دبلوماسية الرياضة تنجح في مد جسور عربية بين السعودية والعراق
مدار الساعة- مثلت ردود الأفعال الإيجابية، الرسمية والشعبية، على مباراة منتخبي السعودية والعراق لكرة القدم التي أقيمت في جدة الأسبوع الماضي، والأحداث التي رافقتها وأعقبتها، بداية علاقة شعبية وثيقة بين البلدين اللذين بدآ بالفعل في الآونة الأخيرة العمل على بناء علاقة رسمية وثيقة أيضًا لم تكن موجودة منذ عقود.
فالسعوديون الذين طالما تعصبوا لأنديتهم المفضلة داخل المملكة، ومنتخب بلادهم في المنافسات الخارجية، بدوا في صورة مغايرة قبيل وخلال وبعد المباراة التي انتهت بفوز السعودية بهدف نظيف، إذ غاب التعصب وانتقادات التحكيم الواسعة التي اعتادوا عليها، وركزوا على فرحتهم بفوز منتخبهم مع الإشادة بأداء الفريق الضيف.
كما أن المشجعين العراقيين الذين يرون في منتخب كرة القدم بارقة أمل لجلب الفرح إلى بلد غارق في الفوضى والحروب منذ سنوات طويلة، أقروا بأحقية المنتخب السعودي بالفوز مقابل أداء منتخبهم الأقل من الناحية الفنية.
ومثّل هذا النقاش الرياضي الهادئ الذي كانت ساحته الرئيسة مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن أمرًا متوقعًا حتى الأمس القريب، عندما كانت مواجهات البلدين الرياضية تأخذ طابعًا سياسيًا يعكس علاقة البلدين المتوترة، ويتم إقحام الخلافات السياسية فيها، ليبدو تحقيق الفوز أشبه بنصر عسكري.
ومن بين مئات آلاف التدوينات التي كُتبت عن المباراة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، يوجد عدد قليل فقط غير ملحوظ من المتعصبين الذين يحاولون إخراج الرياضة من سياقها، فيما يركز الغالبية على المباراة ونتائجها على المنتخبين رياضيًا فقط، مع الإشادة بالأجواء التي سبقت ورافقت وأعقبت المباراة.
قرار رسمي
يقول مراقبون إن ما رافق المباراة المهمة التي تعزز فرص الفائز بالتأهل لمونديال كأس العالم القادمة في روسيا 2018، وما أعقبها من مبادرات وتصريحات رسمية، إضافة للتفاعل الإيجابي مع تلك الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي بين مدوني البلدين، يعكس أن هناك من يقف خلف هذا التغيير الحاصل.
ولفتت عدة أحداث تحمل الطابع الرسمي، أنظار المراقبين بالفعل، إذ مثلت ما يشبه القرار الرسمي السعودي بالاستفادة من شعبية كرة القدم في مد جسور ثقة بين شعبي البلدين العربيين اللذين كانا رهنًا لبرود العلاقات الرسمية بين الرياض وبغداد في السنوات الماضية، وبدأت تشهد تحسنًا ملفتًا في الآونة الأخيرة.
فمنذ زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير لبغداد، في الـ 25 من فبراير الماضي، ولقائه بمسؤولين عراقيين بارزين بينهم رئيس الحكومة حيدر العبادي، ترددت تحليلات سياسية عدة للزيارة الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ العام 1990، تُجمع على أن السعودية قررت العودة للساحة للعراقية التي تهيمن عليها إيران.
وأعقب مبادرة الجبير بالفعل، زيارة وفد عراقي رسمي في الـ 12 من مارس الماضي للسعودية، في مؤشر آخر على أن نتائج زيارة الجبير غير المعلنة لبغداد، وجدت صداها لدى السياسيين العراقيين، وكان ملفتًا أن الوفد العراقي بحث خلال وجوده بالرياض قضايا فنية تتعلق بالمنافذ الحدودية بين البلدين، وهي قضية تسبق عادةً البدء بحركة مرور مكثفة في تلك المنافذ البرية والجوية.
ويرى كثير من المحللين السياسيين في تعليقاتهم على العلاقة بين الرياض وبغداد، أن قادة السعودية الذين تركوا الساحة العراقية في السنوات الماضية لصالح التدخلات الإيرانية، عازمون على ما يبدو العودة بقوة من البوابة العربية للعراق الذي تمتلك فيه العشائر والقبائل ذات الجذور والارتباط بشبه الجزيرة العربية، قوة ونفوذًا في الحكومة والبرلمان والجيش والشارع العراقي.
وترى تلك التحليلات أن الرياض تجاوزت التوتر الذي أعقب سحب السفير السعودي من بغداد العام الماضي، ثامر السبهان، وتعيين قائم بالأعمال مكانه، وبدأت محاولة جادة على أعلى المستويات لإثبات وجود في الساحة العراقية لا تخفي طهران مخاوفها من نجاحه في بلد مازال يتمسك بعروبته بعد 14 عامًا من الغزو الأمريكي وما أعقبه من هيمنة إيرانية تستند إلى تأجيج الصراعات الطائفية بين سنة وشيعة العراق.
اللافتة العربية
جذبت اللافتة الموجودة على شاشة ملعب الجوهرة في مدينة جدة السعودية يوم الثلاثاء الماضي، والذي احتضن مباراة المنتخب السعودي والمنتخب العراقي، أنظار الجميع إليها عندما كتب المشرفون على تشغيلها العبارة التالية تحت علمي البلدين “مرحبًا بعراق العروبة في مملكة العز أهلًا وسهلًا بالأشقاء”.
وتم تداول صورة اللافتة بشكل لافت بين المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين، إضافة لوسائل الإعلام السعودية والعراقية المختلفة، والتي انشغلت بمتابعة عدة أحداث أعقبت المباراة كان بينها زيارة رئيس هيئة الرياضة السعودية، عبدالله بن مساعد، لاعبًا عراقيًا في المستشفى بعد أن أُصيب خلال المباراة.
ووجد الاهتمام السعودي بالضيوف العراقيين صدى واسعًا في بغداد، بدءًا من رد سفير العراق لدى الرياض، رشدي العاني، عندما قدّم شكره للأمير عبدالله بن مساعد على زيارته للاعب العراقي أحمد إبراهيم في المستشفى، ومروراً بالرسائل الإيجابية للسعودية والتي عبّر عنها إعلاميون رياضيون عراقيون في عدة برامج ومقالات وتدوينات حمل بعضها تلميحات سياسية مؤيدة لبناء علاقة رسمية وثيقة بين البلدين.
فقد علق الإعلامي العراقي عوض العبدان على لافتة ملعب الجوهرة قائلًا: “عندما يلعب المنتخب العراقي في طهران يتم تمزيق علمه وعندما يلعب في السعودية يجد لافتات (أهلًا بعراق العروبة) في استقباله.. العراق حاليًا كالولد العاق الذي ترك أهله الذين يحبونه (العرب) وتعلق بفاجرة تضحك عليه (إيران)”.
فيما شهد برنامج الحصاد الرياضي الذي تبثه قناة الرياضية السعودية تبادلًا رياضيًا آخر للود بين إعلاميي البلدين، عندما رفع المذيع السعودي محمد العرفج، العقال، تقديرًا لكلمات الصحافي الرياضي العراقي فرهاد عمر عن المملكة العربية السعودية، خلال مداخلة هاتفية أثنى فيها على استقبال السعوديين للصحفيين العراقيين، ووجه الشكر باسم نقابة الصحفيين العراقيين للمملكة.
دبلوماسية الرياضة
تضاف الأجواء الإيجابية التي رافقت مباراة المنتخبين، إلى أجواء رسمية مماثلة على أعلى المستويات، فمنذ زيارة الجبير وحتى الآن، وصل تسارع الأحداث الإيجابية إلى لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأربعاء الماضي، في الأردن على هامش أعمال القمة العربية الـ 28.
وحتى النفي السعودي الرسمي قبل أيام قليلة لنية الرياض إلغاء ديونها على العراق، مازال موضع شك لدى كثير من المحللين، لاسيما أن الحديث العراقي عن إلغاء الديون يستند لخبر منشور في موقع وزارة خارجية العراق.
ويقول مراقبون إن الرياض التي تنتهج منذ تولي الملك سلمان سدة الحكم في بلاده مطلع العام 2015، سياسة المبادرة في الإقليم، وقررت التدخل عسكريًا في اليمن لمساندة الحكومة، عازمة على مبادرة جديدة في العراق لإزاحة النفوذ الإيراني، معتمدة على الدبلوماسية هذه المرة بكل أشكالها، السياسية والاقتصادية والشعبية وحتى الرياضية.