوات ضوئية في سبيل الحصول على خدمة لائقة و معتمدة و بجودة تضمن الإستثمار الأمثل لكل المدخلات وتناسب المردود الفعلي مع الانفاق الذي يتعرض للهدر ونقص الإدارة والخبرة والتأهيل وضعف المساءلة والتحديث وأن تصويب و تجاوز كل ما سبق ينعكس بالضرورة توهجا اضافيا على السمعة المرموقة التي حققها القطاع رغم عديد المثالب و التحديات اذا ما فعلنا الالتزام بالاعتماد.