رسالة مفتوحة إلى وزارة السياحة.. أما بعد .. مغارة المزار
بقلم: أسعد العزوني
حبا الله الأردن بما يليق به من مكرمات كأرض الحشد والرباط، وقدّر الله كنوزا وثروات لا تقدر في باطن الأرض الأردنية، كالنفط والغاز والمعادن الثمينة، وما تحت البحر الميت وفيه، وما تحويه الصحراء الأردنية من مكنوزات تدل على المارين بهذه الأرض المقدسة، ولذلك قالوا أن الأردن متحف مفتوح بلا سياج، وهذه أول ملاحظة يتوجب على وزارة السياحة أن تحفظها عن ظهر قلب، وتعمل بموجبها، وتستغل الواقع لتحسين الحال.
هناك دول مجاورة أكرمها الله بالنفط، ولديهم وزارات تعنى بذلك مثل وزارة النفط والمعادن، ونحن في الأردن لدينا نفط لكن هناك وعلى ما تنظر محددات تمنعنا من إستخراجه، لكن لطف الله وتقديره لعلم الغيب والظروف التي سنمر فيها، بسبب تنمر البعض الذين إستعلوا وإستكبروا في الأرض عقابا لنا عربا ومسلمين، جعل عندنا بديل دائم للنفط نرتكز عليه لتحسين واقع الحال إن نحن أحسنا التعامل مع الواقع، ولكن المخرجات تدل على المدخلات، بمعنى أننا لم نهتم بما حبانا الله به من ثروات ألا وهي الآثار التي تدوم حتى قيام الساعة، بعكس النفط والغاز والمعادن الثمينة التي ربما ينضب مع مرور الزمن، وبسبب الإستغلال الجائر.
كما هو معروف أن الأردن كان ممرا لمن يطلبون الخلود بوصولهم إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، وعند هزيمتهم يعودون أدراجهم إلى الأردن ومن ثم يغادر من يتبقى منهم على قيد الحياة المنطقة ، ويتركون آثارهم التي تدل عليهم، إذ أنه لا يخلو موطيء قدم في الأردن من وجود آثار تحته، وهذا ما أثبته العلّامة البروفيسور أحمد ملاعبة من الجامعة الهاشمية الذي لقبه الألمان ب "قيصر الصحراء"،وقد أثبت جدارته بهذا اللقب، وجاب الأردن طولا وعرضا ،وسجل سبق أكثر من 350 إكتشافاً أثرياً وطبيعياً في الأردن، وكان له باع وذراع في الإقليم أيضا،إذ تمكن من إكتشاف أطول نفق في التاريخ بطول 140 كم ،وهو نفق الديكابولوس الذي يبدأ بسوريا وينتهي بفلسطين مرورا بالأردن. كما إكتشف 102 نفق بركاني في حرة البادية السمراء.
إكتشف البروفيسور ملاعبة أيضا مغارة برقش ومغارة الوهج التي لم تجد من يحافظ عليها، ولم ينتبه إليها أحد أصلا إلى إقدام البعض على إشعال النار فيها، ولم نسمع من وزارة السياحة والآثار التي أنيط بها العناية بالآثار وتنشيط السياحة من خلال تسويق الأردن عالميا في مجال السياحة والآثار، وسجلت هذه الوزارة العتيدة سبقا ما بعده سبق، بعدم الإهتمام بالآثار الأردنية، وكأن الأمر لا يعنيها أو كانه أنيط بها العمل في جزر الواق واق أو لغير المختص.
آخر إكتشافات البروفيسور الملاعبة قبل أيام مغارة المزار في الشمال، والتي تشكل فتحا أثريا مميزا في الأردن على يد البروفيسور ملاعبة، وكنا نظن مخطئين أن وزارة السياحة والآثار ستفيق من سباتها، وتتحرك ضمن ولايتها وبحسب توجيهات كتاب التكليف السامي، ولكننا كنا واهمين، بدليل أن أحدا من هذه الوزارة لم يكلف خاطره ويصل إلى هذه المغارة المكتشفة حديثا رغم مخاطبة الوزارة ومن يمثلها للحفاظ على الأرث الحضاري والطبيعي.
قبل أيام قمنا يزيارة إلى منطقة الشمال تلك المنطقة التي تشكل متحفا لوحدها، ومررنا ببقيع بلدة سمر الكفارات، وإستكشفنا مقبرة للشهداء الصحابة الذين خاضوا معركة اليرموك وهزموا الرومان بقيادة تدارق أخو ملك الروم هرقل، وقاد المسلمون آنذاك سيف الله المسلول خالد بن الوليد، والتي سجلها وحققها البروفيسور الملاعبة ويا لهول ما رأينا من إهمال لهذه المقبرة، إذ كانت وما تزال مكشوفة ومرتعا للدواب، ووزارة السياحة لا تعلم من يقبع في باطن أرضها، علما أنهم ضحوا بأنفسهم كي نعيش نحن فوق هذه الأرض.
يخوض الأردن معركة كبيرة لمكافحة الفساد الذي يضيّع ملايين الدنانير، وجرى إعتقال البعض وتقديمهم للمحاكمة، وهذا فعل حسن، لكن الفساد الآخر الذي يتعلق بتضييع المنجزات والمكتسبات يستحق المكافحة أيضا، ولذلك يجب محاسبة وزارة السياحة على تقصيرها في الحفاظ على المنجز الأردني في مجال السياحة والآثار.
في تلك الرحلة أيضا إكتشفنا شيئا آخر في أم قيس "أثينا الشرق"التي تتناثر قطع آثارها على الأرض، وهذه مسؤولية وزارة السياحة، ولكن السبات كان من نصيب الكثيرين الذين لم يعوا طبيعة عملهم وظنوا أن الوظيفة راتب وصولجان فقط.
ثالثة الأثافي ورابعتها وعاشرتها بعد مقبرة شهداء معركة اليرموك ومغارة برقش ومغارة المزار وأم قيس والكثير من المواقع الأردنية الأثرية المهملة هو جسر الصنفرة في الباقورة الذي عبر منه الفاروق عمر بن الخطاب إلى القدس لإستلام مفاتيحها من البطريرك الدمشقي العربي صفرونيوس، وأراهن ان غالبية الشعب الأردني لم يسمعوا به ولا يعرفون أين يقع، وهذه صورة أخرى من أوجه التقصير لدى وزارة السياحة والآثار.