“تكنولوجيا المعومات”: أردنيات يعانين ضعف التوظيف رغم الطلب المرتفع على مهاراتهن
مدار الساعة - ثمة رهان كبير في الأردن على نمو قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي يساهم بحوالي 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب هيئة الاستثمار الأردنية.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال، فإن من المفترض أن يصبح الأردن مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا.
وعلى نحو متزايد ينجذب الشباب الأردني إلى المجالات المرتبطة بالتكنولوجيا على أمل تأمين فرص عمل وبدء أعمالهم الخاصة في هذا القطاع المتنامي.
والفتيات والنساء لسن استثناء، بل أن ثمة مشاريع كمشروع “البنات في التكنولوجيا Girls in Tech” ومشروع “مجلس SHETECHS ” ومشروع EconoWin” ” تهدف إلى إعداد الشابات لشغل وظائف في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
المهارات وحدها قد لا تكون كافية
تكشف البيانات التي جمعتها وزارة التعليم العالي والبحث العملي أن نسبة خريجات الجامعات الأردنية اللواتي يتخرّجن بشهادة جامعية في علوم الحاسوب من إجمالي الخريجات هي 1 إلى 10، وهي نسبة مساوية تقريباً لنسبة الخريجين الذكور من نفس التخصص.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن أكثر من نصف الخريجين الأردنيين في تخصصات علوم الكمبيوتر هن من الإناث، إلا أن نسبة ضئيلة منهن يحصلن على عمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وحسب آخر وأحدث مسحٍ أجراه مشروع المنار العام 2017، ونشرت نتائجه في 2018، فإن الإناث يشكلن أقل من خمس الموظفين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وجاءت خلاصة تحليل بيانات المسح الذي أجراه المشروع، بإدارة المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية ووزارة العمل، بدعم من صندوق التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني، تحت عنوان “الفجوة بين جانبي العرض والطلب في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات”، لتكشف أن غالبية المنشآت العاملة في القطاع لا ترغب في تعيين إناث، وبنسبة (94 %).
متعلمات يتغلبن على التحديات.. والذكور يهيمنون
في العادة تتمكن النساء المتعلمات من التغلب على التحديات والعقبات في وظائف تكنولوجيا المعلومات، الذي لا تتطلب كافة الوظائف فيه درجات علمية عالية، لكن الذكور ما يزالون يهيمنون على الوظائف التي تتطلب درجات أقل مستوى.
ولذلك، تبدو فرص النساء المتعلمات في التوظيف في القطاع أفضل، أما غير المتعلمات أو اللاتي لم يكملن تعليمهن ففرصهن أقل من فرص الرجال في العمل في نفس القطاع.
وحسب أرقام المسح، ثمة فرصة واحدة فقط من كل عشر فرص لحصول المرأة غير المتعلمة أو الحاصلة على شهادة أقل من الثانوية العامة أو الحاصلة على شهادة تدريب مهني على وظيفة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ومن ناحية أخرى، فإن فرص المرأة في الحصول على وظيفة في القطاع تكون أكبر بكثير لو كانت متعلمة؛ إذ ثمة فرصة واحدة من كل 7 فرص لتوظيف المرأة إن كانت حاصلة على شهادة الدبلوم وفرصة من كل 4 فرص للحصول على وظيفة إن كانت حاصلة على درجة البكالوريوس أو درجة أعلى. مع ذلك، ما يزال عدد الخريجات أكبر بكثير من عدد اللواتي توظّفن في هذا القطاع.
إذاً أين ينتهي المطاف بالنساء اللواتي لا يحصلن على عمل؟ وفقاً للمسح، فإن وظيفة من كل 10 وظائف في مجال تطوير البرمجيات ووظيفة واحدة من كل 20 وظيفة في مجال العمليات التقنية تشغلها نساء فقط.
ويلاحظ أن تمثيل النساء الأقل يكون في الوظائف التي تتعلق بالشبكات والبنية التحتية التقنية والدعم التقني، والمفاجئ أيضاً أن تمثيلهن في وظائف التسويق والمبيعات ضعيف أيضاً.
تُظهر هذه البيانات، في الواقع، أنه من المرجّح أن تعمل النساء في الوظائف التي تتطلب معرفة تقنية أكثر. وفقاً للمسح، تتطلب معظم الشركات من الخريجين الجدد معرفةً عملية بلغات البرمجة وخدمات الويب وتطبيقاته وتطوير الويب والشبكات وتصميم واجهات التطبيقات ومنصات برمجة التطبيقات ونظم التشغيل.
وظائف شحيحة.. وتحيز على أساس الجنس
تفيد شركات التكنولوجيا بعدم وجود وظائف لديها يكفي عدد الخريجين الجدد “الهائل”. بل وتعترف أيضاً بوجود تحيّز قائم على الجنس في التوظيف لديها.
بحث المسح أيضاً في الأسباب المحتملة لهذه الفجوة بين الجنسين.
وشمل المسح 136 شركةً وكشف عن أن أكثر من نصف الشركات العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بيّنت أن الفجوة بين الجنسين نتجت عن عدم وجود شواغر لديها.
ومع ذلك، ذكرت واحدة من كل 4 شركات أن طبيعة الوظائف لا تناسب النساء، وأوضحت واحدة من كل 14 شركة أنها غير راغبة في توظيف النساء.
وفي مقابلة، أجرتها معدة التقرير، مع تمارا عبد الجابر، الشريك المؤسس لشركة بالما للاستشارات “Palma Consulting” ومؤسّس مشارك لمجموعة “نساء في الأعمال – العربية “Women in Business Arabia”، ذكرت أنه “في الوقت الذي يستشهد فيه أرباب العمل بالعديد من الأعذار لعدم توظيف الإناث، يُعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم أجمع أحد القطاعات الرائدة التي توفر المرونة التي تنشدها النساء في التوظيف”.
وأضافت “في الاقتصاد الأردني يُعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قطاعاً رائداً ويجب أن يحتل مركز الصدارة في توظيف النساء”.
ووفقاً لعبد الجابر، يجب أن تستفيد الشركات “من حقيقة تميّز المرأة باهتمامها بالتفاصيل وقدرتها على العمل عن بعد عند الحاجة”.
النساء أكثر تفهّماً لقيمة توظيف النساء
تعتبر شهلا مطر، المديرة الإدارية لشركة تناسق للتكنولوجيا “Tanasuk Technologies”، ومن منطلق خبرتها كمديرة شركة، أن النساء يمتلكن مهارات عالية.
وأفادت مطر، في ردها على أسئلة معدة التقرير، بأن أكثر من نصف موظفي شركتها من النساء وأن جميع أعضاء فريق شركتها التنفيذي هن من النساء.
وقالت إن شركتها وضعت نظاماً يتم من خلاله الاستعانة بمطوري برمجيات ومبرمجين مؤهلين من خارج الشركة لإنجاز بعض العمليات، موضحة أن ذلك يساعد في معالجة بعض العوائق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تواجهها النساء عندما تقررن دخول سوق العمل، كمشكلات التنقل والمواصلات، وتكاليف رعاية الأطفال والعوائق الاجتماعية التي تحول دول الحصول على وظائف خارج المنزل.
وتشير شهلا إلى أن هذا يعود إلى حقيقة أن المرأة تثمّن عالياً المرونة والامتيازات التي توفرها الوظائف في هذا القطاع ما يؤدي إلى تفوّقهن في الأداء.
دمج النساء يواجه تفضيل الشركات للرجال
على الرغم من التركيز العام على دمج المزيد من النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتحصيلهن العلمي واستعدادهن للانضمام لهذا القطاع، إلا أن بعض الشركات ما تزال تفضّل توظيف الرجال.
ولعل في تفعيل نظام العمل المرن الذي يتيح العمل عن بعد، ما يساهم في تفعيل عمل المرأة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، بحسب مطر.
على أنه من الصعب قياس مدى نجاح هذا النظام في رفع نسبة تمثيل المرأة في القطاع، دون تفعيل حقيقي ومؤسسي له، لدارسة مدى قدرته على معالجة تحفظات بعض الشركات على عمل المرأة، ومواجهة التحديات التي تبعد النساء عن سوق العمل.
وفي مقابلة عبر الهاتف، يعتبر مدير المرصد العمالي الأردني ومركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، أن نظام العمل المرن الذي صدر في العام 2017 وثّق ممارسة موجودة في سوق العمل، الا أن النظام يفتقر لآلية عمل وأدوات واضحة لتطبيقه بالشكل المأمول.
والنظام، بحسب عوض، لم يُلزم أصحاب العمل بالموافقة على استفادة العاملين والعاملات الذين تصلح طبيعة عملهم للعمل المرن، وترك القرار النهائي لصاحب العمل فقط.
ويوضح عوض “كان يمكن للحكومة من خلال وزارة العمل تقديم حوافز لأصحاب الأعمال لتشجيعهم على تطبيق هذا النظام. لذلك نرى كمراقبين لسوق العمل أن نظام العمل المرن لم يساهم في زيادة تشغيل النساء ولم يساهم في تحويل العاملين بشكل غير منظم الى عمل منظم، والأولوية الان لاجراء تعديلات على نظام العمل المرن بما يفعل تطبيقه.
القطاع يرفد الاقتصاد
يرفد قطاع تكنولوجيا المعلومات الاقتصاد الأردني بالملايين سنويا، ما يكشف أهمية تعزيز القوى العاملة فيه، وتطوير إمكاناتها، فضلا عن تعزيز مشاركة النساء وعملهن فيه.
في مقالةٍ نُشرت في صحيفة جوردان تايمز، أشار المدير التنفيذي لشركة إنتاج نضال بيطار إلى أهمية هذا القطاع للاقتصاد الأردني.
وتضاعفت إيرادات قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من 210 مليون دينار أردني العام 2003 إلى أكثر من 480 مليون دينار أردني العام 2017. كما تضاعفت صادرات القطاع أربع مرات تقريباً من 48 مليون دينار أردني إلى أكثر من 189مليون دينار أردني خلال الفترة نفسها.
وحسبما جاء في تقرير مجموعة أكسفورد للأعمال، تستمر الحكومة في دعم النهوض بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال تفعيل استراتيجيات وطنية ودعم مراكز الابتكار وريادة الأعمال، وزيادة توافر خدمات الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى تحسين البنية التحتية الرقمية والمادية.
استقطبت الحكومة أيضاً عدداً من شركات التكنولوجيا العالمية إلى الأردن، كشركة أمازون وإكسبيديا، وأسست مركزاً ذاتياً تابعاً للحكومة نفسها للاستعانة بمصادر خارجية.
توصي دراسة لسوق العمل أجريت حول توظيف الخريجين الجدد في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأردن بالتركيز على أهمية اكتساب خريجي علوم الحاسوب المهارات الشخصية والتقنية والكفاءات اللازمة لزيادة فرص قبولهم في الوظائف وإثراء القوى العاملة في هذا القطاع.
آية الكباريتي - الغد