تظاهرات إيران وأزمة ترمب.. هل تحرك المياه الراكدة؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/17 الساعة 09:37

الكاتب:  حازم عياد

لم يعلق الرئيس الامريكي ترمب بعد على التظاهرات والاحتجاجات التي عمت اغلب المدن الايرانية فهو منشغل بالمطلق بالشهود وشهاداتهم امام لجان الكونغرس وآخرهم السفيرة الامريكية السابقة في اوكرانيا ماري يوفانوفيتش حول مكالمته الشهيرة مع الرئيس الاوكراني زنليسكي بتهمة التحريض على هنتر نجل منافسة المتوقع في الانتخابات جو بايدن.
حساب الرئيس الامريكي ترمب مليء بالموضوعات والفيديوهات التي تتعامل مع شهادة يوفانوفيتش وكل ما يرتبط بها اذ تتوافر ايضا على تصريحات لوزير الخارجية الاوكراني لدعم رواية ترمب، غير ان ذلك لا ينتقص من اهمية التطورات في ايران اذ لم تمنع ترمب وانشغالاته في وقت سابق من التعليق على التظاهرات في العراق؛ اذ يتوقع ان يقدم ترمب تغريدة قريبا تعالج الموضوع وتشيد بعقوباته كسلاح ناجح وفعال مع طهران، تغريدة تظهر تعاطفا مع المحتجين على الارجح فترمب لن يفوت الفرصة للاشارة الى نجاح سياسته في التعامل مع طهران.
في المقابل لم تكد تخلو مدينة في ايران من مظاهر الاحتجاج والاعتراض على رفع اسعار البنزين ثلاثة اضعاف ما كان عليه؛ ليتضاعف سعر المدعوم منه الى (1500 تومان) اما البنزين العادي غير المدعوم فبلغ سعره 3000 تومان في حين بلغ السوبر 3500 تومان للتر الواحد. الرئاسة الايرانية اعلنت ان الهدف من رفع الاسعار يرجع الى الرغبة بإعادة توجيه الدعم المعيشي لـ 18 مليون اسرة ايرانية يعانون من الفقر (الفئات الضعيفة)، نافيا ان يكون الهدف دعم الموازنة العامة اذ لن تحول العائدات الى خزينة الدولة وموازنتها العامة وهو ما اكده علي لارجاني رئيس مجلس النواب الايراني.
التبرير المقدم من المجلس الاقتصادي ومن رئيس البرلمان علي لارجاني لم يمنع المحتجين في طهران من ايقاف سياراتهم في الشارع العام ولم يمنع من قوع صدامات مع الاجهزة الامنية؛ فرفع الاسعار قدم المبررات الكافية للايرانيين في مخلتف المدن للتظاهر والاحتجاجات لتبث الروح من جديد في تظاهرات «مشهد» قبل عامين من الآن. مدينة تمثل معقلا للمحافظين في البلاد تظاهرات قبل عامين بعد انهيار شركات عقار ومؤسسات استثمر فيها الايرانيون مدخراتهم يرجع اغلبها لمتنفذين في الحرس الثوري تم اعتقالهم ومحاسبتهم حينها.
رفع الاسعار رش الملح على الندوب الاقتصادية والجروح التي يعاني منها الايرانيون من الاهواز الى مشهد ومن همدان الى شيراز؛ تظاهرات في المجمل لم تحمل صبغة سياسية بعد اذ انها مقتصرة حتى اللحظة على قرار رفع اسعار الوقود بيد ان سرعة انتشارها من الممكن ان يؤدي الى توسع في المطالب ورفع للسقوف؛ سرعان ما ستحول الى تشتت وتبعثر يتناسب مع تبعثر وتعدد الاقاليم الجغرافية والعرقيات؛ فالشعارات التي توحد الايرانيين لن تطول.
التظاهرات لها ما يبررها من ناحية اقتصادية الا ان الطبقة السياسية في طهران ستتعامل معها باعتبارها تهديدا امنيا يمثل امتدادا للتظاهرات والاحتجاجات في العراق بل وفي لبنان؛ فعباس موسوي المتحدث باسم الخارجية الايرانية حذر في وقت سابق من الاسبوع الماضي من مخطط يستهدف نقل التظاهرات والاحتجاجات من العراق الى ايران، مستشهدا بتصريح للرئيس التركي اردوغان في اثناء زيارته المجر لم تثبت صحتها بعد قال فيها ان ما يحدث في العراق من الممكن ان يكون مخططًا له ان ينتقل الى ايران لتقويض استقرارها.
لاشك ان حجم الاحتفاء في وسائل الاعلام الامريكية كبير وكذلك الاسرائيلية؛ ولاشك ان هناك حالة من الابتهاج تسود في اوساط الادارة الامريكية التي راهنت بقوة على العقوبات الامريكية في الضغط على طهران وتقويض سياساتها في المنطقة؛ اذ سرعان ما سيحتفي ترمب بهذه الاحتجاجات ويوظفها في معركته الداخلية كإنجاز لإدارته.
رهان العقوبات على طهران والانسحاب من الاتفاق النووي واجه معارضة من الدول الاوروبية وروسيا ما يعطي الاحتجاجات في طهران وغيرها من المدن الايرانية ابعادا اقليمية ودولية تفوق في اهميتها الابعاد المحلية في ايران ذاتها فرغم النقاشات الهادئة في طهران من قبل الحكومة الا ان امكانية تطور الخطاب باتجاه التحذير من التدخلات الخارجية تعد ورقة رابحة للساسة.
فخطورة الاحتجاجات وداوفعها الاقتصادية مرتبطة بتركيبة النظام وبالعقوبات الامريكية اذ تمثل حلقة في سلسلة طويلة من التراكمات السلبية الناجمة عن الادارة الاقتصادية والعقوبات والتوترات الاقليمية؛ خصوصا انها تزامنت مع احتجاجات انطلقت في الاهواز بعد وفاة حسن حيدري احد شعراء المنطقة العرب بظروف غامضة.
في كل الاحوال فإن الاوضاع الاقتصادية في ايران باتت ضاغطة والحلول الحكومية بحسب ما تقدم به المجلس الاقتصادي الايراني ورئيس مجلس النواب ربما لم تقدم مبررات مقبولة في الشارع الايراني ما يوحي بإمكانية توسع الاحتجاجات وتطورها؛ فرغم ان طهران تمكنت من تجاوز الازمة الاقتصادية التي وقعت في مدينة «مشهد» وعدد من المدن الايراينة قبل عامين بنجاح الا ان الاوضاع المتردية والصعية لا زالت تتراكم لتمثل تهديدا سياسيا وامنيا في طهران امر يتطلب من طهران استجابة سريعة يصعب التنبؤ بطبيعتها؛ فالحلول الاقتصادية المقدمة لا تمثل حلا جذريا عميقا.
السؤال الذي المتولد عن انفجار الاحتجاجات في طهران وغيرها من المدن يتركز حول الكيفية التي ستعالج فيه طهران الازمة؛ والاهم من ذلك الكيفية التي ستستثمر فيها ادراة ترمب الاحتجاجات في ظل الازمة التي يعاني منها مع الكونغرس؛ فهل حركت التظاهرات المياه الراكدة بين واشنطن وطهران؟ وهل ستدفع كل من الازمة الاقتصادية في طهران والازمة السياسية في واشنطن ترمب وخامنئي الى احداث اختراق كبير في الملف السياسي؟ وهل بتنا على موعد قريب للقاء يجمع ترمب وروحاني؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/17 الساعة 09:37