يشبهنا أو لا يشبهنا..؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/27 الساعة 01:26
لا أحد يشبه أحدا، نحن - البشر - لسنا نسخا متطابقة تماما، نختلف لنتكامل ونتعاون ونتمايز، والاختلاف هنا يمنحنا جزءا من مبررات وجودنا، ويضفي على حياتنا مسحة من الجمال، ويرتقي بأذواقنا ويشعرنا بإنسانيتنا ايضا.
هذه حقائق وبدهيات، لكن حين ينحط خطابنا العام، وتتحول قيم الخصومة السياسية واخلاقياتها الى ادوات رخيصة لتصفية الحسابات، واشهار الفجور السياسي، والضرب من «تحت الحزام»، عندئذ تتقمص اصناف غريبة من « الذوات» المهزوزة ثوب الجماعة، وربما المجتمع والدولة، لتعيد سؤال الاختلاف الى صيغة اخرى ممسوخة، فبدلا من ان تصارحنا وتقول : انت لا تشبهني، تصرخ بأعلى صوتها : انت لا تشبهنا، وفي اضافة « نا « الجماعة ثمة مضمرة وبائسة للخروج من ازمة «الانا» الصغيرة المكشوفة على الخيبة والعجز، الى الـ»نا» المتخيلة، لممارسة عملية سطو بلا استئذان.
لا فرق ابدا بين صرخة «من انتم»، هذه التي تنطلق من حناجر بعض الذين ينتابهم نزق السلطة وغرورها فلا يرون في مراياهم المكسرة الا انفسهم، وبين صرحة «انت لا تشبهنا « التي نسمعها تتردد على ألسنة بعض الذين اكتشفوا خساراتهم في «اسواق» النفاق والتزلف والوشاية، كلا الصرختين تعبران عن احساس عميق بالافلاس الاخلاقي، والفشل في الاستمرار بالتمثيل على الجمهور، والعجز عن مواجهة الحقيقة، والبحث عن الخلاص الفردي من خلال شيطنة الآخر والانتقام منه.
من اعطى هؤلاء الحق في اقتحام المجال العام واختطافه، او في تصنيف الناس على اساس الخلقة والخلق، لا على اساس الاختلاف المشروع في الفكر او السياسة، هذا الذي تعارفنا على ابجدياته وقنواته حين كانت مناخاتنا العامة تتمتع بعافيتها، وحين كانت المواقف تنتصب على موازين « الشرف» الوطني والانصاف..؟ من فوضهم ايضا لاصدار «فرامانات» ادخال الناس في دائرة «الملة الوطنية» او اخراجهم منها..؟
اتساءل : بماذا لا يشبهنا هذا او ذاك..؟ بالشكل ام بالجوهر، بنظافة اليد مثلا، بالاستقامة والحرص على المصلحة العامة، بالترفع عن الصغائر وعدم الاساءة للاخرين، بالعزوف عن المتاجرة بالمواقف، من يشبه من اذا، ومن يتهم من اذا..؟ ثم لماذا لا يشبهنا..؟ هل خرج من «طينة» اخرى غير تلك التي خرجنا منها، هل استقال من مهمته الانسانية وتحول الى وحش يطاردنا بكل مكان، هل تقلب بين الخنادق ليطلق علينا رصاص الكراهية من بندقية مستأجرة..؟
ليس لدي اي اجابة الا بكلمة واحد : عيب..!، فمن يرمي احدهم اليوم بهذه الاساءة لن يتورع غدا ان يرمي اي واحد منا بهذه الاساءة وبما هو اسوأ منها، ليس من اجل ان يمارس حقه بالانتقاد والاختلاف، على قاعدة حرية الرأي،، لو كان كذلك لتفهمنا الامر وقبلناه، وانما ليصنع من نفسه وصيا علينا، ومخولا - باسم المجتمع - لتجريدنا من انسانيتنا ومشتركاتنا الوطنية ايضا.
بصراحة، اسوأ ما يصيب المجتمعات هو ان تتغلغل داخلها صرخة «انت لا تشبهنا «، ليس لانها تضمر قسوة في التصنيف واستهانة بالآخر واستعلاء عليه، او لانها تختزل نزعة «تمجيدية» لا ترى من خلالها الذات الا نفسها، وانما –ايضا- لانها افضل وصفة لاغراق المجتمع في الانتهازية، ودفعه الى الانقسام والصدام، وشحنه «بالثنائيات» القاتلة.
الدستور
هذه حقائق وبدهيات، لكن حين ينحط خطابنا العام، وتتحول قيم الخصومة السياسية واخلاقياتها الى ادوات رخيصة لتصفية الحسابات، واشهار الفجور السياسي، والضرب من «تحت الحزام»، عندئذ تتقمص اصناف غريبة من « الذوات» المهزوزة ثوب الجماعة، وربما المجتمع والدولة، لتعيد سؤال الاختلاف الى صيغة اخرى ممسوخة، فبدلا من ان تصارحنا وتقول : انت لا تشبهني، تصرخ بأعلى صوتها : انت لا تشبهنا، وفي اضافة « نا « الجماعة ثمة مضمرة وبائسة للخروج من ازمة «الانا» الصغيرة المكشوفة على الخيبة والعجز، الى الـ»نا» المتخيلة، لممارسة عملية سطو بلا استئذان.
لا فرق ابدا بين صرخة «من انتم»، هذه التي تنطلق من حناجر بعض الذين ينتابهم نزق السلطة وغرورها فلا يرون في مراياهم المكسرة الا انفسهم، وبين صرحة «انت لا تشبهنا « التي نسمعها تتردد على ألسنة بعض الذين اكتشفوا خساراتهم في «اسواق» النفاق والتزلف والوشاية، كلا الصرختين تعبران عن احساس عميق بالافلاس الاخلاقي، والفشل في الاستمرار بالتمثيل على الجمهور، والعجز عن مواجهة الحقيقة، والبحث عن الخلاص الفردي من خلال شيطنة الآخر والانتقام منه.
من اعطى هؤلاء الحق في اقتحام المجال العام واختطافه، او في تصنيف الناس على اساس الخلقة والخلق، لا على اساس الاختلاف المشروع في الفكر او السياسة، هذا الذي تعارفنا على ابجدياته وقنواته حين كانت مناخاتنا العامة تتمتع بعافيتها، وحين كانت المواقف تنتصب على موازين « الشرف» الوطني والانصاف..؟ من فوضهم ايضا لاصدار «فرامانات» ادخال الناس في دائرة «الملة الوطنية» او اخراجهم منها..؟
اتساءل : بماذا لا يشبهنا هذا او ذاك..؟ بالشكل ام بالجوهر، بنظافة اليد مثلا، بالاستقامة والحرص على المصلحة العامة، بالترفع عن الصغائر وعدم الاساءة للاخرين، بالعزوف عن المتاجرة بالمواقف، من يشبه من اذا، ومن يتهم من اذا..؟ ثم لماذا لا يشبهنا..؟ هل خرج من «طينة» اخرى غير تلك التي خرجنا منها، هل استقال من مهمته الانسانية وتحول الى وحش يطاردنا بكل مكان، هل تقلب بين الخنادق ليطلق علينا رصاص الكراهية من بندقية مستأجرة..؟
ليس لدي اي اجابة الا بكلمة واحد : عيب..!، فمن يرمي احدهم اليوم بهذه الاساءة لن يتورع غدا ان يرمي اي واحد منا بهذه الاساءة وبما هو اسوأ منها، ليس من اجل ان يمارس حقه بالانتقاد والاختلاف، على قاعدة حرية الرأي،، لو كان كذلك لتفهمنا الامر وقبلناه، وانما ليصنع من نفسه وصيا علينا، ومخولا - باسم المجتمع - لتجريدنا من انسانيتنا ومشتركاتنا الوطنية ايضا.
بصراحة، اسوأ ما يصيب المجتمعات هو ان تتغلغل داخلها صرخة «انت لا تشبهنا «، ليس لانها تضمر قسوة في التصنيف واستهانة بالآخر واستعلاء عليه، او لانها تختزل نزعة «تمجيدية» لا ترى من خلالها الذات الا نفسها، وانما –ايضا- لانها افضل وصفة لاغراق المجتمع في الانتهازية، ودفعه الى الانقسام والصدام، وشحنه «بالثنائيات» القاتلة.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/27 الساعة 01:26