رسائل أمنية هامة من ميدان الفوتيك والعسكر

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/07 الساعة 09:57

مدار الساعة - كتب: أنس صويلح 

 تبعث الدول من حين لآخر برسائل تعبر عن قراءتها للتحديات الداخلية والخارجية وموقفها من هذه التحديات التي تتشكل تبعاً للمرحلة، وظل الأردن بقيادته الهاشمية من أقدر الدول على اختيار توقيت ومضمون وشكل هذه الرسائل التي قد تأتي أحيانا بلغة سياسية حكيمة، وفي أحيان أخرى تكون حازمة وملوحة بلون الفوتيك والعسكر، وموجهة لكل من يهمه الأمر، ولا زالت لاءات الملك الثلاثة بما يتعلق بموقف الأردن من القدس حاضرة في الأذهان عندما أطلقها جلالته من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية.

وفي الأيام القليلة الماضية لفت انتباهي وبشكل كبير ما جاء به أحد أهم القادة الأمنيين في الأردن، المدير العام لقوات الدرك، اللواء الركن حسين الحواتمة، في الخبر صدر قبل ايام، أكد خلاله أن الأردن قويٌ بأهله وقيادته الهاشمية، وأن قوات الدرك تعمل بتوجيهات ملكية حكيمة، وتتخذ من القيم الأردنية الراسخة في إحقاق الحق أساسا لعملها في تعزيز سيادة القانون.

قد يمر هذا الخبر الأمني مرور الكرام على الكثير من القراء، لكنه لن يمر بذات الطريقة على المهتمين بمتابعة وتحليل الرسائل الأمنية، علماً بأننا تعودنا من مدير عام الدرك على توصيفات عميقة وفهم استراتيجي واضح، وهو من قاد المنظمة الدولية لقوات الشرطة والدرك على الصعيد الدولي، فضلاً عن قيادته لذراع الدولة القوي (قوات الدرك) لسنوات غير فيها الكثير من نمطية الجهاز وطابع عمله الأمني، يضاف إليها مساهماته الأدبية بمقالات ودراسات استراتيجية باللغتين العربية والإنجليزية، وبما يدل بأن ما يتحدث به الحواتمة لا يأتي من قبيل مجرد السرد، بل هي رسائل ودلالات من القائد الأمني الذي عودنا على الخوض فيما قد يتوارى عنه الآخرون بثقة وشجاعة.

الحواتمة جاء على ربط القيم الأردنية بالأمن، وهو ما يتفق مع ما ذهب إليه العديد من المفكرين الأمنيين لتوصيف الأمن على أنه «حماية القيم الجوهرية للدولة من التهديدات»، ولا شك أن ربط «القيم الأردنية» بالأمن يتفق كذلك مع الموروث الاجتماعي والثقافي الأردني، والذي ساهمت فيه قيمنا العربية بحفظ أمن المجتمع قبل، وأثناء، وبعد تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، بل أن ذات القيم ساهمت وبشكل كبير برسم ملامح أمننا الدولي في إطار العلاقات الدولية الاستراتيجية للأردن.

كما أن القيادة الملكية للمنظومة الأمنية الأردنية كانت حاضرة وبقوة وانطلق منها الحواتمة للحديث عن عزم الأردنيين ووفائهم، وهو ما يحمل دلالة تاريخية على عاملين أساسيين حددا التاريخ الأمني والدفاعي للمملكة، وشكلا درعها الواقي في أعقد الظروف، عندما مثّلت حكمة القيادة الهاشمية في التعامل مع الأزمات، والتفاف الأردنيين حولها المخرج الآمن نحو فضاءات ومراحل جديدة في عمر الدولة.

من جهة أخرى تحدث المدير العام لقوات الدرك عن معادلة أمنية يتجنب العديد من المسؤولين الخوض بها خوفاً من الفهم الخاطئ على الرغم من أهميتها، وهي رفض الاستقواء على الدولة من منطق أنه إن كان من الطبيعي أن نرفض الاستقواء على المواطن بذريعة حقوق الإنسان، فإن الاستقواء على الوطن كذلك مرفوض، وضمن الضوابط والمحددات القانونية التي تتيح التعامل مع أي محاولة في هذا الاتجاه.

وبالعودة للحديث عن القيم، فإن التلاعب بقيم وقناعات الأردنيين هو مظهر خطير من مظاهر الاستقواء، التي قد تمارس ضد مصالح الدولة لتغليب مصالح دول أخرى أو جماعات، وقد يجري هذا التلاعب بشكل ممنهج بأدوات القوة الناعمة المتسللة، للتأثير نحو التشدد والتطرف أو الانحلال وضياع القيم، أو حتى قيادة الفوضى، ورسالة الحواتمة تؤكد استعداد الدولة لهذا النوع من الاعتداء الذي يستهدف التلاعب بالثوابت والقناعات.

العديد من الرسائل لا بد من تحليلها لفهم تحديات مفصلية، تتعامل معها أجهزتنا الأمنية بعقلها قبل أدواتها المادية، وليس آخرها توجيه رسائل شديدة لمن يشكك في قوة الوطن وقدرته على مجابهة التحديات، ويزيد من قوة هذه الرسائل خروجها بلون الفوتيك من ميدان تدريبي هو عنوان الانضباط والرجولة والاستعداد، ويغص بالعسكر الذين يهتفون للوطن والقائد، مع تأكيدنا دوماً على أن رسائل الأمن والعسكر لا تقل أهمية عن رسائل السياسة والاقتصاد بل تفوقها أهمية في كثير من الأوقات.

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/07 الساعة 09:57