«سيدة البحر».. سحر الواقعية والخيال

مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/11 الساعة 09:18
مدار الساعة - قصة غريبة التفاصيل، في إطارها العام تبدو وكأنها ولدت من رحم الأساطير والخرافات الشعبية، يطل بها فيلم «سيدة البحر» للمخرجة السعودية شهد أمين، التي تأخذنا فيه على جناحي الخيال، لنحط في مكان ما، ونعيش في زمن ما، نعاين عادات وطقوس قرية صغيرة تعتاش على ملوحة البحر، ولضمان حصولها على خيره، تعودت أن تقدم بناتها قرابين له، كلما اكتمل القمر. في «سيدة البحر» ترسم شهد أمين ملامح عالمها، وتتماهى معه، تمد نفسها جسراً بين الحياة والسينما، وتمضي بنا نحو سحر الواقعية الممزوج بالخيال، تقدم حكاية تجربتها الروائية الطويلة الأولى، بصورة جردت من الألوان، سوى الأبيض والأسود، لتتيح لنا إمكانية الغوص في تفاصيل تلك القرية وزمانها، وطبيعة تفكيرها، فيما تحكي لنا بشكل ضمني عن قضايا المرأة المسلوبة الإرادة والحق في كل شيء، ما يجعل من مشاهدة الفيلم أمراً غير هين، كون مخرجته تستند فيه إلى واقع غريب، مستوحى من الخرافات، التي تتخذ منها وسيلة لإسقاط رسالتها على الواقع المعاصر. في الفيلم، تستوقفنا «حياة» تلك المتمردة على كل شيء في قريتها، منذ اللحظة التي رأت فيها النور، وهي التي استطاعت قلب موازين القرية، بعد أن نجت من «فم البحر» مرتين، لتعيش مع عائلتها في حالة «نبذ» عام من أهل القرية، الذين اعتبروها «حالة استثنائية»، تشير إلى ضعف والدها وعائلتها. «سيدة البحر» فيلم شديد الغموض، ومعقد في تفاصيله المثيرة، وهو ما خدم السرد العام الذي جنحت فيه شهد إلى استخدام لهجة عربية «هجينة»، وهي محاولة «جيدة» لإنقاذ الفيلم من أن يحسب على بلد معين. تلك اللهجة بدت أيضاً أمراً مثيراً، وكأن لسان حالها يقول «إن القيود التي تغلل المرأة لا تقتصر فقط على هذه القرية، وإنما يتسع نطاقها كثيراً، لتشمل مناطق أخرى». اختيار شهد في محاولتها التعبير عن أهدافها، لأسلوب رمزي، وصور مجازية، مصاغة بالواقعية السحرية، شكل حلاً مثالياً مكنها من طرق أبواب قضايا معاصرة كثيرة، أحداثها موجودة في الواقع المعاش، فهي حاولت قدر الإمكان أن تعبر عن المرأة وكيانها، وأن تلقي الضوء على صراعاتها ومعاناتها في العديد من مجتمعات الدنيا. شهد أمين، صاحبة الفيلم القصير «عين وحورية» (2013)، بدت في فيلمها وقد فتحت صندوقاً مهجوراً، يضم بداخله تشكيلة من أساطير الجزيرة العربية، وقصصاً تتبع تراث الصيد، لتتخذ منها مساراً لتروي قصتها الخاصة، التي تميزت فيها «حياة» (الممثلة بسيمة حجار)، فيما ذهبت شهد في أسلوبها الإخراجي إلى التركيز على ملامح الوجوه، التي أسهمت برواية بعضٍ من التفاصيل الصامتة في الحكاية، وهو ما زاد من سحر العمل، الذي امتاز أيضاً بكوادره الواسعة، التي تكشف لنا عن الطبيعة العارية وشبه الصامتة.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/11 الساعة 09:18