ثروات أردنية لا نحسن استثمارها
نجح الأردن نجاحاً باهراً، في تنظيم القمة العربية الثامنة والعشرين على مستوى القادة، ليس في مجال الإعداد الدقيق للقمة الذي كان محل إعجاب وإشادة الجميع فحسب، بل بما سبق القمة ورافقها من إنجازات غير مسبوقة على مستوى القمم العربية السابقة، لعل في طليعتها الحضور الكامل للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وهو الحضور الذي زاد من ثقله وأهميته أنها المرة الأولى التي تشارك فيها الدول الأعضاء على مستوى قادة الدول بهذا العدد، خاصة في العقدين الأخيرين، فلطالما اكتفت الكثير من الدول العربية بالحضور الرمزي والشكلي للقمة، حتى وصل حضورها في كثير من الأحيان إلى مستوى المندوبين الدائمين لهذه الدول في جامعة الدول العربية، بينما لم يقل مستوى أي دولة مشاركة في قمة عمان التي عقدت في البحر الميت عن الرجل الثاني أو الممثل الشخصي لمن غاب من القادة العرب لأسباب قاهرة ومقبولة لدى الجميع.
لم يتوقف النجاح عند مستوى الحضور فقط، بل تجاوزه إلى الحماس لهذا الحضور والراحة بالمشاركة في هذه القمة، وهو الحماس والراحة اللتان عكستهما لغة الجسد للمشاركين من الملوك والرؤساء، فأي متأمل لصور القادة المشاركين خاصة صور وصولهم واستقبالهم سيجد أن الراحة كانت تعلو الوجوه، وهو الإحساس الذي ظل ملازماً الجميع حتى لحظة مغادرتهم لأرض الأردن. ولعل أحد أهم منابع هذه الراحة العلاقات المتميزة التي تربط جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين بإخوانه ملوك وقادة الدول العربية، وصفة الاعتدال التي اتسمت بها السياسة الأردنية.
النجاح المهم الذي حققته قمة عمان، وهي القمة العربية الثامنة والعشرون، أنها لم تشهد أية خلافات طوال أيام انعقادها، فمن المعروف أن اجتماع القادة العرب هو المرحلة النهائية من أعمال القمم العربية، التي تسبقها مراحل من العمل والتحضير التي تشارك فيها مجالس الجامعة المختلفة، وصولاً إلى صياغة القرارات التي يتولاها في العادة وزراء الخارجية في اجتماعهم الذي يسبق ويمهد لاجتماع القادة، وفي كل مرحلة من مراحل عمل القمة لم تتسرب أية أخبار عن وجود خلافات، بل كانت كل الأخبار تتحدث عن التوافق والإجماع وروح الإيجابية التي تسود جميع الاجتماعات، والتي تعكس احساس الجميع بالمسؤولية، وضرورة خروج الأمة من عنق الزجاجة، وهو الخروج الذي لن يتحقق إلا بوحدة الموقف الذي جاءت قمة عمان خطوة كبيرة على طريق إنجازه، وهذه واحدة تسجل للأردن، كبلد مضيف للقمة، استطاع بما لديه من مصداقية وقبول لدى جميع الأطراف أن ينزع الألغام من الطريق، وأن يوجد قواسم مشتركة بين جميع الوفود، وقد انعكس ذلك كله في مستوى الحضور والمشاركة كما انعكس في روح التوافق والإيجابية كما أشرنا إلى ذلك سابقا والتي جسدتها نتائج القمة وبيان عمان.
هذا النجاح الأردني في تنظيم مؤتمر القمة العربية الثامنة والعشرين، والوصول به إلى شاطىء الأمان، أضاف إلى مكونات ثروة الأردن مكوناً جديداً، وعند ثروات الأردن أحب أن أتوقف لأعود إلى خلاصة ثالثة من خلاصات الحوار المطول، الذي جرى بين أعضاء جماعة عمان لحوارات المستقبل والبرلماني والمفكر الإيطالي إنسوا كارا، فقد قال لنا الضيف الإيطالي أننا في الأردن نمتلك ثروات معنوية ومادية مهمة لكننا لم نستثمرها كما يجب، أولها أننا نمتلك نموذجاً متميزاً نستطيع أن نقدمه إلى العالم ليكون نموذجاً للوسطية والاعتدال والعيش المشترك في ظل التنوع، ذلك أننا في الأردن رقعة آمنة ومستقرة وسط منطقة ملتهبة، وهذا الاستقرار والأمان يمكن أن يوظف لجذب الكثير من الاستثمارت، كما يمكن أن يوظف لتعزيز دور ومكانة الأردن على مستوى الإقليم ومستوى العالم، وهو ما لم نفعله كما يجب أيضاً.
الثروة الأخرى التي نمتلكها ولا نحسن استثمارها كما يجب، على حد قول البرلماني الإيطالي، أننا نمتلك رصيداً كبيراً من المشاركات الإيجابية في تقديم الحلول لأزمات المنطقة، وهي خبرة من شأنها أيضا أن تعزز من حضورنا ومكانتنا في المحافل الدولية والإقليمية المختلفة، سياسياً واقتصادياً، مما يجب أن يسهم في خدمة إمكانياتنا الاقتصادية، ومما يساعد على ذلك أننا في الأردن نمتلك شبكة واسعة من العلاقات المتوازنة تغطي الإقليم ومساحات واسعة من العالم، تعززها وتنميها القدرة الفائقة لدى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين على مخاطبة العالم وعرض قضايا الأردن والعرب خاصة قضية فلسطين والقدس على وجه التحديد، وقضية الإرهاب والتطرف كما حدث في الأمم المتحدة وفي البرلمان الأوروبي وفي كل المحافل، ومن ثم فإن خطاب ومكانة جلالته مكون أساسي من مكونات الثروات الأردنية، التي يجب أن نحسن استخدامها وتوظيفها، في تعزيز دور ومكانة الأردن، لينعكس ذلك كله مزيداً من الأمن والاستقرار وصولاً إلى الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
الرأي