أهمية التصدي لـ«الرهاب» الروسي
د. حسام العتوم
إنها صيحة استمعت لها في (موسكو) العاصمة العام المنصرم 2016 من وسط مؤتمر صندوق «عالم روسيا « إلى جانب مشاركين من معظم دول العالم , اطلق شراراتها القائمون على (الصندوق) العالمية هذه البروفيسور نيكانوف والبروفسور فيربيتسكايا، وانتشرت بعد ذلك لتجتاح أركان العالم، وحرّكت هنا في عمان أنديتنا الناطقة بالروسية مثل: «أبن سينا»، و «الاطباء» و»الصداقة»، و «السيدات» و»الشبيبة» و»عالم روسيا» وبالتعاون مع مركز العلوم والثقافة الروسي، والسفارة الروسية بطبيعة الحال، وبدأت التواقيع المناهضة , أي للرّهاب (الخوف) الروسي تجمع على أمل أن تشمل وتنسحب على غير الدارسين في الفدرالية الروسية والاتحاد السوفيتيي السابق أيضاً، حتى تصل إلى ملايين التواقيع وسط الأردنيين، والعرب وصولاً لنتيجة حميدة تحدث إنارة وسط ظلامية العصر، والإشاعات الإعلامية المُظلمة التي تضرب منطقتنا الشرق أوسطية.
وسبق لصندوق «عالم روسيا» هذا وتحديداً عام 2010 أن أطلق العنان لصحيةٍ اخرى مبكراً من مدينة (سوتشي) الروسية المطلة على البحر الأسود في الجنوب، عنوانها «العالم سينطق بالروسية»، وإذا ما ربطنا الصيحتين الأولى والثانية ببعضهما نستطيع أن نلتقط إشارة المعنى من أن يقف خريجو روسيا والاتحاد السوفيتي المنحل والجمعيات والأندية المرتبطة بعمله في وجه زوابع الهجمات الإعلامية والدعائية السوداء ضد حراك (موسكو) وبرامجها: السياسة، والاقتصادية، والثقافية الحميدة وحضورها الهام العالمي أيضاً. وفي المقابل لم يشهد تاريخ الحربين العالميتين الأولى (1914- 1918) والثانية (العظمى) (1939/ 1945) مشاحنات بين روسيا وأمريكا، بل حرباً واحدة، وخندقاً واحداً، ضد الدول والجهات المهاجمة ومنها اليابان والمانيا ادولف هتلر، وتم معاقبتهما بقوة كما يجب العقاب مع اختلافي هنا مع حادثة ضرب امريكا المؤسفة لمدينتي «هوروشيما» وناكازاكي» اليابانيتين بأول قنبلة نووية ساحقة وقتها، بهدف اجبار (طوكيو) على إيقاف الحرب.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بدحر نازية هتلر بجهد الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا، وبمشاركة أمريكا أيضاً إلى جانب أوروبا الغربية (فرنسا وإنجلترا)، وقدموا قافلة من القتلى كان معظمهم من الروس والسوفييت وبحجم 27 مليون قتيلاً، فيما قدمت أمريكا منفردة والتي جاء دورها في الحرب متأخراً حوالي نصف مليون قتيل، أصبح الإتحاد السوفيتي قوة صاعدة رغم امتلاك امريكا للسلاح النووي قبله فيما امتلكها هو عام 1958 الأمر الذي رفع فيه وتيرة التصدي لحرب باردة علنية من قبل أمريكا التي لم تقبل ولا زالت حتى يومنا هذا بأن تزاحمها دولة آخرى على خارطة العالم، والشيء نفسه شكل هاجساً لدى السوفييت الذين بدأوا حينها وإلى الأمام برفض أي تفوق عسكري عالمي عليهم.
وتقدم السوفييت قبل هذا التاريخ أي عام 1957 على أمريكا بصناعة وإطلاق القمر الصناعي SPUTNIK 1، وسجل رائد الفضاء غاغارين سابقة في التاريخ بدورانه حول الأرض عام 1961، وتمكن في المقابل رائد الفضاء الأمريكي أرمسترونغ عام 1969 من الهبوط على ظهر القمر إن صح القول، وتسارع سباق التسليح بين السوفييت والأمر كان في مجال القنابل النووية الانشطارية الخطيرة، وكل هذا انعكس على حياة المواطنين السوفيت وعلى بنيتهم التحتية التي لازالت آثارها ماثلة إلى يومنا هذا رغم اختلاط البناء الحديث بالقديم، وسباق شديد بين السوفييت والأميركان انسحب على الأبحاث الخاصة بدراسة السلوك البشري في الفترة الزمنية (1917- 2003)، ومشروع مستقبلي روسي عسكري تطويري جاء على لسان وزير الدفاع السابق سيرديكوف يمتد حتى عام 2020 يتضمن أسلحة الطاقة الموجهة، والجيوفيزائية، والإلكترو نفسية.
وألفت الانتباه هنا أيضاً لاستباق الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا تشكيل حلف الناتو NATO العسكري عام 1949، تبعها الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشرقية الأوروبية عام 1955، بتأسيس حلف (وارسو) العسكري، في المقابل، وكل ما سبق ذكره أسهم مباشرة بصياغة رأي عام سلبي في موضوع (الرهاب الروسي) RUSSA PHOBIA، ولم يتأثر الاقتصاد الأمريكي كثيراً رغم الأزمات التي مر بها كونه اعتمد ولازال على اقتصادات وأزمات العالم الخارجي. فيما تأثر الاقتصاد السوفييتي بشكل ملاحظ لاعتماده على ذاته، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 تم حل حلف (وارسو) العسكري؛ لتتمكن روسيا بما تمتلك من جيش وبحرية وترسانة نووية عملاقة عسكرية من إحداث توازن عسكري مع أمريكا وحلفها العسكري (الناتو)، ولم تشكل أي تحالفات عسكرتارية ودعت لإنهاء الحرب الباردة، وسباق التسلح، ولعالم متعدد الأقطاب، ولفتح حوار دائم مع واشنطن على قاعدة الندّ للندّ.
وبعد إغلاق السوفييت لملف أفغانستان عام 1979 في أتون الحرب الباردة السابقة لم يَعُد الروس إليها من جديد، ولم يكرروا مشهدها في سورية لاحقاً، ومع هذا لاحقهم شبح الارهاب الروسي وسبق للسوفييت أن دخلوا العراق من البوابة الدبلوماسية والاقتصادية ومنها العسكرية بهدف إحداث توازن مع الغرب الداعم لإيران الفارسية، ولإخراجه من مأزقه مع حلف (الناتو) بقيادة أمريكا، وتم مماحكتهم لإبقائهم خارج مشاريع إعادة البناء في وقت متقدم، وراقبت روسيا الحدث التونسي والمصري والليبي واليمني وسط حراك الربيع العربي، وتحوله إلى إرهاب أسود، وتمسكت بخيار قرار الشعوب العربية وبعدم المساس حتى بالأنظمة الجمهورية الحاكمة التي تهاوت لاحقاً وفق معادلة أشبه (بالدومينو) لأسباب ذات علاقة بالفساد، وبالالتصاق بالملكورية الوراثية.
ومع دخول روسيا حلبة الصراع على السلطة في دمشق، ارتفعت شعلة نيرانه عام 2010 في مدينة (درعا) المحاذية لحدودنا الأردنية في الشمال، والواقعة في الجنوب السوري، وانتشرت بسرعة وسط المدن السورية تباعاً، بسبب تقديم الحلول الامنية والعسكرية على السياسية، حيث تشكلت اول نواة للمعارضة الوطنية وتحولت بسرعة البرق إلى مسلحة تنادي بالجلوس على كرسي الحكم بالكامل، ولعدم الاشتراك في السلطة فقط، ومن بوابات الفساد الحدودية كافة، وبمساعدة فساد الداخل، دخل الإرهاب القادم من (أفغانستان والعراق، ومن القفقاس، ومن أفريقيا، وحتى من تم تجنيده من روسيا نفسها، ومن افريقيا تجاه الداخل السوري، وبتعداد طري وصل إلى بضعة ألاف من المقاتلين، بحثاً عن السلطة في دمشق أيضاً. تحت مظلة سوداء لتنظيم (القاعدة) الأم الإرهابي، ولنشاط فروعه المجرمة والتي على رأسها عصابتي (داعش)، و(النصرة)، وغيرهم من التسميات المسخة، فجاء الدور الروسي منقذاً لدمشق وللمنطقة الشرق أوسطية ومنها العربية برمتها فووجه بحملة إعلامية اتصالية منظمة سوداء، عجّت بالإشاعات المغرضة غير المستندة على الحقائق والأدلة الدامغة، أو حتى على لجنة تقصي حقائق دولية، عادلة نزيهة، وهو الأمر الذي تحدث عنه مندوب روسيا في الأمم المتحدة مراراً (اناتولي جوركين، وهدف حينها ومع تقادم الزمن إلى نشر ما يسميه الروس أنفسهم بـ (الرّهاب الروسي)، وإلى تشويه صورتها وسط العرب، رغم دقة عمل (موسكو) في العسكرة وفي السياسة على حد سواء، وتنبهم لأهمية عدم المساس بحياة المواطنين السوريين، وإعطاء الأوامر حتى لسلاح جوهم الحربي بالعودة إلى روسيا حالة رصدهم لتجمعات سكانية، وهو ما أكده أحد قادتهم العسكريين الميدانيين رودسكوي، وملف من الجهود الروسية الملاحظة في الشأن السوري تحديداً، لا ترغب جهات عديدة مناهضة لروسيا بسماعه، مثل: حجم المساعدات الإنسانية وبآلاف الاطنان للمواطن السوري، وإقامة مقرات داخل روسيا لأطفال وشباب سوريا بهدف رعايتهم، وإبعادهم عن مأساة الحرب الداخلية ونيرانها في زمن اندلاعها.
وسعيرها، وقدرة روسيا على التعاون مع أمريكا والأمم المتحدة ومجلس الأمن لتفكيك، ومنع استخدام سوريا للسلاح الكيماوي، والمساهمة في إصدار القرار 2018 الخاص بذلك من داخل قبة مجلس الأمن، والجولات الروسية السياسية والدبلوماسية انطلاقاً من جنيف عبر الاستانا والعودة لجنيف، متابعة عالمياً ونجحت في ردم الفجوة بين النظام السوري، والمعارضة الوطنية، ولجمت حراك الإرهاب، ومع هذا وذاك أصابت المراقبين بفوبيا من هول الإبداع الروسي والقدرة على التمسك بأوراق الأمم المتحدة، ومجلس الأمن.
ولم تدخل روسيا إلى العراق بعد احتلاله من قبل (الناتو) وإيران من دون دعوة، كما فعلت في سورية، واقتراب ليبي سياسي من (موسكو) ممثلاً بحكومة الوفاق الوطني وبجماعة إعلان طبرق واللواء خليفة حفتر بهدف استقطاب وساطة روسية وسط الأقطاب المتصارعة على السلطة في طرابلس. وفي الأزمة اليمينية قدمت روسيا استعراضاً مختلفاً عن أمريكا، فهي لم تغزه من الخارج، بل راقبت حراكه من الداخل وساندت خيار الشعب اليمني نفسه، ولم تفرض رأياً عليه وسبق لمخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أن دعا أطراف النزاع اليمني كافة العودة إلى طاولة المفاوضات، ودعا علي عبد الله صالح الرئيس اليمني المخلوع روسيا لعون اليمن في مواجهة الإرهاب، ولم تتدخل (موسكو) في شأن المجلس السياسي الحوثي المشكل حتى لا تصطدم مع حليفها الاستراتيجي إيران، وكان لروسيا دوراً قيادياً في الاتفاق الإيراني النووي العسكري (5+1)، وعلاقات نووية سلمية وأخرى عسكرية صاروخية بالستيه معروفة لم تقلب ميزان القوة مع (إسرائيل) الدولة النووية على مستوى الترسانة العسكرية في المقابل، ومع ذلك، ليست بمستوى الهبوط الأمريكي، ولا تتفق مع احتلالاتها لأراضي العرب، ولا مع استمرارها الاستيطاني وسجلت موقفاً مشهوداً في مجلس الأمن إلى جانب 13 دولة عالمية بهدف تجميد الاستيطان الاسرائيلي غير الشرعي على أرض فلسطين 23/ديسمبر/ 2016، وتطالب كما العرب بحل الدولتين وبقيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشرقية وعلى حدود الرابع من حزيران كاملة السيادة.
وفي عام 2008 واجهت روسيا هجوما عسكرياً من طرف جورجيا (سااكلشفيله) المدعومة أمريكا على جنوب أوسيتيا الموالية لروسيا، وسط حرب إعلامية شرسة انتهت بانتصار (موسكو)، وظهر بعدها الرئيس الجورجي (سااكاشفيله) يعمل رئيساً لبلدية أوديسا في أوكرانيا، ووجدت روسيا نفسها تقابل اوكرانيا وجهاً لوجه بعد الانقلاب البنديري المتطرف فيها عام 2014 والذي دفع بوزير الخارجية والاقتصاد السابق بترو بارا شينكا إلى سدة الحكم في كييف، ووجه بوصلة بلاده تجاه الغرب، و(الناتو) وتوقف القتال غير المشروع وغير الاخلاقي، وسحب لإقليم (القرم/الكريم) حيث «الأسطول الروسي النووي الأسود» من جزئية التاريخ الأوكراني وإعادته للسيادة الروسية التاريخية، بقوة القانون فقط رغم الإشاعات الإعلامية المغرضة من طرف كييف.
وزيارة رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين لليابان الأخيرة بتاريخ 15/ 12/ 2016 ذات العلاقة بملف (جزر الكوريل) العالق من دون حل جذري حسب وجهة النظر اليابانية، فقد أجابت الزيارة بذكاء وحنكة سياسية عن هواجس اليابان.
وسيناريو الحرب الباردة السابقة تكرر من وسط الكوريتين الشمالية والجنوبية وبانقسام الولاء إلى ما هو سوفييتي روسي، وإلى ما هو أمريكي، أسهم هذا التوجه حتى في وقتنا المعاصر في تشكيل الفوبيا –الروسية. وأخيراً ستبقى روسيا المعاصرة تتحرك من وسط مصالحها القومية العليا، ومن زاوية توازنها العسكري النووي مع أمريكا.
الرأي