ديوان المحاسبة بين فائض الصلاحيات ونقصها

مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/12 الساعة 10:19
بقلم المهندس عادل بصبوص استقطب تقرير ديوان المحاسبة للعام 2018 كما في السنة الماضية اهتماماً واسعاً من كافة الأوساط ، وغدا حديث الساعة ومادة دسمة للمقالات والتحليلات، ليس بسبب إختلاف المحتوى والمضمون عن تقارير السنوات السابقة، وإنما بسبب المبادرة بنشر وتعميم مضمون التقرير في زمن انتشار وسطوة وسائل التواصل الإجتماعي إضافة إلى الجدية غير المسبوقة التي أولتها الحكومة لمتابعة ملاحظات وتوصيات التقرير، مما استنفر غالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تناولها التقرير للتبرؤ من الملاحظات التي أوردها التقرير أو للرد عليها أو تفنيدها أو التأكيد بأن هذه الملاحظات قد تمت تسويتها بعيد استلامها من الديوان.
تباينت تقييمات المحللين للملاحظات التي أوردها التقرير وخاصة ذات الأثر المالي المباشر على الخزينة سواء ما تعلق بالهدر أو التنفع الشخصي، فمن قائل أن هذه الملاحظات تعكس درجة إنتشار وتفشي الفساد وغياب الرقابة في المعاملات الحكومية، متناسين أن هذه الملاحظات ما كانت لتظهر ويتم اكتشافها لولا وجود مثل هذه الرقابة، إلى قائل إلى أن مثل هذه الملاحظات وإن بدت كبيرة العدد لا تشكل سوى نسبة بسيطة من عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من المعاملات الحكومية التي يتم تنفيذها سنوياً، إضافة إلى أن بعض هذه الملاحظات تعكس وجهة نظر أحادية للديوان في مسألة تحتمل قدراً معيناً من الإجتهاد ولا تعني بالضرورة وجود مخالفة للأنظمة والتعليمات.
يلفت الإنتباه وسط التحليلات والتقييمات المختلفة الأصوات التي ارتفعت مطالبة بزيادة الصلاحيات الممنوحة لديوان المحاسبة كمؤسسة وكوادر سبيلاً للحد من حجم ومقدار المخالفات التي يتم تسجيلها سنوياً في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ونرى أن ذلك يعكس جهلاً أو تجاهلاً لحجم النفوذ وطبيعة الدور الذي يقوم به مندوبو الديوان في الدوائر الحكومية والذي يتجاوز في بعض الحالات دور المراقب إلى دور الشريك لدرجة أن بعض المسؤولين ومن مستويات إدارية مختلفة لا يتردد بالقيام بصورة مباشرة أو غير مباشرة في استمزاج مندوب الديوان قبل الشروع في إتخاذ أو تنفيذ بعض القرارات أو الإجراءات ذات الأثر المالي ، لا بل أن مسؤولين كثر يلجأون إلى تبني البدائل "الأسلم" ويبتعدون عن الإجتهاد قدر الإمكان خشية أن يترتب على ذلك مخالفة يتم تضمينها في تقرير الديوان السنوي الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، في حقبة أصبح فيها عدم ورود إسم الوزارة أو المؤسسة أو الدائرة الحكومية في تقرير ديوان المحاسبة هو غاية المراد من رب العباد، وليس درجة إنجاز أو تحقيق الأهداف المرسومة لهذه الوزارة أو المؤسسة أو الدائرة.....
إن أهمية وجود ديوان المحاسبة لا تقتصر على دوره في اكتشاف المخالفات فقط، وإنما في الحيلولة دون وقوع مخالفات أكثر عددا وأكبر حجماً كانت سترتكب لو لم يكن الديوان موجوداً، كما أن منهجية عمل ديوان المحاسبة الحالية مناسبة تماماً والتي تتمثل في الإبتعاد قدر الإمكان عن المشاركة في صنع القرارات أو تنفيذ الإجراءات والتي تَوَّجَها إنتقال الديوان من أسلوب التدقيق المسبق إلى التدقيق اللاحق، وإن منح الديوان ومندوبيه لدى الوزارات والدوائر الحكومية مزيداً من الصلاحيات سيؤدي إلى تغول لا مبرر له وتداخل في الأدوار، وسيؤدي إلى تباطؤ في الإنجاز وإلى المس بصلاحيات واستقلالية أصحاب القرارات والتي بدونها لا يجوز أصلاً محاسبتهم أو مسائلتهم عن القرارات والإجراءات التي يتخذونها.
إن الاستمرار في نهج الشفافية المتمثل في نشر مضمون تقارير ديوان المحاسبة إضافة إلى الجدية والسرعة في متابعة تصويب ملاحظات الديوان، هي الضمان الأمثل لتحسين الأداء الحكومي وخاصة ما يتعلق بالجانب المالي وهو الأكثر حساسية وتأثيراً من بين الجوانب المختلفة التي تغطيها تقارير الديوان، ويجدر بالحكومة تعزيزا للجدية والمصداقية في هذا المجال أن تصدر تقرير متابعة عن الإجراءات التي تم اتخاذها فعلاً على أرض الواقع بخصوص ملاحظات تقرير ديوان المحاسبة عن عام 2017، وقد مر عام كامل على نشره وعلى تشكيل لجنة رفيعة المستوى لمتابعة تنفيذ ما ورد فيه.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/12 الساعة 10:19