الذاكرة والواقع
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/03 الساعة 01:14
«كنت منكم حين كنتم مضطهدين. وحين صرتم تضطهدون الناس، لم اعد منكم».. هذا مقطع من قصيدة لإريش فريد، شاعر وروائي لا نعرفه، ولم تطاله الترجمة في بيروت. لأنه يهودي، وألماني سابق، ويساري متطرف. يرفض العودة إلى وطنه، رغم كل المغريات من تعويضات والكثير من التملّق لليهود العائدين.
وإريش فريد رأيته مرة واحدة في مطار فرانكفورت في «الترانزيت»، ربما لاقل من ساعة، اخذني اليه صديق ألماني مشترك. وكان في طريقه للولايات المتحدة. وقد ذكّرني به كتابه الذي أرسله بالبريد وعنوانه «جندي وفتاة» ووجدته بين اكوام كتب لم يطالها التوزيع المريع. فالرجل، وقد رحل في منفاه الاختياري، ظاهره غير عادية ذكرني بها الرئيس عباس حين دعا العرب من شواطئ البحر الميت إلى زيارة القدس، بما في ذلك من تخوين الفيزا وغيرها، فالعرب ما زالوا عند انتظارهم القديم باجتياح القدس على خيلهم المطهّمة وتحت رايات الجهاد.
ونعود الى الشاعر الروائي، الذي أعلن انه لم يعد يهودياً، ولا يريد أن يعود إلى ألمانيا. فهو اخذ هذا الموقف بعد حرب حزيران.. حين انتهت اسطورة اليهود الذين يرفضون الصهيونية كموشيه مناحين صديق بن غوريون وزميله، واشتات من المشاهير كأين شتاين الذي رفض رئاسة الدولة اليهودية، واعاد الانتصار الساحق على الجميع الى الحظيرة.. ربما إلا إريش فريد. فقد وجد مبرراً اخلاقياً بأن يبقى مع المضطهدين العرب المهزومين. وكانت قصيدته «عاهرة اسرائيل» التي صدّرنا منها موضوعنا: كنت منكم حين كنتم مضطهدين، وحين صرتم تضطهدون الناس لم اعد منكم. كانت هذه القصيدة ذروة القوة الاخلاقية. واخذ موقعه الفكري والادبي الى جانب الفلسطينيين واليساريين العرب.. القدماء طبعاً.
لا ادري لماذا تذكرت الرجل العجيب الذي لم اعرفه الا ساعة في مقهى ترانزيت في فرانكفورت، لكنها تداعيات وتغيرات في مفاهيم الناس والوطن والتاريخ. لأناس يحبون أن يمارسوا ديناصورية الذاكرة.
الراي
وإريش فريد رأيته مرة واحدة في مطار فرانكفورت في «الترانزيت»، ربما لاقل من ساعة، اخذني اليه صديق ألماني مشترك. وكان في طريقه للولايات المتحدة. وقد ذكّرني به كتابه الذي أرسله بالبريد وعنوانه «جندي وفتاة» ووجدته بين اكوام كتب لم يطالها التوزيع المريع. فالرجل، وقد رحل في منفاه الاختياري، ظاهره غير عادية ذكرني بها الرئيس عباس حين دعا العرب من شواطئ البحر الميت إلى زيارة القدس، بما في ذلك من تخوين الفيزا وغيرها، فالعرب ما زالوا عند انتظارهم القديم باجتياح القدس على خيلهم المطهّمة وتحت رايات الجهاد.
ونعود الى الشاعر الروائي، الذي أعلن انه لم يعد يهودياً، ولا يريد أن يعود إلى ألمانيا. فهو اخذ هذا الموقف بعد حرب حزيران.. حين انتهت اسطورة اليهود الذين يرفضون الصهيونية كموشيه مناحين صديق بن غوريون وزميله، واشتات من المشاهير كأين شتاين الذي رفض رئاسة الدولة اليهودية، واعاد الانتصار الساحق على الجميع الى الحظيرة.. ربما إلا إريش فريد. فقد وجد مبرراً اخلاقياً بأن يبقى مع المضطهدين العرب المهزومين. وكانت قصيدته «عاهرة اسرائيل» التي صدّرنا منها موضوعنا: كنت منكم حين كنتم مضطهدين، وحين صرتم تضطهدون الناس لم اعد منكم. كانت هذه القصيدة ذروة القوة الاخلاقية. واخذ موقعه الفكري والادبي الى جانب الفلسطينيين واليساريين العرب.. القدماء طبعاً.
لا ادري لماذا تذكرت الرجل العجيب الذي لم اعرفه الا ساعة في مقهى ترانزيت في فرانكفورت، لكنها تداعيات وتغيرات في مفاهيم الناس والوطن والتاريخ. لأناس يحبون أن يمارسوا ديناصورية الذاكرة.
الراي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/04/03 الساعة 01:14