الراحلون على أكتاف النشامى

مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/04 الساعة 02:45
الكاتب عبد الحافظ الهروط
.. وكأن رحيل الرجال الرجال في هذا الوطن على موعد واحد. شهيد الاردن وفلسطين والأمة، وصفي التل، طلت ذكرى رحيله بوجعها الذي لا يغادر قلب وذاكرة الاردنيين، وسيظل ما دام على هذه الأرض قلب ينبض. وعلى طريقتهم المتعبة، عبّرت الأجيال التي شاركت وصفي الحياة والمسؤولية والعمل، والأجيال التي لم تبصره، عن مدى حبهم له، والسبب ان وصفي كان للجميع حتى مع خصومه والذين اختلفوا معه. رحل وصفي تاركاً المناصب بلا رصيد مادي، وارثاً عظيماً من مؤسسات ومشاريع انتاجية لا ينكرها الا جاحد. أن نتحدث عن وصفي، فهذا سهل، ولكن أن نفعل فعله، ونسير على ما أنجزه، فهذا لا يقوم به إلا وصفي. من شاهد صورة الجثمان العائد من القاهرة محمولاَ على اكتاف النشامى من ابناء القوات المسلحة ليوارى الثرى الطهور، كان يدرك حجم القهر والحزن الذي استوطن صدور الأردنيين، وسط تلاطم الأقدام، واجزم انه باق، وبهذا اكتفي وسط تزاحم الأقلام، بالكتابة عن وصفي. وقبل يومين، كان رجل من رجالات الاردن يلحق بمن سبقه من الفرسان والأشاوس والشهداء، فقد حمل «الشباب العسكر» على اكتافهم جثمان مدير المخابرات الأسبق الفريق مصطفى القيسي، حضر من حضر من رجالات الدولة، فكانت الجنازة مهيبة، حتى الذين لم تسعفهم أقدامهم على المسير «كابروا وجابروا» على أنفسهم وأصروا على السير وراء «النعش». على الصعيد الشخصي، لم أر الفقيد الا مرة واحدة وكان قد خرج من بيت عزاء في مدينة مادبا، الا انني سمعت وقد نُقل عنه حوار دار مع الراحل الحسين، حول وضع كانت فيه الشعارات تأخذ طريقها في كل مكان، فقال «ابو مازن»: جلالة الملك، الأمور لا تدعو الى القلق، والانتخابات النيابية ستًجرى على أكمل وجه، أما الذين يصّعدون الشعارات، فـ «كل له سعره» وعدّدها على جلالته. جاءت حكومة الدكتور عمر الرزاز بنجل القيسي، المهندس مكرم وزيراً للشباب، وبحكم مهنة الاعلام والخبرة الوظيفية في هذه الوزارة، اتيحت لي فرصة التعرف الى الوزير الجديد، فتطورت التهنئة الى علاقة طيبة، اطلعني خلالها على مشروع شبابي حقيقي، الا ان المشروع ذهب مع خروج صاحبه، بالتعديل الأول على الحكومة. في جنازة القيسي، وفي بيوت العزاء والفرح، وفي كل مناسبة اردنية، يستنتج المرء ان الاردنيين مهما اختلفوا في آرائهم او اختصموا وجلدوا ذاتهم، الا انهم سرعان ما يعودون الى المشاركة، مُعّزين أو مهنئين أو يتصافحون لأنهاء مشكلة مهما كان ثقلها ووقعها على النفس. رحم االله وصفي التل ومعه كل الذين ذادوا عن الوطن بأرواحهم وصدورهم، وبنوا مؤسساته رغم قُصر اليد وضيق الحال، ولعلنا مع الأجيال اللاحقة عظة بهم، وكيف يكون الوطن للجميع وعلى رؤوسنا جميعاً.(الرأي)
مدار الساعة ـ نشر في 2019/12/04 الساعة 02:45