موازنة 2020: غياب خطة شاملة قابلة للقياس
مدار الساعة - دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في دراسة بعنوان “الموازنة العامة للدولة 2020 آفاق وحلول”، الى ضرورة إعادة النظر في السياسات المتبعة في إجراءات الموازنة في ضوء ما يمر به الاقتصاد الأردني من ظروف استثنائية أسهمت في تباطؤ النمو الاقتصادي.
وأظهرت الدراسة غياب خطة شاملة قابلة للقياس ومنهجية واضحة في اتخاذ القرار الحكومي لإيجاد حلول عملية لارتفاع عجز الموازنة العامة وعجز موازنات الوحدات الحكومية.
وقالت الدراسة التي نشرت أمس، إنه وباستقراء قانون الموازنة العامة للحكومة للعام الحالي، نجد أنها بُنيت على أسس الافتراضات التقليدية التي يستمد أساسها من النمو الاقتصادي الحقيقي؛ إذ توقعت الحكومة أن يبلغ النمو الاقتصادي الحقيقي 2 % للعام الماضي، و2.3 % للعام الحالي، وبالتالي يتم تقدير الإيرادات وتحديد حجم الإنفاق بناءً على هذه المعدلات، كما أن قانون الموازنة العامة للعام الحالي قد أشار إلى الخطط الحكومية الهادفة إلى تحفيز النمو الاقتصادي بطريقة مبهمة؛ إذ إن أغلب الإجراءات المستهدفة للحكومة تسعى إلى الإصلاح المالي العام في ضوء اتساع حجم المديونية والعجز ومتطلبات صندوق النقد الدولي والتي في غالبيتها انكماشية، ولم يكن في قانون الموازنة خطط وبرامج جديدة ذات مستوى يحقق نمواً استثنائياً وإنما على الأغلب ثمة استمرارية للنهج القديم.
كما أشار قانون الموازنة إلى تسريع وتيرة تطبيق الإصلاحات الهيكلية بدون وجود برنامج واضح، وكذلك دعا إلى مراعاة تحديد الأولويات بمنتهى العناية والحرص، وتبني الإجراءات والقرارات الهادفة إلى تشجيع الاستثمار وخلق فرص ضمن بيئة اقتصادية محفزة، وفي الوقت نفسه تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، ولكن من خلال مراجعة أغلب قوانين الموازنة للأعوام السابقة نجد أن ثمة إعادة في ذكر الأهداف بدون تحقيق إنجازات ملموسة، فنستنتج من ذلك كله أن موازنة الحكومة الأردنية غير موجهة بالنتائج، ولو كانت كذلك لتحققت نتائج إيجابية في هذا المجال، إلا أنها كانت ناجحة في تحقيق بعض الأهداف المالية.
وأشارت الدراسة الى أن الأردن حقق نتائج إيجابية في العديد من المؤشرات، إلا أن هناك بعض المشاكل ونقاط الضعف، ففي مؤشر الموازنة المفتوحة ثمة ضعف في المشاركة العامة وضعف في الإشراف والرقابة، كما بينت مؤشرات تقييم أداء إدارة المالية العامة في الأردن وجود محاور بحاجة إلى تطوير؛ إذ حصلت على العلامة الدنيا وفقا للتقييمات المعتمدة في التقرير، ومن أهم هذه المحاور ضعف تصنيف الموازنة، وضعف إدارة الاستثمار العام (النفقات الرأسمالية) وإدارة الموجودات العامة، وضعف عمليات التدقيق الخارجي، وثمة ضعف كذلك في مراجعة السلطة التشريعية لتقارير التدقيق؛ إذ لم يكن ثمة أي دليل على وجود رد على تقريري البرلمان.
وقد لوحظ في جانب إيرادات الحكومة المركزية انخفاض مرونتها؛ إذ لم تعكس تحركات الاقتصاد نتائج إيجابية، ما قد يُعزى جزء من السبب فيه إلى التشوهات الضريبية وانخفاض مرونة الهيكل الضريبي، وكذلك ثمة انخفاض في دقة تقديرات إيرادات الحكومة المركزية؛ إذ ثمة انحراف في الإيرادات المتحققة، فهي على الأغلب أقل من الإيرادات المتوقعة وكذلك المعاد تقديرها، كما لوحظ عدم استقرار هيكل الإيرادات الحكومية، ويعزى هذا التفاوت إلى الأوضاع الاقتصادية التي مرت بها المملكة خلال هذه المدة من جانب، والسياسات الحكومية المتبعة في ضوء برامجها التصحيحية مع صندوق النقد الدولي من جانب آخر.
أما نفقات الحكومة المركزية، فقد شهد مسار الإنفاق فيها تزايداً مطلقاً لا يتماشى مع الدورات الاقتصادية بالنسبة المطلوبة، فثمة انخفاض في مرونته، وذلك مع استهداف الحكومة ضبط النفقات وخاصة للمدة ما بعد 2011، إلا أن النفقات العامة قد نمت نمواً كبيراً، أما بخصوص كفاءة الحكومة في تقدير النفقات العامة فلا توجد دقة في تقدير تلك النفقات؛ إذ تفوق أرقام الموازنة أرقام إعادة التقدير والأرقام الفعلية المتحققة، وخاصة في جانب النفقات الرأسمالية التي تتعرض للمناقلات والتأخر في التنفيذ، مما يشير كذلك إلى عدم دقة التقديرات في إعداد الموازنة العامة للحكومة المركزية، وكذلك وجود مبالغة في التقديرات لضمان حدٍّ مُعيّن من الإنفاق، وهذا مؤشر على أن آلية إعداد موازنات الوحدات الحكومية وتنفيذها غير فعالة في إجراء تخطيط مالي سليم لموازناتها، وتبعاً لذلك لا بد من تعزيز قدرات الحكومة في تقدير النفقات من خلال اللجوء إلى وسائل علمية أكثر دقة، مثل استخدام النماذج القياسية المبنية على تحليل السلاسل الزمنية.
كما تشير موازنة الحكومة المركزية إلى وجود جمود في طبيعة البنود؛ إذ شكلت مخصصات الجهاز العسكري 33.2 % من النفقات الجارية في موازنة العام الحالي لتأتي المنافع الاجتماعية (التقاعد والتعويضات، والمساعدات الاجتماعية، وشبكة الأمان الاجتماعي) في المرتبة الثانية بنسبة 20.8 % من النفقات الجارية، تليها تعويضات العاملين بنسبة 20.1 % من النفقات الجارية، ثم الفوائد المدفوعة بنسبة 12.3 %، مما يعني أن 86.4 % من الموازنة هي بنود إجبارية الدفع، وهذا بطبيعة الحال يقلل من مرونة الموازنة العامة، وإذا أُضيفت الإعانات والدعم تصبح النسبة 91.4 %. ومن خلال هذا التحليل يتضح أنه ثمة صعوبة في توجيه الموازنة العامة في المدى القصير، وحتى يتأتى إصلاح حقيقي لا بد من الدخول في مناقشة البنود التفصيلية وكيفية تقليص حجم الحكومة ودمج المؤسسات، للتخفيف من فاتورة الرواتب وتعويضات العاملين وخاصة في ضوء النمو المستمر في هذا البند، مع قيام الحكومة بتجميد التوظيفات الحكومية لمدة طويلة.
ومن جانب آخر، فقد ازداد في الأعوام الماضية عدد الوحدات الحكومية من هيئات ومؤسسات ودوائر حكومية، أنشئت من خلال إصدار قوانين وأنظمة خاصة، أو من خلال قرارات حكومية صادرة عن مجلس الوزراء، ليصل عددها في نهاية العام الماضي إلى 57 وحدة حكومية. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الوحدات الحكومية تشكل عائقاً أمام الحكومة من ناحية إدارية وتنظيمية ومالية، بسبب ارتفاع نفقاتها وتداخل أعمالها مع بعضها من جهة، وزيادة قيمة الدعم المحوّل لها وارتفاع عجز موازناتها وتمويل إنفاقها من الاقتراض الداخلي والخارجي من جهة أخرى، وفي العام 2015 بدأ العمل على إعادة هيكلة العديد من المؤسسات والدوائر الحكومية استناداً إلى قانون إعادة هيكلة المؤسسات والدوائر الحكومية رقم (17) لسنة 2014.
كما جرى مؤخراً ضمن قانون الموازنة العامة وقانون الوحدات الحكومية للعام الحالي نقل 28 موازنة وحدة حكومية مستقلة إلى قانون الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى دمج مؤسسة ليصبح عدد الوحدات الحكومية ضمن الموازنة 37 وحدة حسب بيانات قانون الموازنة العامة للعام الحالي.
وأشارت الدراسة الى أن عمليات الضم التي أجرتها الحكومة لم تعمل على تخفيض الإنفاق الحكومي للوحدات الحكومية، بل على العكس شهدت ارتفاعاً، ومن خلال ذلك نستنتج أن عملية النقل كانت شكلية.
وبمراجعة آليات إعداد موازنات الوحدات الحكومية وتنفيذها ضمن الموازنة، فقد وُجد ضعف في إعدادها ومتابعتها من الأشخاص المعنيين، سواء من الوحدات الحكومية أو من دائرة الموازنة العامة.
كما تتسم آليات إعداد الموازنة للوحدات الحكومية ضمن الموازنة بالتقليدية؛ إذ ثمة العديد من الإجراءات الشكلية التي لا ترتبط في النهاية بتنفيذ الأهداف والتخطيط، وإنما تعتمد بالدرجة الأولى على تحصيل أكبر قدر من المخصصات من خلال التفاوض مع دائرة الموازنة وذلك مع تحديد الوحدات الحكومية لأهدافها التشغيلية وبرامجها، إلا أن فاعلية الإنفاق في تحقيق أهدافها منخفضة، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى غياب تحقيق مبدأ الفاعلية في تحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأقل جهد.
كما وتتركز أغلب نفقات الوحدات الحكومية ضمن الموازنة في جانب تعويضات العاملين، ويرجع ذلك إلى طبيعة الخدمات الإشرافية لتلك المؤسسات؛ إذ يتضح من هيكل النفقات الجارية للوحدات الحكومية ضمن الموازنة استحواذ تعويضات العاملين على ما نسبته 77 % من موازنة العام الحالي، ويسبب هذا البند جموداً في ميزانيات الوحدات الحكومية ضمن الموازنة، وذلك لأن بند الرواتب في نمو ولا تستطيع الوحدات الحكومية تخفيضه.
أما الوحدات الحكومية خارج الموازنة فلم يكن لها أثر إيجابي على الموازنة العامة للدولة، بل على العكس، فقد عملت موازنات الوحدات الحكومية على زيادة عجز الموازنة العامة وارتفاع الدَّين العام، نتيجة للدعم الحكومي المقدم وكفالة الحكومة للقروض، كما لم تعمل إجراءات الدمج التي أجريت على تخفيض الإنفاق الحكومي للوحدات الحكومية؛ إذ شهدت انخفاضاً طفيفاً خلال مدة الدراسة، إضافة إلى عدم كفاءة الإنفاق الرأسمالي للوحدات الحكومية، ووجود بنود إنفاق مبهمة وغير موضحة توضيحاً دقيقاً، إضافة إلى عدم توفر معلومات وتقارير مالية توضح الأداء المالي للعديد من الوحدات الحكومية الخاضعة لقانون الشركات.
كما وأظهرت دراسة وتحليل الموازنة العامة وموازنات الوحدات الحكومية غياب خطة شاملة قابلة للقياس ومنهجية واضحة في اتخاذ القرار الحكومي لإيجاد حلول عملية لارتفاع عجز الموازنة العامة وعجز موازنات الوحدات الحكومية الذي أصبح يتراكم بشكل كبير سنة بعد سنة. ففي ظل عدم وضوح الخطط الحكومية وأهدافها المتعلقة بالموازنة العامة للدولة وكيفية قيام الحكومة بالسيطرة على الإنفاق العام وتخصيصه بشكل كفؤ، تبقى رؤية الحكومة ضبابية وغير قادرة على تحقيق أهدافها من حيث إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة وموازنات الوحدات الحكومية.
وقد أظهرت المراجعة التي أجريت لموازنات الوحدات الحكومية، بأنه لم يسبق لإيرادات الوحدات الحكومية أن غطت نفقاتها إلا في عام واحد وحسب؛ إذ ثمة ارتفاع في العجز المالي خلال الأعوام (2011-2015) مقارنة بالأعوام اللاحقة، ويُعد هذا الارتفاع الظاهر ناتجاً عن تغيير القواعد المحاسبية لموازنات الوحدات الحكومية، وليس ارتفاعاً حقيقياً في الإنفاق العام، بسبب احتساب خسارة شركة الكهرباء الوطنية ضمن عجز موازنات الوحدات الحكومية؛ إذ من أبرز التحديات التي تواجه موازنات الوحدات المستقلة أن دائرة الموازنة العامة هي من تُحدد النفقات العامة للوحدات الحكومية ضمن سقوف مالية لا يمكن تجاوزها. ومع ذلك، يتم تجاوز هذه السقوف في أغلب الأحيان لعدم كفاية الإيرادات في تغطية الالتزامات المالية لهذه الوحدات؛ إذ تعاني أغلب الوحدات الحكومية من ارتفاع قيمة الاحتياطيات لتسديد التزامات سابقة، نتيجة لتجاوز مخصصات الإنفاق المرصودة في الموازنة بحوالي 365 مليون دينار في العام الماضي. كما تُقدر نسبة الانحراف في تقديرات الإيرادات والنفقات 13.6 % و7.6 % في العام الماضي على التوالي.
ومع العبء المالي المترتب على الموازنة العامة بسبب إنشاء الوحدات الحكومية، تشكل عوامل عدة -تعاني منها تلك الوحدات- قضايا مهمة يجب العمل على معالجتها، مثل ارتفاع حجم إنفاقها ومديونيتها، وعدم كفاءة تحصيل إيراداتها ومرونة نفقاتها، وحدة التفاوت في المنافع والمزايا الممنوحة لموظفيها، وعدم كفاءة إنفاقها، وتداخل مهامها وأهدافها. وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات المتصلة بالوحدات الحكومية، ما تزال مستمرة وفي حالة تغير مستمر، نتيجة لتغير السياسة الحكومية من حين إلى آخر. ومن أجل الخروج بتوصيات عملية تكون مستدامة وقابلة للتطبيق مستقبلاً، لا بد من الالتزام بسيادة القانون والحوكمة في جميع الوحدات الحكومية، وعدم منح استثناءات غير مسوّغة تفضي إلى التمييز بين الموظفين وتؤثر على أداء العمل، والعمل على تحسين كفاءة الإنفاق العام، وتحسين أدوات تحصيل الأموال المترتبة لها.
سماح بيبرس - الغد