هل أخطأ وزير العمل؟
لا اختلاف على أن لغة الحوار هي مفتاح لحل كثير من المشكلات والتحديات القائمة على الاختلاف بين الأفراد أو الجماعات، وهي كلمة السر لـ فكفكة العناد والموقف المتأزم بين الأطراف المختلفة، كونه يقرب وجهات النظر ويجمع الأضداد في منتصف الطريق، وصولا لحلول ترضي الجميع قبل أن يذهب كل منهم في طريقه بعد أن يكون قد حقق مكاسبه التي يريدها. وشاهد ذلك ما قام به وزير العمل نضال البطاينة في قضية المتعطلين عن العمل المعتصمين أمام الديوان الملكي منذ نحو شهر بحثا عن فرص عمل
عدة جلسات حوارية جمعت البطاينة بهؤلاء المعتصمين كان عنوانها التأكيد على أنهم جزء من الوطن ما يمنحهم حقوقا ينبغي أن تكون غير منقوصة، كما أن عليهم واجبات لا بد أن يؤدوها. وبين مدّ وجزر كانت المحصلة النهائية صيغة توافقية أنهت الاعتصام بعد أن نالوا ما يرضيهم
لا يُضعِف المسؤولَ ولا يقلل من شأنه أن يجلس مع فئات المجتمع المختلفة مستمعا إليهم ومشتبكا معهم في الحوار البناء، بل إن ذلك جزء مهم وأساسي من عمله، حيث النزول إلى الميدان للوقوف شخصيا على مطالب الناس وهمومهم ومعاناتهم تمهيدا لتذليل العقبات أمامهم، وهي سياسة طالما أكد عليها جلالة الملك لجميع الحكومات
الوزير موظف، مثل أي عامل في القطاع العام، ولا يعني حمله لقب معالي وركوبه سيارة حكومية بسائق أن يتجمّد على مقعده ولا يكترث بما يدور حوله، وأن لا يكلف نفسه السير على أقدامه بين الناس. الأردنيون بفطرتهم طيبون وصابرون، وما علينا سوى احترام عقولهم ورجولتهم ومخاطبتهم بمستوى يليق بهم، عندها سنجد منهم جنودا قادرين على تحمل أصعب الظروف، لكن، قبل ذلك، فقط على الحكومة احترام ظروفهم التي يمرون بها!
العناد والسوداوية والسلبية وفقدان الأمل الذي يعيشه الأردني اليوم، وعدم تقبله لأي أمر يأتي من طرف الحكومة، وحالة التنمر التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس سببها فقط سوء حالته الاقتصادية والضرائب التي فُرضت عليه وأنهكت جيوبه، بل أيضا لأنه فقد الثقة بالحكومة والمسؤولين الذين أطلقوا الوعود تلو الوعود، والعهود تلو الأخرى، وجعلونا نشعر بأن الأردن لن تكون إلا جنة الله على الأرض، وهي شعارات سرعان ما ذاب الثلج عن عناوينها وانهارت مع مرور الزمن، فأصبح المواطن غير قادر على تصديق أي حرف يخرج من الحكومة التي باتت تعاني الأمرين من اتساع حالة الرفض لها ولسياساتها، وباتت أدواتها الإعلامية مشغولة فقط في التوضيح والتبرير والشرح والتفسير و ترقيع التصريحات الرنانة، وآخرها ما نسب إلى وزير النقل الجديد
المتعطلون عن العمل لم يغلقوا الأبواب في وجه وزير العمل عندما عمد إلى الجلوس معهم، ولم ينبذوه أو يتنمروا عليه، بقدر ما احترموا هذه المبادرة وقابلوها بقدر أهميتها، فتحققت معادلة اشتباك المسؤول مع المواطن، وتقدير الأخير لذلك، ولو لم يكن ذلك لاستمر المعتصمون في مكانهم لأيام طويلة، ولاستمرت القصة بلا نهاية
الحقيقة الغائبة عن ذهن المسؤول الأردني هي أنه جزء من تركيبة الدولة الاجتماعية، خرج منها وسيعود إليها بعد أن ينهي مهامه في مواقعه المختلفة، لكن منهم من سيترك أثرا إيجابيا وانطباعا طيبا عن كينونة المسؤول، وآخرون ستعود الفوقية التي يمتلكونها سلبا على نفسية المواطن وبالتالي على الدولة بأكملها
في عصر الانفتاح الذي نعيشه، والقوة الضاربة لمواقع التواصل الاجتماعي، ما على المسؤول سوى أن يكون جزءا من المنظومة الأردنية لما فيها خير الدولة، لا عبئا عليها. ولتكن إدارة وزير العمل لملف المعتصمين أمام الديوان الملكي تحولا في التعامل مع أي احتجاج شعبي.
الغد