الطائفية وأثرها على النظام السياسي في لبنان

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/19 الساعة 07:45
مدار الساعة - لم يكن الصراع السياسي الدائر في لبنان نتاج يوم وليلة أو حدثاً مؤقتاً مرّت عليه الأيام، بل هو عميق عمق تاريخ هذا الشعب وانقساماته الطائفية والفكرية والثقافية، ويمكن الجزم بأن التركيبة الطائفية في المجتمع اللبناني هي السبب الرئيسي في هذا الصراع، فهو مجتمع له عدة أوجه كلٌّ منها يبحث عن ذاته وكينونته من خلال التحالفات الخارجية واستجداء الخارج؛ فهناك لبنان العربي المسلم السني الذي لا يريد أن يخرج عن عباءة الأمة العربية الواحدة، وهناك لبنان المسيحيين الذي يريد أن تكون ملامحه أوروبية، وهناك أيضاً لبنان الشيعي الذي يرتبط بإيران وبلاد الفرس أكثر من ارتباطه بأمته العربية. الميثاق الوطني منذ استقلال لبنان عام 1943م وهو يحتكم للميثاق الوطني الذي أعدّه له الاحتلال الفرنسي قبل خروجه، حيث جعل الوطن الواحد يقبل القسمة ويصبح دويلات سياسية مختلفة، وكون الطائفة هي العنصر المسيِّر لمجتمعها، فإنها أثرت سلباً من خلال إغراق لبنان في كثير من الحروب والمشاكل، وهذا ما أراده المستعمر الفرنسي للبنان بأن يغرق في خلافات داخلية لا تنتهي لضمان استقرار الأمن داخل الكيان الصهيوني، والحفاظ على التوازن الأمني في دول الطوق التي تحيط بفلسطين المحتلة؛ لذلك جاءت قسمة السلطة في لبنان على أساس الطائفة، حيث نصَّ الميثاق الوطني على أن يجرى تقسيم الوظائف البرلمانية على أساس طائفي "عادل"، حيث أعطيت رئاسة الجمهورية للموارنة النصارى، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة، أما بخصوص مقاعد البرلمان فقد تم توزيعها بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين وفقاً لاتفاق الطائف الذي عُقد برعاية سعودية عام 1989م. ولم تقتصر عملية توزيع الوظائف على الوظائف السيادية في الدولة، فقد وضعت ما اصطلح عليه بـ "القواعد العرفية"، حيث عمل بها منذ الاستقلال، مثل رئاسة الجيش والأمن العام ورئاسة مجلس الشورى ورئاسة الجمارك وحاكمية المصرف المركزي، حيث أصبحت بعض المراكز وفقاً لهذه القواعد حكراً على النصارى. ومن عيوب هذا التوزيع أيضاً ما تتم ملاحظته خلال عملية الانتخاب وتوزيع المقاعد على دوائر الانتخابات، حيث يلاحَظ التوزيع الطائفي في عملية تحديد عدد المقاعد لكل منطقة. يقسِّم الباحث الفلسطيني الدكتور أكرم عدوان في بحث أعده بعنوان "الطائفية وأثرها على النظام السياسي في لبنان"؛ الطوائف اللبنانية إلى عدة أقسام، وتأتي في مقدمتها ما يحسب على الطوائف الإسلامية، وهم: (السنة، الشيعة، الدروز، العلويون الإسماعيليون، الشركس، والأكراد "إثنية"). ومن حيث الحجم فإن السنة يمثلون 50 % من الطوائف الإسلامية، ويتركّزون في شمال ووسط لبنان، خصوصاً في بيروت وطرابلس، ويعد مستواهم الثقافي أعلى من مستوى غيرهم من أبناء الطوائف الإسلامية الأخرى، ولهم مشاركة سياسية فاعلة من خلال مجلس النواب ورئاسة الوزراء، ويتم اختيار مفتي الديار اللبنانية منهم. ثم تأتي الطائفة الشيعية، وبدأ ظهورها في ظل الدولة الفاطمية عام 1075م، حيث كان المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي في لبنان، ويتركز أبناؤها في الجنوب اللبناني وفي بعلبك وجبل الساحل، وهم أقل من حيث المستوى الثقافي من الطائفة السنية، ومن حيث الأوضاع الاقتصادية. ويشارك أبناء هذه الطائفة في الحياة السياسية، ويعطيهم الدستور اللبناني رئاسة مجلس النواب، كما يشاركون في تشكيل الحكومة بمقعدين وزاريين، حيث يمثلهم في الواجهة السياسية حزب الله وحركة أمل وغيرهما من الأحزاب الشيعية، وتتمتع بدعم غير محدود من قبل إيران والنظام العلوي في دمشق. وتأتي في المرتبة الثالثة الطائفة الدرزية، وتعود نشأة هذه الطائفة إلى أوائل القرن الحادي عشر، حيث جاء "تكشين الدرزي"، ويعتقد أنه شيعي، إلى سورية عام 1020م واستقر في وادي اليتم عند أسفل جبل حرمون، وراح يبشّر بمذهب جديد يدور حول فكرة أن الخليفة الحاكم بأمر الله إمام ذو صفة فوق الطبيعة، أي أنه تجسيد للعقل الكوني، وأصبح للدروز تلامذة وأتباع أطلق عليهم اسم "الدروز" وشكلوا نواة الطائفة الدرزية وانتشروا في ظل الدولة الفاطمية في منطقة الشوف والمتن. وتبرز في هذه الطائفة عائلتان، هما: أرسلان وجنبلاط، ولزعيمي العائلتين الزعامة في الطائفة من الناحية السياسية والدينية. ويشارك أبناء هذه الطائفة الحياة السياسية، حيث يمثلهم في مجلس النواب ستة نواب ويمثلهم في الحكومة وزيران. أما القسم الثاني في لبنان من الطوائف فهو الطوائف المسيحية، وهي: (الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، البروتستانت، إضافة إلى إثنيات الأرمن أرثوذكس، الأرمن كاثوليك، أستوريون كلدان، سريان). وتحتل طائفة الأرمن المركز الأول بين الطوائف المسيحية، وتستقر بصفة رئيسية في جبل لبنان، وقد تمتّعت بمستوى ثقافي لم يتح لغيرها من الطوائف، نتيجة رعاية فرنسا لها، وما كانت تتمتّع به من قوة عددية عشية الاستقلال؛ فقد استأثرت بالمناصب الحساسة في الدولة، فمنها ينتخب رئيس الدولة، وتمثَّل في البرلمان بثلاثين نائباً، ويمثلها أيضاً عديد من الوزراء. وتأتي بعدها طائفة الروم الأرثوذكس، وظهرت في القرن التاسع، واستقرت في المناطق الساحلية، وفي مراحل سابقة لقيت عناية خاصة من قبل روسيا القيصرية، إلا أن هذه العناية انتهت بقيام الثورة البلشفية عام 1917م، ما ساعد على الارتباط بين هذه الطائفة والأرثوذكس في سورية، وتحصل هذه الطائفة على أحد عشر مقعداً في مجلس النواب، ولها بعض المناصب الوزارية. وتحتل طائفة الروم الكاثوليك المرتبة الثالثة من حيث القوة في المجتمع المسيحي اللبناني، حيث تنحدر من طائفة الروم الأرثوذكس، لكنها انشقت عنها في القرن الثامن عشر، وتتمركز في منطقة زحلة، وأبناؤها في الغالب حلفاء للموارنة، وتتمتع بوضع اقتصادي ممتاز، حيث إن غالبية أبنائها على درجة كبيرة من الغنى والثراء. ومن الناحية السياسية تشارك هذه الطائفة بستة مقاعد في مجلس النواب، ولها مقعد في مجلس الوزراء. الأحزاب السياسية برزت في لبنان أحزاب شُكِّلت لأبعاد طائفية، وزادت من الاندفاع نحو تشكيلها الصراعات المسلحة التي مرَّ بها هذا البلد، خصوصاً في أواخر القرن الماضي، ومن هذه الأحزاب: حزب الكتائب: نشأ هذا الحزب عام 1926م، أي في عهد الانتداب الفرنسي على لبنان، على يد "بيار الجميّل"، كتنظيم شبه عسكري غالبية أعضائه من الطائفة المارونية، إلا أنه لا يمنع انضمام أبناء الطوائف الأخرى له. وقد اعترف بهذا التنظيم في نهاية عام 1943، وتحوّل في عام 1952 إلى حزب سياسي، وطبيعة تكوينه ونزعته الانعزالية تجعل من المستحيل انضمام أي مسلم إليه، وكذلك بالنسبة للمسيحيين الأرثوذكس؛ فهو حزب طائفي من الدرجة الأولى، من حيث الأهداف والأيديولوجية والممارسة. وقد لعب هذا الحزب دوراً رئيساً في الحياة السياسية والطائفية داخل لبنان منذ نشأته حتى هذه اللحظة، فما زال يمارس نفس الدور الطائفي الخطير بجعل لبنان دولة مسيحية بعيدة كل البُعد عن محيطها العربي، فضلاً عن أدواره الخطيرة في كل الحروب الأهلية التي وقعت في لبنان وآخرها الحرب الأهلية عام 1975م، وكان مسانداً للاجتياح الصهيوني على لبنان عام 1982م، ويرفض قيام أي علاقات مع سورية، ويناهض الوجود الفلسطيني في لبنان، حيث كان المسؤول المباشر عن قتل آلاف الفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا في ثمانينيات القرن الماضي. حزب النجاده: أنشئ عام 1947م كرد فعل لنشأة حزب الكتائب، فهو منظمة شبه عسكرية وأغلب عناصره وأعضائه من الطائفة السنية. وقد حدّدت المادة الأولى في النظام الأساسي للحزب أهدافه، حيث ورد فيها "النجاده حزب لبناني سياسي ديمقراطي عربي تحرري أساسه القاعدة الشعبية العريضة الداعمة للميثاق الوطني والنظام السياسي والاقتصادي المنبثق عنه الذي يعمل على فرض المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الأفراد داخل الدولة". حزب الله: سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان، والذي يؤرخ له بعام 1982؛ وجود فكري وعقائدي يسبق هذا التاريخ. هذه البيئة الفكرية كان لمحمد حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه في الجنوب. وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير 1985، أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسّد في ولاية الفقيه، وتتجسّد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".. كما جاء في البيان. ومعظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة المرتبطين مذهبياً بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، حيث يعدونه واحداً من أكبر المراجع الدينية العليا لهم، ويعد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعي لعلي خامنئي في لبنان. ويقف الحزب مع النظام السوري في حربه ضد أهل السنة في سورية، حيث يرسل الآلاف من عناصره للقتال إلى جانب النظام السوري. حركة أمل: عُرفت في بداية نشأتها في شهر يناير 1975 باسم حركة المحرومين بعد دعوة موسى الصدر في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى عاشوراء، إلى تأسيس جناح مسلح للشيعة في لبنان كطائفة متميّزة عن أهل السنة، ويرأس الحركة الآن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وكان الدافع الرئيس وراء تشكيل المجموعات المسلحة للحركة تنظيم العمل السياسي والعسكري للطائفة الشيعية في لبنان، ويتبع جميع عناصرها المذهب "الجعفري" الشيعي بكل معتقداته. حزب الكتلة الوطنية: أُسّس عام 1943م، ويعد حزب البرجوازية التجارية، وهو من أقدم الأحزاب، وقد عايش لبنان منذ فجر الاستقلال، حيث كان يعكس وجهة النظر المارونية التقليدية، وبدأ وجوده على أساس تكتل عائلي حول عائلة الخوري وزعيمها بشارة الخوري، في مواجهة عائلة إده وزعيمها إميل إده، في إطار التنافس على زعامة الطائفية المسيحية. حزب الكتلة الدستورية (الاتحاد الدستوري): نشأ هذا الحزب عام 1932 بقيادة بشارة الخوري، حيث إنه يمثل البرجوازية الناشئة المتضررة من سياسة الانتداب الفرنسي والداعية للتعاون مع الأقطار العربية. يرى هذا الحزب أنه من الضروري الاستمرار في التمسّك بالميثاق الوطني، ويعلن أن من بين أهدافه العمل على إشاعة الروح الوطنية لدى اللبنانيين، والارتفاع فوق الطائفية، والعمل على إلغائها بصورة تدريجية، ويعلن تمسّكه بمبدأ استقلال لبنان وسيادته في حدوده الحالية، ويرى ضرورة توثيق العلاقات مع الدول العربية في نطاق ميثاق الجامعة العربية. من الواضح أن الحزبين السابقين حزبان طائفيان من حيث الأهداف والاستراتيجية، بل أكثر من ذلك، فالعائلة والقبلية تلعب الدور الأساسي في تأسيس وعمل هذين الحزبين. الحزب القومي السوري: نشأ هذا الحزب عام 1932م على يد أنطون سعادة، وهو رومي أرثوذكسي، ومن مبادئ الحزب أن السوريين يشكّلون أمة واحدة قائمة بذاتها، ولذلك فإن قضية استقلال سورية هي قضية قومية مستقلة عن أي قضية أخرى، وينبغي أن تتم في الإطار الوطني السوري الذي يضم بلاد الشام بكاملها دون أي تجزئة، ويرفض الحزب فكرة قيام لبنان المستقل. وضمَّ الحزب إلى جانب طائفة الروم الأرثوذكسي، العديد من المسلمين، بحيث وصل عدد المنتمين إليه إلى أكثر من 15 ألف شخص. الحزب الشيوعي: بدأ يظهر كحزب مستقل عام 1934، ووجد في الطائفة الأرمنية مجالاً خصباً لنشر أفكاره. ويطلق الحزب على قانونه الأساسي لفظ "الميثاق"، وبرامجه وأهدافه لا تختلف عن برامج وأهداف أي حزب شيوعي آخر، ورغم أن الدولة لا تعترف به رسمياً، إلا أنه استطاع، وخاصة في السنوات الأخيرة، أن يعمل بنشاط وعلى نطاق واسع، ولم تعد اجتماعاته وتحرّكاته سرية كما كانت في السابق، وقد وصل عدد أعضائه في مرحلة من المراحل إلى أكثر من 40 ألف شخص. الحزب التقدمي الاشتراكي: تأسَّس الحزب عام 1949م على يد كمال جنبلاط، ومعظم عناصره من الطائفة الدرزية. من مبادئ الحزب الجمع بين إيجابيات الأحزاب السياسية والاجتماعية المتضاربة في العالم الإسلامي: الشيوعية، والديمقراطية، وغيرها؛ وذلك لمساندة الشعوب المضطهدة. يضم الحزب فئات متعددة ليس فقط من حيث الانتماء الطائفي والطبقي، وإنما أيضاً من حيث الانتماء الفكري والمهني، حيث يضم رجال الفكر والعمل في الزراعة والصناعة وأصحاب المهن الحرة، ومن أهم أهدافه المناداة بقيام دولة لبنانية علمانية لا وجود للحواجز الطائفية فيها، مع احترام جميع الأديان والمعتقدات، وبناء المجتمع اللبناني على أسس ديمقراطية حيث يسود العدل والرخاء والحرية والسلام، وبحيث تكون حقوق الإنسان مكفولة. وقد ظل كمال جنبلاط يترأس هذا الحزب حتى اغتياله عام 1977م، حيث حلَّ محله نجله وليد جنبلاط، وهو رئيس للحزب حتى هذه اللحظة. حزب البعث العربي الاشتراكي: نشأ هذا الحزب عام 1951م، حيث ظهر بين المثقفين اللبنانيين وعدد من ممثلي الفئات الشعبية الذين يؤمنون بمبادئ الحزب القومية. ظل الحزب يعمل سرياً في الساحة اللبنانية حتى نهايات عهد الرئيس كميل شمعون، حيث أخذ بعد ذلك يعمل علناً شأنه في ذلك شأن الأحزاب اللبنانية الأخرى. ونتيجة للطوائف التي مرَّ بها حزب البعث في كل من سورية والعراق والانقسام الذي نشأ، انقسم حزب البعث العربي الاشتراكي اللبناني إلى قسمين، أحدهما مع سورية، والآخر مع العراق. الجماعة الإسلامية: ساعد على بلورة هذا التيار في لبنان لجوء الدكتور مصطفى السباعي (المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية) إلى لبنان عام 1952 خلال فترة حكم العقيد أديب الشيشكلي في سورية، حيث استطاع تأصيل الفكر الإسلامي الملتزم لدى صياغة دراسات فكرية وحركية ككتاب "اشتراكية الإسلام"، لكل من "جماعة عباد الرحمن" التي تشكَّلت في بيروت وكان قد أسسها الأستاذ محمد عمر الداعوق عام 1950، ولدى مجموعة من الشباب في طرابلس كان أبرزهم النائب السابق فتحي يكن. وقد تأكدت صلات هذا التيار الإسلامي اللبناني بحركة الإخوان المسلمين خلال زيارة المرشد العام للإخوان في مصر (حسن الهضيبي) إلى لبنان عام 1953، وانعقاد المكتب التنفيذي لقادة الإخوان المسلمين في مصيف بحمدون، حيث حضره إضافة إلى الهضيبي (مصر)، والسباعي (سورية)، ومحمد عمر الداعوق (لبنان)؛ كل من الشيخ محمد محمود الصواف (العراق)، ومحمد عبد الرحمن خليفة (الأردن)، وغيرهم. في عام 1956 تأسّس أول مركز لجماعة عباد الرحمن في طرابلس، وكانت الجماعة في بيروت تنشر فكرها وتوسع نطاق عضويتها دون أن تعتمد مساراً سياسياً محدداً، في حين كان مركز طرابلس يصدر مواقف سياسية من الصراع الداخلي اللبناني خلال فترة حكم الرئيس كميل شمعون ومن القضايا الإقليمية؛ كالموقف من الوحدة العربية ومشروع إيزنهاور وحلف بغداد والصراع العربي - الإسرائيلي، وأصدرت نشرات غير رسمية كمجلة "الفجر" عام 1957 و"الثائر" عام 1958. وعندما اندلعت أحداث 1958 وما صاحبها من فرز وطني وطائفي، كان لجماعة عباد الرحمن بطرابلس موقع سياسي وعسكري واضح، فأنشأت معسكراً للتدريب، وإذاعة "صوت لبنان الحر" التي كانت هي الوحيدة في الشمال حتى الشهور الأخيرة للأزمة، بينما اكتفت الجماعة في بيروت بدور اجتماعي إغاثي، تلا ذلك تشكيل جماعة جديدة تلبي تطلعات الحركة الإسلامية بشكلها الشمولي تحت مسمى الجماعة الإسلامية، وكان من قادة الجماعة أمينها العام المؤسس الشيخ فتحي يكن، إضافة إلى بقية المؤسسين، ومنهم: القاضي المستشار الشيخ فيصل مولوي (الأمين العام ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء)، الأستاذ إبراهيم المصري (نائب الأمين العام ورئيس تحرير مجلة الأمان)، والكاتب الإسلامي محمد علي الضناوي. وهكذا أبصرت الجماعة الإسلامية النور بشكل رسمي في 18/6/1964، حيث نالت موافقة وزارة الداخلية على تأسيس تنظيم إسلامي وفق القانون الأساسي والنظام المقدم إليها. تيار المستقبل: هو جمعية سياسية لبنانية أسّسها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وبعد اغتياله عام 2005 تسلم قيادتها نجله النائب سعد الدين الحريري. التيار يشكل العامود الفقري لتحالف 14 آذار بالتحالف مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب، ويدعو هذا التجمع إلى التعايش المشترك، ويؤمن بحرية وسيادة واستقلال لبنان، وينادي بإلغاء الطائفية السياسية وبوحدة أرض لبنان وبحق كل لبناني في الإقامة على أي جزء منها في ظل سيادة القانون. ويستغل هذا التجمع الذي ظهر خلال العشر سنوات الماضية بقوة اسم أهل السنة في الترويج لنظرياته وحلوله السياسية في لبنان. صناعة النخب السياسية حافظت الحكومات المتعاقبة في لبنان على التركيبة السياسية والاجتماعية القبلية والطائفية دون المساس بها أو تحديثها وفقاً لمتطلبات الواقع السياسي المتغيّر. ومن وجهة نظر الكاتبة في صحيفة النهار اللبنانية هدى رزق، فإن حكام لبنان سعوا إلى الإبقاء على عناصر هذه التركيبة وامتنعوا عن عصرنة المجتمع من أجل إعادة إنتاج سلطتهم. المسألة ذات الأهمية السياسية كانت الهندسة العشوائية للدوائر الانتخابية التي عززها اتفاق الطائف، وذلك من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس دوائر ذات أحجام مختلفة بدل اعتماد الدائرة الموسعة أو المحافظة، حيث يمكن للناخبين الذين ينتمون إلى طوائف عدة أن يختاروا في الدائرة الانتخابية الأوسع ممثلين ينتمون هم أيضاً إلى أكثر من طائفة. وفي هذا الصدد تذكر رزق أنه تم اتباع نهج انتقائي هدفه توجيه نتائج الانتخابات لتخدم ليس فقط هذا الزعيم المعين أو ذاك، بل حتى لتبلغ درجة خدمة طائفة أو منطقة بعينها على حساب طائفة أو منطقة أخرى. ويمكن اعتبار أن الدوائر الانتخابية هي الركيزة الأساسية في إفراز النخب السياسية وتحديد طبيعة عمل المؤسسات الحكومية في البلدان ذات الطبيعة الديمقراطية. في عام 2000 تحرَّر جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني وعاد الجيش الصهيوني إلى خط الهدنة 1949، وبعد وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد تولى بشار الأسد الحكم، وفي تلك الفترة جرت تعديلات في جدول السياسة السورية بزيادة دعم حزب الله في الجنوب اللبناني، وتعالت أصوات لبنانية مطالبة بنشر الجيش في الجنوب، وضرورة الالتزام بخط هدنة 1949. وكانت الأمم المتحدة قد اعتبرت أن الخط الأزرق هو خط الهدنة، وأصرّت على عدم لبنانية مزارع شبعا. ونشأ على غرار ذلك قطبان في لبنان، أحدهما يدعمه النظام السوري وهو حزب الله الذي نصَّب نفسه داعماً للمقاومة وزعيماً لجبهة الممانعة، والآخر تيار المستقبل الذي ترعاه السعودية، ودخل الطرفان مرحلة صدام راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح في شوارع بيروت. وكانت صورة مجلس النواب لعام 2005 قد استقرت على ثلاثة تكتلات كبيرة: تكتل أكثري يقوده سعد الحريري وجنبلاط مؤلف من 72 نائباً، وتكتل معارض بقيادة "أمل" و"حزب الله" مؤلف من 35 نائباً، وكتلة عون من 21 نائباً. وتجب الإشارة هنا إلى أن الاستحقاق الانتخابي لهذا العام يأتي ليطرح السؤال حول هوية الراعي الذي سيحل خلافات اللبنانيين حول قانونهم الانتخابي؟ هل فعلاً سيتفقون حول قانونهم أم أنهم سيؤجّلون الانتخابات في انتظار أن يأتيهم الترياق من الخارج؟ حكومة ميقاتي يقول الكاتب المختص في الشأن اللبناني عبد الوهاب بدرخان: مع بداية إرهاصات الثورة السورية وقبيل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، بدأت تظهر بعض العقبات، إذ لا يكفي أن تكون دمشق وطهران داعمتين لحكومته، فيجب أن يضمن قبول دول الخليج والدول الغربية الرئيسية حكومته ودعمها، تحديداً بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية السيئة التي كان يمر بها لبنان. ومع اندلاع الثورة السورية استغلت دمشق حكومة ميقاتي لتنفيذ أجندتها في الداخل السوري من خلال التضييق على الثوار والحصول على الدعم اللازم من الجماعات الشيعية في لبنان، سواء على المستوى الأمني أو الاستخباري؛ للتضييق على المعارضين السوريين الموجودين في لبنان واعتقال العديد منهم لتسليمهم ولمطاردة مهربي الأسلحة إلى الثوار في الداخل، أو على المستوى المالي بتقديم تسهيلات مصرفية وتجارية تخفيفاً لتأثير العقوبات الدولية، أو على المستوى السياسي. ولم يستبعد بدرخان حدوث فراغ في الحكم خلال ولاية رئيس الوزراء المكلف تمام سلام يستغلّه "حزب الله" للسيطرة على الدولة اللبنانية وفرض تعديلات على "اتفاق الطائف" أو الذهاب إلى "طائف" جديد، مع إمكانية احتمال التوصّل إلى صيغة حكومة "محايدة" ومصغّرة وتكنوقراطية ومحدودة العمر، تنحصر مهمتها بالإشراف على الانتخابات. ويرجح الكاتب أن يتم التوافق على حكومة وحدة وطنية في الفترة الحالية بسبب الضغوط التي تمارس على سورية والحرب الدائرة فيها، لا سيما مع وجود معادلة دولية جديدة يفرضها الضغط الغربي الممارس على طهران ودمشق ويؤثر بوضوح في السياسة المتبعة من قبل حزب الله. وتبقى لبنان بحراكها السياسي رهينة لتحركات الطوائف الدينية وملتزمة بما تمليه عليها الأطراف السياسية التي تتلقى الدعم الخارجي ولها علاقات مع أطراف دولية ذات طابع ديني أو طائفي، مع عدم نسيان أهمية لبنان كموقع سياسي ضمن دول الطوق العربي المحيطة بالكيان الصهيوني وأهمية إبقاء الصراعات الداخلية قائمة فيها للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني واستنزاف القوى السياسية اللبنانية في خلافاتها الداخلية، وتعزيز نفوذ الجهات الأكثر تصالحاً مع نظرية الشرق الأوسط الجديد الأمريكية على حساب أهل السنة الحقيقيين وليس أصحاب الشعارات السياسية التي تتاجر بقضية أهل السنة في لبنان.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/19 الساعة 07:45