أحلام المغرب بالعظمة تصطدم بمعايير اليونسكو
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/05 الساعة 08:16
مدار الساعة - تحلم الرباط المغربية بالعظمة، فهي تعج بالمتاحف، ولديها مسرح هائل، ومحطات قطار جديدة، والبرج الأعلى في أفريقيا، وجسور مبهرة، إضافة إلى طرق دائرية، ولكن تلك الاحلام تصطدم بمعايير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "يونسكو".
ويبدو أن السلطات المغربية لم تأخذ بعين الاعتبار، أن اعلان المدينة العتيقة للرباط تراثاً عالمياً للإنسانية في 2012، يفرض عليها بعض الواجبات، مثل إبلاغ المنظمة الأممية مسبقاً بالمشاريع العملاقة التي تخطط لتنفيذها في المدينة، العاصمة للثقافة.
وكانت الحكومة المغربية قد تلقت خطاباً في يوليو (تموز) الماضي من لجنة التراث العالمي، عبرت فيه، وبلهجة قاسية على غير المعتاد، عن "الأسف الشديد لأن البرنامج الضخم والمشاريع الفردية التي يشتمل عليها، لم تخضع للفحص" بشكل مسبق، من جانب المنظمة، في إشارة لمشاريع التأهيل الحضري التي تنفذها الحكومة المغربية.
وأمهلت المنظمة الأممية الحكومة المغربية إلى فبراير (شباط) المقبل، لإعداد "دراسة عن مدى تأثير" مشاريعها، مع التركيز بشكل خاص على التأثير البصري والمناظر الطبيعية التي تمثلها المشاريع.
وسقطت الرسالة كما لو كانت قنبلة على مسامع السلطات العليا، حسبما ذكر العديد من الخبراء الذين علموا بالأمر وطلبوا حجب هوياتهم.
برج محمد السادس.. سبب الخلاف
هناك مشروعان أطلقا صافرات الإنذار في اليونسكو، هما برج محمد السادس، وتوسيع محطة قطار الرباط المدينة، الذين اتخذت قرارات تنفيذهما دون تواصل مسبق مع المنظمة الدولية.
ويعد البرج المشروع الأكثر طموحاً، ومن المنتظر أن يصل ارتفاعه إلى 250 متراً، وأن يصبح الأعلى في أفريقيا، وسيقام على ضفاف نهر أبي رقراق، التي لم تقم فيها على الإطلاق بنايات يزيد ارتفاعها عن ثلاثة طوابق.
ورغم دفاع جميع المهندسين المعماريين تقريباً الذين استشارتهم إفي، عن المشروع، فإن اليونسكو تعترض على "التأثير البصري السلبي الشديد" الذي قد يمثله مشروع البرج "على القيمة العالمية الاستثنائية" للوادي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعترض فيها اليونسكو على إقامة برج تعتبره "عدائيا" بمعاييرها، فقد فعلت ذلك في محطة فيينا الرئيسية، وفي سان بطرسبرغ، مع برج أوختا، وفي إشبيلية مع برج بيلي، وكانت روسيا الدولة الوحيدة التي وافقت على تحريك موقع البرج بضعة كيلومترات.
أما بالنسبة للرباط، فقد بدأ العمل في بناء البرج بالفعل، ووضعت أعمدة الأساس، بعد الانتهاء من تأسيس القاعدة، وبات استكمال بنائه على ضفاف النهر مسألة أشهر، وفقا لما أعلنه أخيراً المصمم المعماري الإسباني، رافائيل دي لا أوث.
ودافعت السلطات المغربية عن موقفها من المشروع، مؤكدة أن البرج خارج "المنطقة المحمية" المصنفة من التراث العالمي لليونسكو، والمحددة بالنهر، إذ يقع بالضبط على ضفاف أبي رقراق.
وعلى أي حال، يعتبر الجميع أن من شبه المستحيل إدخال تعديلات على برج سيتحول إلى رمز لحكم الملك محمد السادس، خاصةً لأنه سيحمل أسمه، بل وتزيد الصعوبة في ظل ما قد يبدو ضغطاً خارجياً على بلد مثل المغرب، حساس للغاية من "التدخلات".
مركز تجاري يثير الانتقاد
وتمثل أعمال توسعة محطة القطار في الرباط مسألة أخرى، إذ تشكل جزأ من "المدينة الجديدة" التي انشأها المستعمرون الفرنسيون بداية من 1912 وخلال 30 عاماً فقط، لمن كان يطلق عليهم في ذلك الوقت "السكان الأوروبيون".
وتلك المحطة الصغيرة، بقضبانها الدفينة، التي حافظت على وجودها طوال نحو قرن من الزمان، مثلها في ذلك مثل الطريق التي تقع فيه، لم يحدث تغيير يذكر، وهو ما أعتبرته اليونسكو استثنائياً عند تصنيف الرباط ضمن مواقع "التراث العالمي".
وضمن الخطط الطموحة للرباط، والتي تملأ المدينة بالمباني الجديدة، تنفذ الحكومة مشروع إنشاء مركز تجاري ضخم من الزجاج والصلب خلف المحطة، وبجوار أسوار المدينة التاريخية التي تعود لعهد الدولة الموحدية، والمقامة من الطوب اللبن.
وإذا كان المركز التجاري أكبر بأربع مرات من المحطة نفسها، فسيشمل مشروع التوسعة أيضاً سقفاً خارجياً ضخماً على شكل صندوق من شأنه "ابتلاع" مبنى المحطة الأصلي.
وتوضح اليونسكو في رسالتها للحكومة "من المؤسف تعذر القيام بتعديلات طفيفة،على مشروع المحطة للتخفيف من آثارها على أسوار المدينة".
وانتهى بالفعل المركز التجاري في هيكله، أما السقف فبنيت منه خمسة أعمدة ضخمة، ولكن يفترض أنه لايزال هناك وقت لوقف أعمال هذا الجزء من المشروع، وهو الجزء الأكثر خطورة.
إحياء التراث
وتشير "جمعية ذاكرة الرباط، سلا"، أول جمعية في العاصمة المغربية لحماية التراث، إلى أنها تؤيد "خلق نشاط حضري" حول التراث، وبهذا المفهوم فهى لا تعارض إنشاء مركز التسوق بالقرب من المحطة.
كما أنها لا تعارض "إقامة" مبانٍ معاصرة في الأماكن التاريخية، لكن مؤسسها، فكري بن عبد الله، يؤكد أنه يرى أن في المشروع الحالي "مشكلة في الحجم تعطيه شكل متطفل" على المحطة، مؤكداً أنه يعبر بذلك عن رأيه الشخصي.
وقليلون هم أولئك الذين يدافعون اليوم في الرباط، من الناحية الجمالية، عن هذا التحول الكبير للمحطة، والذي سيغير مظهر وسط المدينة بأكمله، في حين أن القيمة المعمارية للرباط تكمن في الحفاظ عليها بشكل استنائي، لأن المشروع "أحد أكثر المشاريع الحضرية اتساعاً وطموحاً التي تنفذ في إفريقيا في القرن العشرين" وفق يونسكو.
وتجدر الإشارة إلى أن بن عبد الله ليس من المدافعين عن المركز التجاري في شكله الحالي، لكنه يأسف لأن "البرج يدفع ثمن مشكلة المحطة".
وهناك من يرى فرصة لحل وسط بين مشروع وآخر، بما يحقق مكاسب لجميع الأطراف.
مشاريع رائعة
لكن على كل حال، هذان المثالان يرويان قصة مدينة يبدو أنها تمر بـ"أزمة نمو"، لقد كانت الرباط طوال تاريخها مدينة صغيرة مقارنةً مع الدار البيضاء، أو فاس، أو مراكش، حتى وصل محمد السادس إلى العرش، وأصر على تغيير وجه الرباط، وتحويلها إلى مدينة ثقافية، بعد أن منحها مرسى على مصب النهر، ومشروع ترام حديث أصبح يمثل كبرياء العاصمة.
وتدريجياً، أصبحت شوارع الرباط تضج بالمتاحف، للفن المعصر أوالآثار، وبعضها انتهى بناؤه بالفعل، والبعض الآخر قيد الإنشاء، فضلاً عن مشروع "موسيقى وعلوم طبيعية وحرف يدوية وصيد".
وسيضاف إليها بعد أشهر قليلة، مسرح الرباط الكبير، الذي صممته المعمارية العراقية البريطانية الراحلة زها حديد، والذي يمثل في خطوطه المقببة ثورة في شكل الرباط.
ولكن المسرح ، بمقاعده الـ1800 ومساحته الهائلة التي يجب تنظيفها وإضاءتها يومياً، يثير العديد من الأسئلة التي يطرحها الجميع اليوم في الرباط: هل سيكون هناك جمهور لملء هذا المسرح بشكل يومي، أو أسبوعي؟، وهل سيكون هناك جمهور لملء جميع المتاحف التي ستبنى قريباً؟ ومن سيدفع الفواتير مشاريع بهذا الحجم؟ وهل تحلم الرباط بأحلام يصعب تحقيقها؟.
ويبدو أن السلطات المغربية لم تأخذ بعين الاعتبار، أن اعلان المدينة العتيقة للرباط تراثاً عالمياً للإنسانية في 2012، يفرض عليها بعض الواجبات، مثل إبلاغ المنظمة الأممية مسبقاً بالمشاريع العملاقة التي تخطط لتنفيذها في المدينة، العاصمة للثقافة.
وكانت الحكومة المغربية قد تلقت خطاباً في يوليو (تموز) الماضي من لجنة التراث العالمي، عبرت فيه، وبلهجة قاسية على غير المعتاد، عن "الأسف الشديد لأن البرنامج الضخم والمشاريع الفردية التي يشتمل عليها، لم تخضع للفحص" بشكل مسبق، من جانب المنظمة، في إشارة لمشاريع التأهيل الحضري التي تنفذها الحكومة المغربية.
وأمهلت المنظمة الأممية الحكومة المغربية إلى فبراير (شباط) المقبل، لإعداد "دراسة عن مدى تأثير" مشاريعها، مع التركيز بشكل خاص على التأثير البصري والمناظر الطبيعية التي تمثلها المشاريع.
وسقطت الرسالة كما لو كانت قنبلة على مسامع السلطات العليا، حسبما ذكر العديد من الخبراء الذين علموا بالأمر وطلبوا حجب هوياتهم.
برج محمد السادس.. سبب الخلاف
هناك مشروعان أطلقا صافرات الإنذار في اليونسكو، هما برج محمد السادس، وتوسيع محطة قطار الرباط المدينة، الذين اتخذت قرارات تنفيذهما دون تواصل مسبق مع المنظمة الدولية.
ويعد البرج المشروع الأكثر طموحاً، ومن المنتظر أن يصل ارتفاعه إلى 250 متراً، وأن يصبح الأعلى في أفريقيا، وسيقام على ضفاف نهر أبي رقراق، التي لم تقم فيها على الإطلاق بنايات يزيد ارتفاعها عن ثلاثة طوابق.
ورغم دفاع جميع المهندسين المعماريين تقريباً الذين استشارتهم إفي، عن المشروع، فإن اليونسكو تعترض على "التأثير البصري السلبي الشديد" الذي قد يمثله مشروع البرج "على القيمة العالمية الاستثنائية" للوادي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعترض فيها اليونسكو على إقامة برج تعتبره "عدائيا" بمعاييرها، فقد فعلت ذلك في محطة فيينا الرئيسية، وفي سان بطرسبرغ، مع برج أوختا، وفي إشبيلية مع برج بيلي، وكانت روسيا الدولة الوحيدة التي وافقت على تحريك موقع البرج بضعة كيلومترات.
أما بالنسبة للرباط، فقد بدأ العمل في بناء البرج بالفعل، ووضعت أعمدة الأساس، بعد الانتهاء من تأسيس القاعدة، وبات استكمال بنائه على ضفاف النهر مسألة أشهر، وفقا لما أعلنه أخيراً المصمم المعماري الإسباني، رافائيل دي لا أوث.
ودافعت السلطات المغربية عن موقفها من المشروع، مؤكدة أن البرج خارج "المنطقة المحمية" المصنفة من التراث العالمي لليونسكو، والمحددة بالنهر، إذ يقع بالضبط على ضفاف أبي رقراق.
وعلى أي حال، يعتبر الجميع أن من شبه المستحيل إدخال تعديلات على برج سيتحول إلى رمز لحكم الملك محمد السادس، خاصةً لأنه سيحمل أسمه، بل وتزيد الصعوبة في ظل ما قد يبدو ضغطاً خارجياً على بلد مثل المغرب، حساس للغاية من "التدخلات".
مركز تجاري يثير الانتقاد
وتمثل أعمال توسعة محطة القطار في الرباط مسألة أخرى، إذ تشكل جزأ من "المدينة الجديدة" التي انشأها المستعمرون الفرنسيون بداية من 1912 وخلال 30 عاماً فقط، لمن كان يطلق عليهم في ذلك الوقت "السكان الأوروبيون".
وتلك المحطة الصغيرة، بقضبانها الدفينة، التي حافظت على وجودها طوال نحو قرن من الزمان، مثلها في ذلك مثل الطريق التي تقع فيه، لم يحدث تغيير يذكر، وهو ما أعتبرته اليونسكو استثنائياً عند تصنيف الرباط ضمن مواقع "التراث العالمي".
وضمن الخطط الطموحة للرباط، والتي تملأ المدينة بالمباني الجديدة، تنفذ الحكومة مشروع إنشاء مركز تجاري ضخم من الزجاج والصلب خلف المحطة، وبجوار أسوار المدينة التاريخية التي تعود لعهد الدولة الموحدية، والمقامة من الطوب اللبن.
وإذا كان المركز التجاري أكبر بأربع مرات من المحطة نفسها، فسيشمل مشروع التوسعة أيضاً سقفاً خارجياً ضخماً على شكل صندوق من شأنه "ابتلاع" مبنى المحطة الأصلي.
وتوضح اليونسكو في رسالتها للحكومة "من المؤسف تعذر القيام بتعديلات طفيفة،على مشروع المحطة للتخفيف من آثارها على أسوار المدينة".
وانتهى بالفعل المركز التجاري في هيكله، أما السقف فبنيت منه خمسة أعمدة ضخمة، ولكن يفترض أنه لايزال هناك وقت لوقف أعمال هذا الجزء من المشروع، وهو الجزء الأكثر خطورة.
إحياء التراث
وتشير "جمعية ذاكرة الرباط، سلا"، أول جمعية في العاصمة المغربية لحماية التراث، إلى أنها تؤيد "خلق نشاط حضري" حول التراث، وبهذا المفهوم فهى لا تعارض إنشاء مركز التسوق بالقرب من المحطة.
كما أنها لا تعارض "إقامة" مبانٍ معاصرة في الأماكن التاريخية، لكن مؤسسها، فكري بن عبد الله، يؤكد أنه يرى أن في المشروع الحالي "مشكلة في الحجم تعطيه شكل متطفل" على المحطة، مؤكداً أنه يعبر بذلك عن رأيه الشخصي.
وقليلون هم أولئك الذين يدافعون اليوم في الرباط، من الناحية الجمالية، عن هذا التحول الكبير للمحطة، والذي سيغير مظهر وسط المدينة بأكمله، في حين أن القيمة المعمارية للرباط تكمن في الحفاظ عليها بشكل استنائي، لأن المشروع "أحد أكثر المشاريع الحضرية اتساعاً وطموحاً التي تنفذ في إفريقيا في القرن العشرين" وفق يونسكو.
وتجدر الإشارة إلى أن بن عبد الله ليس من المدافعين عن المركز التجاري في شكله الحالي، لكنه يأسف لأن "البرج يدفع ثمن مشكلة المحطة".
وهناك من يرى فرصة لحل وسط بين مشروع وآخر، بما يحقق مكاسب لجميع الأطراف.
مشاريع رائعة
لكن على كل حال، هذان المثالان يرويان قصة مدينة يبدو أنها تمر بـ"أزمة نمو"، لقد كانت الرباط طوال تاريخها مدينة صغيرة مقارنةً مع الدار البيضاء، أو فاس، أو مراكش، حتى وصل محمد السادس إلى العرش، وأصر على تغيير وجه الرباط، وتحويلها إلى مدينة ثقافية، بعد أن منحها مرسى على مصب النهر، ومشروع ترام حديث أصبح يمثل كبرياء العاصمة.
وتدريجياً، أصبحت شوارع الرباط تضج بالمتاحف، للفن المعصر أوالآثار، وبعضها انتهى بناؤه بالفعل، والبعض الآخر قيد الإنشاء، فضلاً عن مشروع "موسيقى وعلوم طبيعية وحرف يدوية وصيد".
وسيضاف إليها بعد أشهر قليلة، مسرح الرباط الكبير، الذي صممته المعمارية العراقية البريطانية الراحلة زها حديد، والذي يمثل في خطوطه المقببة ثورة في شكل الرباط.
ولكن المسرح ، بمقاعده الـ1800 ومساحته الهائلة التي يجب تنظيفها وإضاءتها يومياً، يثير العديد من الأسئلة التي يطرحها الجميع اليوم في الرباط: هل سيكون هناك جمهور لملء هذا المسرح بشكل يومي، أو أسبوعي؟، وهل سيكون هناك جمهور لملء جميع المتاحف التي ستبنى قريباً؟ ومن سيدفع الفواتير مشاريع بهذا الحجم؟ وهل تحلم الرباط بأحلام يصعب تحقيقها؟.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/05 الساعة 08:16