ماذا فعلت الدولة بعبدالكريم الدغمي؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/14 الساعة 11:34
مدار الساعة - لقمان إسكندر - يدرك المحامي عبدالكريم الدغمي أن ماكينة طحن الشخصيّة الوطنيّة الأردنية لا تمزح. إنها تطحن كل من يقف أمامها. نخب رسمية وشعبيّة. قيادات أكاديمية واقتصادية، وحزبية ونقابية. الحق لا يسمح لهؤلاء الحصول على وصف "قيادي" سياسي أو اجتماعي، أو أو.. فجيء بـ "الدولة"، و"المعالي"، و"السعادة"، كتعويض. الجميع تحوّل إلى موظفين، يُعيّنون كالكل، ويتقاعدون أيضا. وهذا يصطدم مع فكرة "القيادي". ما يثبّته ابن المفرق أن الكل، هنا، قابل للطي داخل هذه الماكينة. ممنوع أن تكون رقماً وطنياً. لم يقل الدغمي هذا، لكنه اقترب منه. أما المطلوب فبروز شخصيات بمواصفات "السوق". تجار سياسة يبيعون ويشترون. فإن أحببت "فتفضّل على المعرض". يلخّص ابن المفرق، ذو الرابعة والستين عاما، "مواليد 1955م"، وسيرة ذاتية في العمل العام امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، حالة البلاد بكلمتين: "الإصلاح صعب". الأمر لا يحتاج إلى تقارير احتفاليّة، فإن كان من نهضة؛ فأضلعها من الكراهية. يقول لـ مدار الساعة: "الاصلاح صعب وسط "مجتمع كراهية" تذاب فيه القيادات، كما يذاب الملح. نهضة. أعني كراهية بجناحين؛ شعبي ورسمي. كل فاعل في منبره. هذا على "التواصل الإجتماعي"، وذاك في مراكز القرار. لا فرق. اذن، فما الحل؟ يجيب الدغمي: بتغيير قواعد اللعبة، فكلما امتدّ أمد الفتق؛ يتسع، وتزداد صعوبة المهمة على الراتق. عموما. تعالوا نحكي قصة أردني اسمه عبدالكريم الدغمي منذ البداية. معالي برتبة معارض. أولى المفاجآت التي تلقيناها لسياسي أردني يعيش في عام 2019 أنه لا يملك هوية الكترونية. اعني واتساب. وفيسبوك أيضا، ولا تويتر. فقط بضعة تطبيقات تقترب لتكون سرية لتسهيل مهمة التواصل عليه مع من يختارهم هو. هذا ما لدى الدغمي المتزوج وله ابنان واربع بنات: بريد الكتروني خاص بمكتبه، وهاتف ذكي أراده عبقريا فحذف عنه "التواصل"، وخدمة رسائل نصية. هذا كل شيء. "وهذا كثير". يقول. ما يعني ذلك أن تواصله بالشوكة والسكين، يتخيّره هو، من دون أن يفرض عليه المجتمع التواصل مع الكراهية. على أية حال، من يريد أن يتواصل وخلفه قبيلة إن بدأت بعدّها ستتعب ثم لن تصل. بني حسن ذات المليون. بإمكانك الاطلاع على قائمة طويلة من العمل العام لعبدالكريم الدغمي، في المناصب الحكومية، حيث الرابع وما أدراك ما الرابع، لكن الحيّز الذي يرى فيه الدغمي مقعده، هناك حيث العبدلي. وفي العبدلي مجلس يملّ عبدالكريم وهو يعدّد مآخذه، قبل أن يسكت برهة، ويختصر بالتالي: "لا إصلاح ولا تصليح". وزير للعدل ووزير للعمل ووزير للشؤون البلدية ووزير لشؤون رئاسة الوزراء، ونائب في العبدلي. هناك حيث تردد بين سقف القبة وبطنها لأكثر من خمسة وعشرين عاما. من المفرق إلى لبنان، ثم من لبنان إلى المفرق، سوى انه هذه المرة كان يحمل شهادة الحقوق. وهكذا مضى حتى الانتخابات النيابية 1989 للمجلس الحادي عشر، ذي الشؤون. وهنا بدأت خيوط الاقدار تتضح أمامه. فقد نجح حينها باعلى الأصوات. لم تكن تضاريس الطريق صعبة عليه. في الحقيقة الاقدار ستمهد له سبيلاً نحو "الرابع"، وقبل أن تحمل رئاسة الوزراء مسمى دوارها. لم يكن الامر حينها بحاجة الى الوقوف على الدوار، او اشارته. صار وزير بلديات وبيئة في حكومة مع مضر بدران، ثم وزير عمل "1990"، ثم في حكومة طاهر المصري وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء. منذ ذلك الوقت قرر الاستقالة، للتجهيز لانتخابات مجلس 12 فعاد مرة أخرى الى قبة العبدلي، باعلى الأصوات. بعد 30 عاماً من العمل العام، منها رئيس لمجلس نواب اعتنق الدغمي هذه الجملة: "الإصلاح صعب في الأردن". برغم انه لا يرغب ان يبدو متشائماً، لكنه يسأل مستنكراً: "كيف دولة بدها تتطور بالعمل السياسي ما دام العمل النيابي فردياً وقاصراً عن تحقيق برامج لكي تسير عليها الدولة؟". ما يثير الرعب أكثر ليس هذا بل في فردية العمل الوزاري، وانتفاء البرامجية عنه. يقول: "فردية النيابة معروفة لكن ماذا عن فردية العمل الوزاري"؟ كيف يسمح وزراء لجماعة منظمة تحت اسم حزب في العمل السياسي، استناداً إلى برنامج متكامل! هذا محال "العب مثلنا أو تنحى". سيقولون لك. ألم يقل الدغمي إنهم "تجار سياسة يبيعون سياستهم وفق احتياجات تاجر السوق"! ليس هذا وحسب. بالنسبة إلى الدغمي فإنه يشتهي لو تقوم الحكومات وفق منظومة حزبية. "حينها سأجبر على الدخول في حزب. لكن حتى ذلك الوقت فسيكون عليه الاشتباك مع مجتمع كراهية لا يحميه منه برنامج ولا كتلة ولا حزب. "لست متشائماً لكن هناك الكثير من الشد باتجاه اخذ الأردن الى مكان بعيد عن محيطه العربي". في هذه يتهم الدغمي سياسيين اطلق عليهم وصف: "محور واشنطن تل ابيب". عندما طلبنا منه تحديد هويتهم اكتفى بالقول: "مدَّعو الإصلاح والدولة المدنية، والمجتمع والدولة والمدنية منهم براء". لهذا كان من السهل على صاحبنا أن يشير إلى أكثر خطرين يخشاهما على الأردن: "الصهاينة غرب النهر، وحزبهم داخل الاردن". أو ما عُرف عنه قوله: "الحزب الصهويني في الأردن، ذو اليد الطولى هنا، وموجود في مفاصل الدولة، وتساعده بمهمته منظمات التمويل الاجنبي من جهات غربية".. "هؤلاء من يحاولون الاساءة للشخصيات الوطنية والقومية". تعالوا الآن نطرح هذا السؤال على صاحبنا: أين تتجه عربة الأردن منذ ثلاثين أو أربعين عاماً؟ يجيب، "العربة تتجه نحو الأسوأ". وهذه هي الملاحظات: - "نعمل انتخابات على أساس فردي. - نقول إننا نريد تطوير الأحزاب ونحن نقصيها. - اذا اردنا انتخابات برلمانية حقيقية، فلا بدّ ان تكون على أساس حزبي، وهذا هو الإصلاح السياسي. - الصح انتخابات على أساس حزب. - "اليوم كل الحق على الدولة". - من يحارب الأحزاب هي الدولة .. لو أرادت لصنعت نظام انتخابات حزبية فيجبر الناس "اللي مثلي" على دخول حزب"... لكن "الدولة تضحك على الناس. - منذ الثانية الأولى يبدأ الطخ على مجلس النواب، ولاحقا سيصدق ظن الناس بالنواب. - الحكومة مثل مجلس النواب على أسس فردية - البيان الوزاري كذب في كذب. - كل وزير يعمل على راسه
- كل وزير يريد ان يخترع العجلة من جديد، لكن وفق شروطه هو، والموظفون هم من يضعون له العصي ليقع. ويقع. - نحن نتخبط. - الاقتصاد إدارة موارد بامانة وهذا ليس موجودا - مجتمع الكراهية أشد بطشًا. - التواصل الاجتماعي كارثة، وهل أكثر من الاساءة لأسيرة وهي ما زالت في زنزانتها الانفرادية؟.. أنا رجل اعمل بالعمل العام اصيب وأخطئ، وأفهم أني معرّض للاساءة، رغم انه ليس نقد بل إساءة وتجريح شخصي، ولكن، "حتى الأسيرة وما زالت في قفصها"! - بل إن استعادة الباقورة قرار وطني تعرض له البعض بالاساءة اللفظية المسيئة. لا يستثني الدغمي النخب السياسية من كونها اعضاء فاعلين في مجتمع الكراهية. بل إنه يرى أنهم أشد فتكا. "بعملوك إن لم تكن من تيارهم سيخ شاورما كلما استوا قلبوه.. "كل طموح في الأردن تحته مئة حفرة، وفي كل طريق الف حجر". لكن الدغمي مضطر للصبر: "انا جاي برجلي على الموقع".
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/14 الساعة 11:34