يا عايد.. إنطح الموت يهابك

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/05 الساعة 23:54
بقلم - محمد عبدالكريم الزيود
الزمانُ صباح ٌ أردني مملوء ببقايا الشتاء ، ورائحة التراب الذي مرّ عليه العسكر والشهداء ، وحموه ذات مساء من كيد الكائدين ..
تصعدُ يا عايد وفيك "سمرةٌ تغوي البنات إذا ما سرّج المهرة الشهباء أو ركباً ، وقد صلّيت الفجر وسابقت الشمس إلى ضحاها .. تصعدُ إلى طائرتك كالرمح ، وتتفقد العلم على ذراعك ، والنسر يعتلي صدرك ، والتاجان يتلألآن على كتفيك ، فأنت ملك الغيم وحارسها .. والخارطة على فخذك دليل ، وهم لا يعرفون أن العسكر يرسمون جغرافية الوطن في قلوبهم ، وهم الهداة لنا إن كسانا ليل أو تاهت بنا الدروب .
أجزمُ أنك لوّحت لزملائك وأنت تصعد نحو السماء ، ولربما غمزت طيار زميل لك ، بأن يحضّر القهوة لحين العودة .. فأنت تعرف دروب الغيم كما تعرفُ ظاهر يدك .. كما تعرفُ وجوه أبنائك .. كما تعرفُ راحتي أبويك ودمعهم .
لم تودّع أهلك ولربما باعد الواجب بينك وبينهم منذ أيام .. وهم الذين يودعونك كلمّا مررت بهم ، ودخلت عليهم وحمدوا الله على سلامتك .. تحفّك دعوات أمك وأمنيات رفيقة دربك وضحكات صغارك ، لكن متى كان العسكر يخافون الموت ، أو متى كان الموت بعيدا عنهم وهم بين البنادق والرصاص .
وأعرفُ أنّ بعض الخيل تخذل فرسانها .. وأعرفُ أنّ الشجاعة ما خبت منك ، وأنت تبذل جهدك وتأخذ بلجام طائرتك حتى لا تسقط ، ولكن هو قدر الله .. فما أخافك الموت ، و" نطحته ولم تهابه " كالفرسان في ساحة الوغى .. وقد جلتٓ بعينيك البلاد لتتكّحل بها آخر مرة وأنت تشهّد وتسلّم الروح ماشيا إلى الموت فارسا .
يا عايد .. يا من تشبهنا ، ويا من تحمل ملامحنا ، فأنتم العسكر وأنتم بقيّة الطاهرين في بلدنا ، وبقيّة الفقراء وحماتهم وبقيّة وجعنا ، وأنتم الملاذ إن مسّ عمان وأخواتها كائن من كان .
ستبكيك " الدعيجيّات" .. وسيزغردن بنات عمك وأنت تمرّ ملفوفا بالعلم كالسيف في غمده ، فشرف الشهادة لا يعلوه شرفا ، والمجد لا يمنح بلا ثمن ، ولا يُشترى ، ولو كان يباع لإشتروه الفاسدين وتجار الوطنيات .. وخير الموت يا عايد بين السيوف .. فما زالت بلادنا تنتج شهداء وعشاقا وفرسانا ، وإن شحّ المطر والقمح يوما فالعسكر يفيضون علينا دما ومجدا .
سلامٌ عليك يا عايد .. وسلام على الشهداء في بلادنا الذين يضيئون عتمات الليالي ، ويسجّلون أسمائهم " نشامى " .. سلمّ على معاذ وعلى راشد وعلى بقية الصحب هناك .. والسلام على دمع أمك وأهلك وزملاء ما بدّلوا تبديلا.
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/05 الساعة 23:54