“الرأي والتشريع”: استثناء تعيين “موظفي الأمة” غير دستوري

مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/29 الساعة 08:01
مدار الساعة - فيما يؤكد مصدر حكومي “عدم دستورية”، مطلب تعيين موظفي مجلس الأمة، بشقيه الأعيان والنواب، خارج نظام ديوان الخدمة المدنية، قال مختصون إداريون إن مثل هذا التعيين سـ”يخلق حالة من التمييز بين المواطنين، فضلًا عن احتمالية تعيين أناس تنقصهم الكفاءة والجدارة، وبالتالي التأثير السلبي على مستوى الخدمات المقدمة”.
وأضاف هؤلاء الخبراء، في أحاديث منفصلة لـ”الغد”، أن موظفي هذين المجلسين “هم موظفو قطاع عام، يجب أن ينطبق عليهم ما ينطبق على جميع موظفي القطاع العام، من حيث أسس الاختيار والتعيين والرواتب والمكافآت”.
وأوضحوا أن منح الصلاحيات لرئيسي مجلسي الأعيان والنواب في اتخاذ قرارات التعيين خارج نطاق الأسس المعتمدة، من شأنه “أن يفتح الباب على مصراعيه لعمليات وإجراءات تعيين الموظفين في المجلسين بصورة تفتقر للعدالة والشفافية، ما يشكل سابقة غير محمودة، وإخلالا بمبدأ العدالة في تطبيق التشريعات المنظمة للإدارة العامة في الدولة”.
يأتي ذلك في وقت أكد فيه رئيس ديوان الخدمة المدنية، سامح الناصر، “أن استثناء تعيين موظفي مجلس الأمّة، بشقّيه الأعيان والنوّاب، من نظام الخدمة المدنيّة ما يزال قيد الدراسة، ولم يتم اتخاذ أي قرار نهائي بخصوصه”.
إلى ذلك، أكد مسؤول حكومي رفيع المستوى، أن ديوان الرأي والتشريع أصدر مذكرة يؤكد فيها “عدم دستورية مطلب مجلسي النواب والأعيان بأن يكون تعيين موظفي مجلس الأمة خارج نظام ديوان الخدمة المدنية”.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه في تصريح لـ”الغد”، إن مذكرة الديوان تضمنت أيضا “أنه لا يجوز قانونا التعيين بتعليمات”، مضيفًا أن هذا المطلب لم توافق الحكومة عليه بعد وأنه ما يزال قيد النقاش بين ديواني الخدمة المدنية والرأي والتشريع، الذي أفتى بعدم دستورية المطلب وعدم جواز التعيين بتعليمات.
من جهته، قال رئيس ديوان الخدمة المدنية السابق، هيثم حجازي، إن موظفي مجلسي الأعيان والنواب، “هم موظفو قطاع عام ويجب أن ينطبق عليهم ما ينطبق على جميع موظفي القطاع العام، من حيث أسس الاختيار والتعيين والرواتب والمكافآت وغير ذلك، ما دام الحديث يدور عن الدمج والهيكلة والمساواة والبعد عن الواسطة والمحسوبية”.
وأضاف “مؤسفة ذريعة أن طبيعة العمل في المجلسين تقتضي استثناءهما من أسس الاختيار والتعيين، في حين شكل اختيار أشخاص للعمل من خارج مخزون ديوان الخدمة المدنية خلال الأعوام السابقة مظهرًا من مظاهر انتفاء المساواة وتكافؤ الفرص التي نص عليها الدستور الأردني، وكان الأمر مدخلًا لتعيين موظفين لم يمض على تخرجهم أشهر وليست لديهم أي خبرة أو كفاءة”.
وأوضح حجازي “ما نشهده اليوم من أعداد كبيرة من الموظفين في هذين المجلسين، يدل على وجود خلل في أسس التعيين، إذ إن عدد موظفي مجلس النواب بمفرده قد وصل إلى نحو 600 بين موظف ومنتدب ومستشار ومراسل، معظمهم تم تعيينهم من خلال أعضاء مجلس النواب ودون وجه حق، علاوة على ما يتقاضونه من امتيازات تتمثل في العمل الإضافي والمكافآت الشهرية ومياومات السفر”.
وتابع “أن الأمر بات يستدعي أن يتم إلغاء هذه المادة، وأن تصبح أسس التعيين في المجلسين خاضعة للتنافس ضمن ما ينص عليه نظام الخدمة المدنية، لأن ما يتم تداوله من مبررات تتحدث عن الخبرة والمؤهل التعليمي، وأن طبيعة عمل المجلس تقتضي اختيار أشخاص معينين، لم تعد تقنع أحدا”.
واستذكر حجازي، أنه مع بداية العودة للحياة الديمقراطية العام 1989 كان عدد العاملين في مجلسي الأعيان والنواب، 50 موظفا، وكانوا قادرين على خدمة 120 نائبًا وعينًا بكل كفاءة وفاعلية.
وأكد “أن قوننة ومأسسة استثناء مجلسي النواب والأعيان من أسس الاختيار والتعيين المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية هو مأسسة للواسطة والمحسوبية، التي حث جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة على التخلص منها”.
بدوره، بين وزير تطوير القطاع العام السابق، ماهر مدادحة، “أن استثناء موظفي مجلسي النواب والأعيان من أسس انتقاء واختيار الموظفين من نظام الخدمة المدنية وصلاحية التعيين المباشر من قبل رئيسي هذين المجلسين فيه غياب العدالة والعودة إلى نظام الواسطة والمحسوبية”.
وقال “إن موظفي مجلس الأمة، بشقيه الأعيان والنواب، يعتبرون جزءا من موظفي القطاع العام الذي يحكم إدارة شؤونه نظام الخدمة المدنية وتطبق كافة الأسس والمعايير المحكومة بمواد نظام الخدمة المدنية المتعلقة بآليات اختيار وانتقاء وتعيين الموظفين، إلا أن النظام أعطى الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء والوزراء إلى رئيسي مجلسي الأعيان والنواب فيما يتعلق بالقرارات التي تخص موظفي المجلسين وهذا يعني أن النظام في الأصل لا يفرق بين موظفي مجلس الأمة وباقي موظفي القطاع العام على اعتبار أنهم جميعًا موظفو الدولة”.
وأضاف مدادحة “أن نظام الخدمة المدنية حدد أسس اختيار وانتقاء الموظفين وآليات التعيين لهم، وبحيث يكون هدف النظام إلى الوصول للعدالة وإضفاء الشفافية في عملية الاختيار والتعيين ومنع سوء استخدام الصلاحيات الممنوحة لأصحاب القرار والحد من تجاوز الأسس المتبعة لهذه الغاية وبالتالي الحد من فساد القرارات التي قد تتخذ في غياب مثل هذه الأسس والابتعاد عن المحسوبية والشللية والجهوية والمناطقية في التعيينات”.
وأوضح “من شأن ذلك أن يفتح الباب على مصراعيه لعمليات وإجراءات تعيين الموظفين في المجلسين بصورة تفتقر للعدالة والشفافية، ما يشكل سابقة غير محمودة، وإخلالًا بمبدأ العدالة في تطبيق التشريعات المنظمة للإدارة العامة في الدولة وخلق حالة من التمييز بين الموطنين، بالإضافة إلى اختيار وتعيين موظفين تنقصهم الكفاءة والجدارة وبالتالي التأثير السلبي على مستوى الخدمات المطلوب منهم تقديمها”.
أما مدير معهد الإدارة العامة السابق، راضي العتوم، فقال إنه “واثق تماما من أن هذا التعديل قد جاء، وللأسف، بضغط مجلس النواب على ديوان الخدمة المدنية، وعلى مجلس الأخير، وأن إدارة الديوان لا تقتنع بمثل هكذا نصوص التي تُثير الشكوك بمصداقية القرار الحكومي برمته، ولا يعنيها أن يوجد أي نص يعطي مبررات للغضب الشعبي، والإداري، والسياسي على مستوى الوطن”.
وأضاف “من الواضح الدور السلبي للمجلس التشريعي بهذا النص، بل والتفكير بهذا المستوى المتراجع”، متمنيا في الوقت ذاته “من الحكومة وعلى كل من يشارك برسم سياسات وتشريعات الدولة العميقة، أن يقفوا صفا واحدا ضد هذا التعديل، خاصة أن الكثير من المشرعين، والسياسيين، وأصحاب القرار يتطلعون إلى العالم المتقدم لا الرجوع للوراء”.
وكان رئيس ديوان الخدمة المدنية، أوضح، في تصريحات صحفية سابقة، أن تعديل نظام الخدمة المدنية يسهم بالتخفيف من تكدس طلبات التوظيف في مخزونه خاصة في التخصصات الراكدة والمشبعة التي لا يحتاجها سوق العمل المحلي.
وأضاف الناصر، أنّ النظام يهدف إلى استقطاب الكفاءات، واعتماد الخبرات في القطاع الخاص، وتطوير خطط التعاقب والإحلال الوظيفي ومهنة العمل وربط تقييم الأداء المؤسسي في الأداء الفردي، وربط المسار الوظيفي في المسار التدريبي خاصة بعد انضمام معهد الإدارة العامة لديوان الخدمة المدنية إداريا.
وأكّد أنّ التعديلات المقترحة على النظام تتماشى مع التطورات التي طرأت مؤخرا على إدارة تخطيط الموارد البشرية في القطاع العام وتوجهات الحكومة لتوسيع صلاحيات ديوان الخدمة المدنية بخصوص تحديد الاحتياجات الوظيفية للدوائر الحكومية سنوياً التي سيتم التعامل معها مستقبلاً على أساس مؤشرات مرتبطة بدراسات تقييم عبء العمل في الأجهزة الحكومية وخططها الاستراتيجية.
وأوضح الناصر أن مجلس الخدمة المدنية ناقش وعلى مدار أسبوعين متتاليين مسوّدة النظام، وسيتم رفعها لمجلس الوزراء تمهيداً لإقرارها حسب الأصول مطلع العام المقبل، لافتا النظر إلى أن نظام التعيين على الوظائف القيادية سيتم حسب المعايير والأسس.
يشار إلى أنه إبان حكومة عبدالله النسور، طفت على السطح قضية تعيينات 109 أشخاص على كادر الأمانة العامة لمجلس النواب من دون التقيد بقواعد التعيين المعمول بها، وجميعهم جرى تعيينهم بتدخل مباشر من النواب، من دون وجود حاجة حقيقية لخدماتهم. عبدالله الربيحات - الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/29 الساعة 08:01