بين الحاجة والخوف.. طلبة يتجمدون بردا في صفوفهم
مدار الساعة - فيما دخل موسم الشتاء ببرده القارس، ما يزال طلبة المدارس الحكومية يعانون من برودة الغرف الصفية لغياب التدفئة، برغم ما تبذله وزارة التربية والتعليم من جهود لتوفير بيئة تعليمية صحية مناسبة للطلبة والمعلمين، وليظل هذا العائق المتجدد سنويا تحديا رئيسا أمام الوزارة.
وبينما يتأرجح الطلبة بين حرص إدارات المدارس على المحافظة على صحة الطلبة وسلامتهم من مخاطر قد تنجم عن المدافئ وبين البرد القارس، حاولت” الغد” الحصول على رد رسمي من وزارة التربية والتعليم حول البدائل التي يمكن للوزارة الاستعانة بها في ظل امتناع مدراء المدارس عن تشغيل مدافئ الكاز في الغرف الصفية “كونها وسيلة غير آمنة” على حد تعبيرهم.
وكانت وزارة التربية والتعليم دعت مديرياتها في الميدان للتأكد من توفر متطلبات وشروط السلامة العامة في المدارس خلال فصل الشتاء، حفاظا على سلامة الطلبة والمعلمين.
وجددت الوزارة في تعميم وجهته مؤخرا لمديرياتها لضرورة التعامل السليم مع المدافئ ووضعها في أماكن بعيدة عن الطلبة وعدم تكليف الطلبة بنقلها.
كما شددت الوزارة على أهمية التأكد من صلاحية المدافئ وخزانات الوقود وجاهزيتها للاستعمال، وان تكون عملية شراء الوقود للتدفئة وفق الأسس المتبعة، وعدم جمع التبرعات من الطلبة لغايات التدفئة، كون الوزارة تتكفل بذلك.
وأكد الناطق الاعلامي لنقابة المعلمين نور الدين نديم أن “بعض المدارس غير مجهزة حتى الآن بالتدفئة، وإن وجدت فهي غير صالحة او يتم التقاعس عن تشغليها من قبل إدارات المدارس كونها غير آمنة”.
وأشار نديم إلى “سوء نوعية مدافئ الكاز، أو لأنها قديمة، فضلا عن الغازات السامة المنبعثة منها والتي تؤثر سلبا على صحة الطلبة والمعلمين”، داعيا الوزارة إلى “التفكير بحلول جذرية لهذه المشكلة من خلال توفير وسائل تدفئة كهربائية في المدارس ذات البناء القديم وتشغيل التدفئة المركزية في المدارس ذات الأبنية الحديثة”.
ويؤكد مدير مدرسة، يعقوب العبداللات، أن “أغلب المدارس لا تشغل مدافئ الكاز داخل الصفوف حرصا على السلامة العامة للطلبة”، مشيرا الى توفر هذا النوع من المدافئ في غالبية المدارس، لكن لا يتم استخدامها، لأنها ذات “نوعية رديئة، وبحاجة إلى صيانة باستمرار، ولا تملك المدارس ميزانية لإجراء هذه الصيانة التي تعادل تكلفتها ثمن مدفأة جديدة”.
وأشار العبداللات الى أن بعض المدارس “تقتصر استخدام التدفئة على غرف المعلمين والإدارة فقط”، موضحا انه في حالة وجود صوبة الغاز او الكهرباء في غرف الإدارة والمعلمين فإنه “يتم استخدامها بطرق غير شرعية”.
وأوضح أن الغازات المنبعثة من مدافئ الكاز، هي “سبب من ضمن أسباب أخرى تمنع إدارات المدارس من تشغيلها داخل الغرف الصفية، حرصا على صحة الطلبة والمعلمين”، لافتا الى أن مدرسته تتوفر فيها 35 مدفأة كاز يتم توزيعها على الصفوف في أيام البرد القارس”.
وبين ان الوزارة “تقتطع جزءا من أرباح المقاصف المدرسية لصرفها على بدل المحروقات ويتم توزيعها على المديريات بنسب متفاوتة”، داعيا الوزارة إلى توفير وسائل تدفئة حديثة (تدفئة مركزية، مكيفات)، بدلا من الاعتماد على مدافئ الكاز التي تسبب العديد من الإشكالات والمخاطر على صحة الطلبة والمعلمين.
واتفقت المعلمة في إحدى المدارس الحكومية في الزرقاء في القول ان غالبية الإدارات في المدارس الحكومية بجميع محافظات المملكة “تمتنع عن تشغيل مدافئ الكاز داخل الصفوف حرصا منها على سلامة الطلبة”.
وقالت هذه المعلمة التي فضلت عدم نشر اسمها لـ “الغد”، إن إدارات المدارس “تلجأ لأسهل الخيارات وهو عدم تشغيل هذه المدافئ في الصفوف خوفا من عبث الطلبة بها وتعرضهم للإصابات في حال وقوعها عدا عن ان بعض الطلبة يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي”، داعية إلى توفير بدائل اخرى للمدارس مثل المكيفات او التدفئة المركزية.
وكان نحو 427344 طالبا وطالبة في 3675 مدرسة خضعوا في العام 2017/ 2018 لفحص دوري شمل الصفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، بحسب التقرير الاحصائي السنوي للعام 2018، ويظهر تقرير منشور على موقع وزارة الصحة إصابة 3515 طالبا وطالبة بأمراض في الجهاز التنفسي، في حين بلغ عدد المصابين بالتهاب الحلق واللوزتين 6232.
من جانبه، اعتبر استاذ علم النفس والارشاد النفسي المساعد في جامعة فيلادلفيا الدكتور عدنان الطوباسي ان “من أركان العملية التربوية الناجحة المناخ والجو الصفي المناسب الذي يساعد الطالب والمعلم على التفاعل والنقاش الذي يثري التحصيل والمعرفة”.
وقال الطوباسي لـ “الغد”، إن الجو النفسي للغرفة الصفية والبيئة التعليمية يتطلب توفير وتجهيز كل ما يلزم للطالب والمعلم من اجواء الراحة والاطمئنان وعلى رأسها التدفئة الجيدة في فصل الشتاء والتبريد المناسب في الصيف.
وشدد الطوباسي على ضرورة توفير كافة مستلزمات الامان والسلامة العامة من حيث إبعاد المشتتات التي تعيق المناخ الصفي كوسائل التدفئة غير الملائمة ويمكن ان تصيب البعض بأمراض الشتاء، مؤكدا أهمية الكشف قبل بدء العام الدراسي على المدارس والغرف الصفية وتجهيزها لتكون آمنة وتليق بالعملية التدريسية.
من جانبه، أكد مستشار أول الطب الشرعي الخبير بحقوق الطفل والوقاية من الإصابات والعنف الدكتور هاني جهشان ان المراجع العلمية تشير إلى أن معايير التدفئة في الغرف الصفية، بما فيها الحد الأعلى والحد الأدنى لدرجة الحرارة، “يجب أن توثق وتعلن بتعليمات واضحة من قبل الجهة الحكومية المسؤولة عن التعليم على المستوى الوطني، أي وزارة التربية والتعليم”.
وقال جهشان، إن المعايير العالمية تؤكد وجوب المحافظة على درجة الحرارة في الغرفة الصفية والغرف الإدارية والمختبرات والملاعب المغلقة بحيث لا تنخفض في الغرفة الصفية عن 18 درجة مئوية أثناء نشاط جسمي معتدل، و21 درجة خلال النشاطات الأكاديمية.
وتشير هذه المعايير، بحسب جهشان إلى أن التدفئة يجب أن تكون مركزية، وحصر استخدام أجهزة التدفئة المتنقلة فقط عند حصول عطل بالأجهزة المركزية.
وأكد جهشان ان هذه المعايير ينبغي أن تطبق في جميع المدارس الحكومية والخاصة من الحضانة إلى التعليم الثانوي، وضبط هذه المعايير ورقابتها من قبل مديريات هندسية متخصصة في الوزارة.
وأشار إلى أن كثيرا من مدارس الأردن، وعلى خلاف المعايير الدولية، تفتقر لتوفير التدفئة الكافية في فصل الشتاء تماما كما هو حال ضعف البنية التحتية لعدد كبير من المدارس الحكومية، لافتا الى أهمية أن ترصد الحكومة الميزانيات الكافية سنويا لاقتناء أو استبدال وسائل التدفئة، أو صيانتها.
وبين جهشان ان علم وظائف الأعضاء يظهر أن قدرة أجسام الأطفال على تنظيم درجة حرارة الجسم منخفضة مقارنة مع قدرة البالغين على ذلك، ويتعرضون للمخاطر الناتجة عن ذلك، عدا عن التسبب بالخمول، وانخفاض عدد وقوة نبضات القلب أو عدم انتظامها.
وأشار إلى دراسات أكاديمية تبين العلاقة المباشرة بين تراجع المدخلات التعليمية والبرد في الغرف الصفية، وتتفاقم المشكلة في حال الاكتظاظ وغياب التهوية الكافية عند إغلاق النوافذ مع انخفاض درجة الحرارة، حيث تتزايد احتمالات العدوى بفيروسات الانفلونزا والتهابات القصبات الهوائية.
وبالعكس من ذلك، تؤكد الدراسات، بحسب جهشان، أن درجة حرارة غرفة الصف المناسبة ترفع القدرة على التركيز وتزيد دقة وسرعة الإنجاز في حل المسائل الأكاديمية.
واعتبر جهشان ان وزراء التربية والتعليم بصفتهم الاعتبارية اخفقوا في تنفيذ استراتيجيات التربية والتعليم في مجال البنية التحتية والبيئة المدرسية المناسبة وتحقيق الهدف السامي وهو أن تكون مدارس الأردن صديقة للأطفال.
آلاء مظهر - الغد