332 قضية ضد عاملين في الأمن العام أحيل منها 10 إلى محكمة الشرطة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 11:29

مدار الساعة - أطلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، التقرير السنوي الـ 15 عن حالة حقوق الإنسان في الأردن في العام الماضي 2018.

المفوض العام للمركز موسى بريزات، أشار إلى أنه خلال العام الماضي، سجّلت 332 قضية بحق العاملين في مديرية الأمن العام، و107 شكاوى تعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية.

وفي قضايا الرأي، أشار التقرير إلى أنه تم إيقاف 168 شخصاً على خلفية المادة 11 من "الجرائم الإلكترونية" من أصل 1821 شكوى.

التقرير يشمل مقدمة وثلاثة فصول، وعدد من الملاحق خاصة بالشكاوى وطلبات المساعدة المقدمة للمركز وموجز بأبرز إنجازات المركز في العام 2018م، وفق بريزات.

يعالج الفصل الأول الحقوق المدنية والسياسية والتي تشمل : الحق في الحياة والحرية الشخصية والأمان الشخصي ، والحق في محاكمة عادلة ، والحق في حرية الرأي والتعبير ، وحرية الصحافة والإعلام، والحق في الوصول الى المعلومات ، والحق في التجمع السلمي، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، والحق في التنظيم النقابي ، والحق في الجنسية والإقامة والتنقل.

أولاً : الحق في الحياة والأمان الشخصي والحرية الشخصية
أودت الحوادث المؤسفة الناجمة عن الفيضانات في منطقة البحر الميت ومادبا والمناطق الصحراوية بحياة أكثر من 30 شخصاً عام 2018 ، وكانت حادثة البحر الميت حيث أودت السيول بحياة 21 شخصاً ، ابرز تلك الحوادث قد كشفت عن هشاشة البنية التحتية في مناطق عديدة من البلاد ، وضعف الإستعدادات لحالات الطوارئ ، وبطء الإستجابة من الأجهزة المعنية ؛ يقابل ذلك بروز دور مقدر للجهود الفردية لدى أفراد من جهاز الدفاع المدني والمواطنين العاديين الذين فقد بعضهم حياته وهم يحاولون إنقاذ أطفال المدرسة في حادثة البحر الميت . وكان عدد من توفوا في حوادث الغرق المختلفة عام 2018م هو 101 وإصابة 84 . وقضى 143 مواطناً بالإنتحار حسب مصادر الأمن العام .

ويأتي في المرتبة الثانية من حيث إنتهاك الحق في الحياة عقوبة الإعدام حيث تم إيقاع 23 حكماً بالإعدام لم ينفذ أياً منها بعد ، في حين تم تخفيف هذه العقوبة في 5 قضايا جراء العفو العام .

والى جانب حالات الوفاه نتيجة الحوادث المختلفة هناك مسألة التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة .

فقد تلقى المركز 107 شكوى ادعى فيها مواطنون أو ذويهم لتعرض أشخاص محتجزين أو سجناء للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والقاسية أو المهينة على أيدي موظفي إنفاذ القانون سواء في مراكز التوقيف الأولي أو مراكز الإصلاح والتأهيل . وبالرغم من أن ممارسة التعذيب ليس سياسة ممنهجة لدى المؤسسات الأمنية إلا أن هناك دلائل على أن الضرب والمعاملة القاسية واللاإنسانية بشكل خاص تمارس بشكل واسع في إدارات معنية في مديرية الأمن العام ، لاسيما إدارتي البحث الجنائي ومكافحة المخدرات. ويغيب التحقيق المستقل في إدعاءات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والقاسية والمهينة التي ترد إلى المركز ويتم مخاطبة مديرية الأمن العام بشأنها ، وهناك قراءة مجتزأة لمفهوم التعذيب حسب المادة 208 من قانون العقوبات الأردني بافتراض القصد الخاص ، وهو الحصول على المعلومات من الشخص ضحية التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية ... الخ . ومن الجدير بالذكر أن مجموع القضايا المسجلة بحق العاملين في مديرية الأمن العام عام 2018م حسب مصادر الأمن العام قد بلغت 332 قضية أحيل منها فقط 10 قضايا الى محكمة الشرطة ، وتقرر منع محاكمة المشتكي عليها في 240 قضية ، بينما بقيت 31 قضية لم يُبت بها خلال العام المذكور .

وقد تمكن المركز الوطني لحقوق الإنسان من توثيق 4 حالات تعذيب تم مخاطبة مدير الأمن العام بها ، ولم يتلقى المركز إجابات قاطعة بعد بشأنها ، من جهة أخرى يواجه المركز صعوبة التحقق من معظم إدعاءات التعذيب بسبب تأخر وروود البلاغات سواء من الضحايا مباشرة أو ذويهم ، وعادة لا يتسنى زيارة هؤلاء لفترات مما يؤدي إلا زوال أي أثار في حال تعرضهم لأي شكل من أشكال التعذيب .
على صعيد أخر يسجل المركز الوطني تعاون مكتب الشفافية وحقوق الإنسان في المديرية مع المركز بشكل عام في مجال معالجة شكاوى المواطنين إلا أن مسألة غياب التحقيق المستقل بشكاوى التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية ، وتأخر العلم بحالات التعذيب والوصول الى الضحايا تجعل من قدرة المركز الوطني على تقدير حجم ظاهرة التعذيب والمعاملة القاسية على يد كوادر الأمن العام بشكل دقيق تبقى مصدراً للقلق ولا بد من الاستمرار بضرورة إجراء تحقيق مستقل في هذه الإدعاءات .
ويعتبر التوقيف الإداري بموجب قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954م ابرز الممارسات التي يطبقها الحكام الإداريون ، حيث بلغ عدد الموقوفين إدارياً علم 2018م 37683 نزيلاً مقارنة بـ347952 عام 2017م .

وكانت نسبة كبيرة من هؤلاء قد تم توقيفهم إدارياً بعد أن قضوا العقوبة التي صدرت بحقهم عن محاكم نظامية . وقد أثارت مسألة التوقيف الإداري وإرتفاع أعداد الموقوفين جهات حقوقية ورقابية عديدة بمن فيها مجلس النواب من خلال لجنة الحقوق والحريات في المجلس .
وكان المركز قد خاطب الجهات المعنية بمن فيهم مدير الأمن العام بجميع هذه الإنتهاكات ، كما نفذ عشرات الزيارات الرصدية لمراكز التوقيف الأولي ونظارات المحاكم ومراكز الإصلاح والتأهيل ومركز التوقيف في دائرة المخابرات العامة حيث وافقت الإدارة على تنفيذ فريق المركز الوطني لحقوق الإنسان زيارات لهذا المركز غير معلنة أو مبرمجة مسبقاً ، وكان – باستثناء طول أمد التوقيف لعدد من الأشخاص – متواءم مع المعايير العالمية لمراكز الإحتجاز والتوقيف .

ثانياً : الحق في محاكمة عادلة
رغم تنفيذ عدد من المبادرات والخطوات في مجال تحسين عمل القضاء وتسريع وتيرة التقاضي وسرعة البت في القضايا والسعي لتقليل اللجوء إلى و/أو إطالة أمد التوقيف القضائي من خلال تطبيق مبدأ العقوبات البديلة وتعديل بعض التشريعات ذات المساس بمتطلبات شروط المحاكمة العادلة ، إلا أن عدد من أوجه القصور لا تزال قائمة مثل : تولي الأمن العام في مراكز التوقيف المؤقت مهام التحقيق بدلاً من الإكتفاء بسماع إفادة الموقوف ، والتحقيق في معظم الأوقات مع المحتجزين في غياب محامي ، وعدم عرض الموقوف على الطبيب فور القاء القبض عليه ، وتوقيف الصحفيين وتكييف الفعل الجرمي من قبل مدعي عام أمن الدولة وفي قضايا إطالة اللسان بشكل خاص بشكل مغاير لطبيعة الفعل المقترف أو الصادر عن المتهم استناداً الى المادة 195/1و2 ومحاكمة أشخاص بموجب المادة 3/ ب، و ه ، و جـ من قانون الإرهاب بالتلازم .

وكان المركز قد استقبل ما مجموعه 44 شكوى عام 2018م تتعلق بالتجاوز على شروط المحاكمة العادلة تمحورت حول طول مدد التوقيف القضائي ، ورفض طلبات إخلاء السبيل لنشطاء الحراك وغيرهم ، والتظلم من بعض الإجراءات القضائية ومحاولة التأثير أو التدخل في سير القضايا ( وفي الحالة الأخيرة لم يكن بالإمكان التثبت من هذه الإدعاءات ) .

ثالثاً : الحق في التنقل
تركزت الشكاوى التي استقبلها المركز على حجز وثائق سفر مواطنين والمنع من السفر لعدد من الأشخاص رغم نفي دائرة المخابرات العامة المتكرر لجوئها لمثل هذا الإجراء ، لكن ما هو ثابت أن مواطنين لم يتمكنوا من متابعة السفر وأُعيدوا من المطار أو الحدود الربية وبعضهم سحبت وثائق سفرهم أو قدومهم وطلب منهم مراجعة الدائرة.

وتتركز غالبية الشكاوى بشأن التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطة من الكرامة في إدارتي البحث الجنائي ومكافحة المخدرات ومركز إصلاح وتأهيل موقر 2 حيث تكررت حالات الإحتجاج أو الإضراب عن الطعام أو التلويح بذلك من قبل وارتفعت نسبة الشكاوى بسبب معاملة النزلاء في هذا المركز ، وكونه سجن شروطه وظروفه الإحتجاز فيه قاسية .

وفي مرحلة ما اضطر المركز الوطني لمخاطبة دولة رئيس الوزراء للتدخل لدى إدارة الأمن العام للتخفيف من حدة الإجراءات القاسية في هذا المركز حيث يخضع النزلاء لمعاملة قاسية هناك إضافة الى الأحكام طويلة الأمد الصادرة بحقهم .

وقد زار ذووا هؤلاء النزلاء المركز غير مرة طلباً لتدخله لتخفيف الإجراءات التي يخضعون اليها حيث أن مجرد الإقامة بحد ذاتها في هذا السجن عقوبة والإقامة فيه أكثر من 90 يوماً إنتهاكاً للمعايير العالمية الخاصة بحقوق السجناء ؛ إذ لا يجوز أن يقضي فيه السجين أكثر من 90 يوماً . وقد أمكن بتدخل رئيس الوزراء في مناسبة في تخفيف حدة الاحتقان لدى نزلاء مركز الموقر 2 وبالتالي تجنب إضراباً عن الطعام كان النزلاء عازمون على تنفيذه .

رابعاً : حرية الرأي والتعبير

لم يكن عام 2018م عاماً مثالياً لحرية الرأي والتعبير بأشكالها المختلفة ، فقد تم توقيف ومحاكمة العشرات جراء ممارسة الحق في التعبير عن الرأي ، سواء بالكتابة والنشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي أو بتنفيذ وقفات إحتجاجية سلمية للمطالبة بحل مشكلة الفقر والبطالة ، وبتعديل قوانين غير دستوريه ومحاربة الفساد بشكل أكثر فعالية ، لاسيما الفساد الكبير وإطلاق سراح موقوفين من نشطاء الحراك الشعبي والنقابات المهنية.

وشهد الأردن ظاهرة المسيرات الطويلة سيراً على الأقدام التي قام بها متعطلون عن العمل من محافظات العقبة ومادبا والمفرق والطفيلة والكرك للوصول إلى الإعتصام أمام الديوان الملكي .

وشملت عملية التوقيف صحفيين وإعلاميين ، وبلغ عدد القضايا المرفوعة نتيجة إرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية أو المواقع الإلكترونية أو نظم المعلومات الأخرى وتنطوي على مساس بالكرامة والحقوق الشخصية خلافاً للمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية 1821 قضية وعدد الموقوفين بسببها 161 شخصاً .

أما عدد القضايا بموجب المواد 191 ، 195 ، 150 من قانون العقوبات لسنة (1960م) فقد بلغت 757 قضية وعدد الموقوفين فيها 130 شخصاً حسب إحصاءات الأمن العام .

وتم توقيف ومحاكمة 85 شخصاً بجرائم تراوحت بين مناهضة نظام الحكم أو التحريض على مناهضته أو القيام بأعمال من شأنها تعريض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صفو العلاقات بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال إرهابية ، أو ارتكاب أعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو الإخلال بالنظام العام خلافاً لأحكام المادة 149/1 من قانون العقوبات ، والمادتين 2 و3 /ب و ه من قانون منع الإرهاب .

وجرى تهديد الموظفين الذين شاركوا بوقفات إحتجاجية أو اضرابات دعت اليها النقابات المهنية احتجاجاً على قانون الضريبة العتيد لعام (2018م) من رؤسائهم بإيقاع عقوبات تأديبية بحقهم ، وأصدر مدراء في مؤسسات معينة مثل دائرة المواصفات والمقاييس تعاميم تتوعد من يشارك من الموظفين في الوقفات الإحتجاجية ضد مشروع قانون الضريبة قبل إقراره بإجراءات تأديبية ، ما يعني مصادرة حق المواطنين بالإحتجاج السلمي أو بالإضراب .

وقامت أجهزة إنفاذ القانون بفض غير وقفة إحتجاجية عام (2018م) بالقوة ، بأمر من محافظ العاصمة وتوقيف أشخاص شاركوا في وقفات إحتجاجية خلال العام ومطالبتهم بتوقيع كفالات عدلية بمبالغ مرتفعة تصل في أقصاها الى 200.00 الف دينار .
وبذات السياق جرى منع عدد من الفعاليات " ابرزها فعالية إشهار التحالف المدني الديمقراطي وفعاليتين للمنتدى الناصري الديمقراطي ، وفض إعتصام لمجموعة من المزارعين تم إقامته بالقرب من مجلس الأمة ومنع إقامة محاضرة للنائبة هدى العتوم حول حقوق المرأة . وتم توقيف أكثر من صحفي .

وجرى اسناد جرائم تتعلق بالمطبوعات والنشر لـ 401 شخصاً تمت إدانة 225 شخصاً منهم .

وتم حجب 40 مطبوعة الكترونية لعدم حصولها على الترخيص اللازم ، بينما بلغ عدد المطبوعات الإلكترونية التي تم ترخيصها 25 مطبوعة للعام 2018م ، وتم حظر النشر خلال هذا العام في قضية البنك الوطني لتمويل المشاريع الصغيرة لمنع الإضرار بسير التحقيق ، وبالقضية المعروفة بقضية الدخان من قبل محكمة أمن الدولة .

على صعيد أخر قامت حكومة د. عمر الرزاز بسحب مشروع قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونية من مجلس النواب في أول أسابيع من تشكيلها بهدف مراجعتها حيث وقعت بشأنه إحتجاجات واسعة ، لكن سرعان ما إعادته الى المجلس مع تعديلات جديدة لم يجر بشأنها أي مشاورات مع المجتمع المدني . وكانت مسألة تعريف خطاب الكراهية أبرز الإضافات إلى مسودة هذا التشريع حيث جاء النص الجديد في مسودة القانون مطابقاً بشكل كامل للنص الوارد وفي المادة 150 من قانون العقوبات مع إضافة عبارة " أو الدعوى للعنف " .

وتضمن المشروع مواداً أخرى تمس حرية التعبير .

وقد قدم المركز الوطني ملاحظات بشأن هذا التشريع المقترح .

وسحبت الحكومة أيضاً مشروع قانون معدل لقانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات .

وكانت الحكومة قد فتحت النص الجديد لمشاركة واسعة من الخبراء والمهتمين بمن فيهم المركز الوطني لحقوق الإنسان وتم تقديم عدد من الإقتراحات لتجويد النص وليصبح جعله منسجماً بدرجه كبيره مع الدستور والمعايير الدولية الا أن النص الجديد لا يزال ينتظر قرار تقديمه الى مجلس الأمة .

وكان للمركز الوطني ملاحظات جوهرية حول قانون العفو العام الذي صدر بنهاية العام 2018م لاسيما شمول الجرائم المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وجريمتي الترويج لأفكار جماعة إرهابية وتعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية وتقويض نظام الحكم ، أو التحريض على مناهضته .

ولم يتم الأخذ بأي من مقترحات المركز .

ومع ذلك يسجل المركز إرتياحه لأخذ مجلس الأمة والحكومة ببعض المقترحات المتعلقة بذم هيئة رسمية وجريمة إطالة اللسان والجرائم المتعلقة بالمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية .

خامساً : الحق في التجمع السلمي
ابرز سمه لعام 2018م إذا ما تعلق الأمر بحقوق الإنسان هي كثافة الإحتجاجات السليمة ، حيث إجتمعت ثلاثة عوامل رئيسية لتجعل من هذا الحق ربما العنوان الأبرز للعام 2018م ؛ ، وهذه العوامل هي : تفاقم قضايا الفساد لاسيما الفساد الكبير وتواضع جهود مكافحته ، ، تعثر مسيرة الإصلاح السياسي ، تراجع الحقوق الإقتصادية بشكل يثير القلق ، حيث ارتفعت نسبة البطالة مترافقة مع تواضع جهود محاربة الفقر وتراجع مستوى الخدمات العامة ، خاصة خدمات الصحة والتعليم ناهيك عن مشاكل النقل العام المزمنة . طبعاً رافق ذلك تفاقم مسألة المديونية وعجز الموازنة العامة وتخلي الدولة عن دورها الريعي – وهو توجه صحيح – لو رافقه برامج حماية اجتماعية فعالة كما تقتضي الحاجة .

ويمكن إضافة عامل أخر لهذه العوامل وهو الظروف الإقليمية والدولية التي ضاعفت من حالة القلق والشعور والإحباط لدى المواطن بشأن ، ليس فقط الواقع ، بل والمستقبل .

إزاء هذه الأوضاع الداخلية والخارجية كان من الطبيعي أن يلجأ المواطنون الى وسائل التعبير السلمية للفت الإنتباه الى هذه الحالة .

لذلك عمت البلاد موجه من الإحتجاجات العامة السلمية والإعتصامات والإضرابات والمسيرات الشعبية شملت العاملين في المؤسسات العامة والرسمية والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والطلبة ونشطاء الحراك ولو أنها كانت بفترات متفرقة ، ووتيرة غير منتظمة .

ولاحظ المركز ان السمة السائدة لتلك الاحتجاجات كانت المطالبة بتغيير السياسيات والنهج معاً دون أن تجد الصدى المأمول لدى المسؤولين . لا بل يمكن الإستنتاج من ردود فعل السلطات وأجهزة إنفاذ القانون أن التوجه السائد كان التضييق على تلك النشاطات وتحين الفرص لإجهاضها وتوقيف وسجن عدد من قيادي هذه الحراكات بجرائم متفاوته. وساعد الأجهزة في هذا الشأن عدة عوامل أبرزها : وجود ثغرات في التشريعات الناظمة للعديد من الحقوق المدنية والسياسية وحتى الاقتصادية التي تحرك هذا النشاط الاحتجاجي والتي تعطي السلطات الصلاحية لتوقيف الأشخاص لاسيما اولئك الذين يخرجون عن حدود القانون في هتافاتهم أو منشوراتهم .

فعدد من هذه القوانين غير دستوري وغير متوائم مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، ثم لجوء اشخاص إلى رفع شعارات انفعالية احياناً وإطلاق تهم وعبارات بحق اشخاص في مواقع المسؤولية وبمستويات مختلفة وبشكل يمثل في حالات محددة المس بالشخصية للأخرين بما في ذلك إطالة اللسان على رأس الدولة وأسرته.

واللافت ان الادعاء العام لمحكمة أمن الدولة يبادر أحياناً في حالات إلى تعديل الجرم المنسوب بإضافة تهمة تقويض نظام الحكم و/ أو مناهضته الى ما يعتبر إطالة اللسان أو قدح وذم ما يعني منح محكمة أمن الدولة إمكانية النظر بهكذا قضايا بموجب مبدأ التلازم الجرمي ؛ وبهذا يمكن توقيف المتهمين مدد طويلة وتصنيفهم كسجناء خطرين ، وبالتالي وضعهم في ظروف سجنية قاسية أحياناً .

ولأن الجهات الرسمية بقيت بشكل عام بعيدة عن الإصغاء لشكوى المواطنين والتجاوب مع طلباتهم وتبني نهج الإحتواء لهذه الاحتجاجات و/أو العمل على إجهاضها حتى لا تتطور أو تتوسع إلى حراك شعبي عام ورافق ذلك حصول تجاوزات من أجهزة إنفاذ القانون ، وإن كانت بأسلوب مدروس لتحاشي خلق حالة سخط عامة في أوساط المجتمع لكن دون تغيير جوهري في القوانين والسياسيات التي تحرك هذه الاحتجاجات .

لذلك لم تنجح جهود الحكومة التي تركزت على عملية إدارة الانتهاكات فقط ، مما أدى إلى إتساع فجوة الثقة بين الدولة والمواطنين .

ورافق ذلك قصور في برامج تحفيز الاقتصاد وزيادة الإنتاجية وجلب الاستثمار الخارجي التي تبنتها الحكومات المتعاقبة ، وتخل الحكومة عن ولايتها العامة، وتزايد الشكوك لدى المواطنين حول برنامج الخصخصة التي طالت معظم الأصول بغياب الرقابة الشعبية والنيابية أثناء تنفيذ تلك العمليات الكبيرة ، وظهور حالات فساد كبرى جديدة أبرزها ما يعرف بقضية الدخان، ولم تقنع الرواية الرسمية حول الأشخاص الذين كان لهم دور أو مساهمة في هذه القضية الفعليين الرأي العام أو تنجح في كبح كثير من الشائعات والروايات حول رموز هذه القضية مما زاد من وتيرة النقد ومن الإحتقان الشعبي .

وظهرت اشاعات وروايات كثيرة حول مآل مئات وربما الألاف الدونمات من الاراضي الأميرية والحرجية لاسيما في ضوء قانون الملكية العقارية الجديدة ، ووردت للمركز شكاوى عدة من مجموعة من المواطنين بإسم تحالف العشائر يريدون معرفة الحقيقة حل الواقع القانوني لما يعرف بإراضي الدولة وتسجيل مئات الدونمات بأسماء أشخاص متنفذين حسب إدعاء أصحاب الشكاوى .

وبشكل عام أدى ضعف إجراءات الحكومة في معالجة تراجع الخدمات العامة والتعليم والصحة والعمل والنقل والعجز البائن في معالجة مشاكل الفقر ومحاربة الفساد الى إرتفاع وتيرة الإحتجاج السلمي وزيادة حدة الإنتقادات للسلطات مما تسبب في زيادة المواجهة بين المحتجين وأجهزة إنفاذ القانون وبالتالي زيادة نسبة التوقيف والحبس والتضييق على الحريات العامة ؛ فأصبح عجز الحكومة عن الوفاء بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمواطنين والتباطؤ في مكافحة الفساد الكبير مصدراً لتقييد كثير من الحقوق المدنية والسياسية ، لاسيما حرية التعبير والحق في التجمع السلمي والتنظيم النقابي المستقل وحق العمال في الإضراب وحتى الموظفين الحكوميين .

واقترنت تلك العوامل مع ظروف اقليمية ودولية تتناقض مع تطلعات الاردنيين وطموحاتهم، وكانت السلطات احياناً تأخذ من من هذه التطورات والمشاريع والخطط أو المخططات الدولية والإقليمية مبرراً للتضييق على الحريات العامة ، لاسيما الحق في الاحتجاج والتجمع السلمي بإسم الحفاظ على الأمن والأمان وتجنيب البلاد مصير دول مجاورة إنهار فيها النظام العام !

II

دفعت هذه مجتمعة المركز ان يقوم بمراجعة جذرية لواقع حقوق الإنسان لمعرفة الاسباب الكامنة وراء عدم امكانية حدوث انفراج حقيقي في هذا المجال طيلة الفترة الماضية من وجوده رغم ما قدم من توصيات ومقترحات واقعية طيلة السنوات السابقة والتي أوعز جلالة الملك في مرحلة سابقة بدراستها وتنفيذها .

وكانت الأمانة العامة التي رصدت هذه التطورات على مدار العام قد رفعت مسودة التقرير السنوي لمجلس الأمناء حسب القانون الذي قرر بدوره أن ينظر في أسباب غياب إنفراج حقيقي في واقع حقوق الإنسان في المملكة ، لا بل حصول ما يمكن وصفه بانتكاسة حقوقية عام 2018م .

واعتمد المجلس في مراجعته مسودة التقرير وفي مقاربته لحالة حقوق الإنسان في الوطن على ما جاء في الدستور من نصوص تضمن الحقوق والحريات العامة للمواطنين وتحدد الاطار المرجعي للعلاقة بين السلطات وادوارها ، وما التزمت به الدولة من صكوك دولية تتعلق بحماية وتعزيز حقوق الإنسان ، وما جاء في قانون المركز ، لاسيما بشأن الأهداف المقررة هذا الأخير ووسائل تحقيق هذه الأهداف . ومن الطبيعي أن يكون لتجربة المجلس المتراكمة - بعد مضي أربع سنوات ، هي مدة دورة المجلس الرابع دورها في كيفية قراءة المشهد الوطني العام من منظور حقوق الإنسان .


فحقوق الإنسان تمارس في بيئة وطنية قوامها الظروف والمعطيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثفافية السائدة دون تجاهل البيئة الخارجية - الإقليمية والدولية الضاغطة ، لاسيما في حال دولة كالأردن .
وكان قانون المركز الذي يحدد للمجلس دوره وللمؤسسة مهامها ومسؤولياتها هو البوصلة التي وجهت رؤية مجلس الأمناء الرابع وهو يقوم بمراجعة حالة حقوق الإنسان لعام 2018م وفي ضوء تجربة طويلة نسبياً للمؤسسة ذاتها وللمجلس . فالقانون رقم 51 (2006م) وتعديلاته حدد اهداف المركز على الشكل الآتي :

1- حماية تعزيز حقوق الانسان باستلهام رسالة الاسلام السمحة واستناداً الى ما تضمنه الدستور من حقوق وواجبات .

2- ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان على صعيد الفكر والممارسة .

3- تعزيز النهج الديمقراطي في المملكة لتكوين نموذج متكامل ومتوازن يقوم على اشاعة الحريات وضمان التعددية السياسية، واحترام سيادة القانون لاسيما الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

فرضت هذه النصوص نفسها على طبيعة الرؤية التي يرغب مجلس الأمناء بلورتها في هذا الشأن فأصبحت هذه العلاقة هي الإضاءة النطلوبة على طريق إعداد الصيغة النهائية للتقرير الخامس عشر لاسيما العلاقة العضوية بين تلك الاهداف خاصة بين مهمة تعزيز حقوق الإنسان وبين مسؤولية بناء النموذج الديمقراطي المتوازن الذي يقوم على اشاعة الحريات وضمان التعددية السياسية واحترام سيادة القانون .

لذلك جاء بتحليل موضوعي لمجمل العوامل التي تعترض التقدم في تحقيق هذه الاهداف ليقوده مثل هذا التحليل إلى القناعة بأن هناك اسباباً كامنة في بنية المجتمع والدولة والنظام حددت مصير غالبية المبادرات العديدة التي تم تبنيها وأثرت في الجهود المبذولة لتجاوز كثير من العقبات التي تعترض تحقيق الاصلاح السياسي المنشود والذي يعتبر الحاضنة الفعلية للارتقاء بواقع حقوق الإنسان في المملكة .

وبهذا يكون قانون المركز قد وفر المدخل لحل إشكالية حدوث إنطلاقه فعلية في منظومة حقوق الإنسان الوطنية . من خلال التكامل بين تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها الهدف الأول من أهداف المركز وتعزيز النهج الديمقراطي وبناء نموذج ديمقراطي يضمن التعددية السياسية واحترام سيادة القانون في الدولة يمكن فقط الإرتقاء بحالة حقوق الإنسان في المملكة .

لذلك قاد هذا التحليل الموضوعي والمدفوع بالتزام وطني اخلاقي ومهني الى النتيجة المنطقية وهي انه لابد من تحديث وتطوير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية التي تشكل ركائز النظام السياسي من اجل احداث الإصلاح السياسي والاقتصادي المنشود والذي يشكل ليس فقط الحاضنة المواتية لإحداث انطلاقه فعلية في حالة حقوق الإنسان ، بل وربما يمثل طوق النجاة لخروج الأردن – مجتمع ودولة – حالة اللايقين التي يعيشها الأردنيون .

ولم يكتف التقرير بوصف ظواهر حالة حقوق الإنسان وعلاقتها بالبنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية السائدة ، بل قدم في مقدمته قراءة متأنية ورصينة للأسباب الكامنة وراء الازمة التي تعيشها البلاد وقدم أفكاراً عملية وفي صميم الحالة للتعامل مع المأزق الذي يمسك بالوطن وبحالة حقوق الإنسان في ذات الآوان .

فأشار في هذا الصدد الى أبرز التحديات التي لا بد من التعامل معها لخلق بيئة مواتية لأحداث إنطلاقه فعلية في مسيرة حقوق الإنسان وذلك على النحو الآتي :

1- تبني مستوى من الإدارة والتخطيط الإستراتيجي الحقيقي المستند الى معلومات دقيقة حول الإمكانات والتحديات .

2- الوصول إلى توافق وطني بشأن ما يمثل الأساسيات للدولة المشار اليها أنفاً والتي يقود غياب التوافق الوطني بشأنهاالى هشاشة اللحمة الوطنية والتفتت المجتمعي الحاصلين ، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع ، وبروز التوجهات السلبية بين صفوف المواطنين ، وخاصة فئة الشباب منهم ، والخوف من التوجهات الأيدولوجية والعقدية لأحزاب مما دفع البعض للتحفظ على مشاركتها في إدارة شؤون الدولة في حكومة برلمانية ، وبالتالي تكريس الجهود لإقصائها وإقصاء قوى وطنية كثيرة وغيرها ؛ ناهيك عن حالة الإستقطاب المجتمعي التي تبرز عند أي منعطف حقيقي أو مبادرة إصلاحية جوهرية !
3- إستعادة الهدف الوطني الجامع الذي يجسد تطلعات المواطنين وطموحاتهم ويكون جوهر وموضوع السياسات العامة والإستراتيجيات الوطنية للخروج من فخ التناقض القائم بين أولويات العامة من المواطنين وأولويات الفئة المتنفذة ومصالح النخبة التي تقف وراء هذه الفئة .

4- إنهاء تركز السلطة بيد مجموعة محدودة أو أقل من الأشخاص وتفرد مؤسسة وحيدة في قيادة المرحلة وضبط إيقاع حركة المجتمع والإصرار على حصر دور المؤسسات الدستورية - التمثيلية والتنفيذية وحتى القضائية - في إطار نهج وحيد وخيارات محدودة ومحددة سلفاً .

5- القناعة بعدم كفاية الإصلاح الإقتصادي بمفرده (على أهميته وضرورة العمل من أجله ) حتى لو أمكن الوصول اليه وبشكل يحقق الرفاه ويرفع سوية الخدمات العامة ويعالج تحديات الفقر والبطالة ويعيد للطبقة الوسطى اعتبارها ومكانتها و(هذا أمر غير متاح للأردن في المدى المنظور ) ، لذلك لا بد من إقتران هذا الإصلاح الإقتصادي بآخر سياسي وجوهري رديف .

6- وضع الدولة على طريق إقامة نظام ديمقراطي ناجز وتعددية سياسية فعلية بحيث يمكن إزالة كافة الإنتهاكات والعقبات ( التي تم بيانها في ثنايا هذا التقرير) والتي تعرقل هدف الإحترام التام لحقوق الإنسان في الأردن وتزيل أسباب إتساع الفجوة بين الدولة والمواطن.

بريزات قال لـ "المملكة"، إن التقرير الجديد، يناقش الأحوال بشكل عام في ضوء حالة إحباط سيطرت على المجتمع الأردني ..."، لافتا إلى "ارتفاع الشكاوى في مجال التوقيف الإداري في التقرير".

"لا يوجد دولة في العالم تخلو من الانتهاكات"، أضاف بريزات، موضحا أنه "من اللافت للنظر التوقيف الإداري والشكاوى من الإهانة والضرب والمعاملة القاسية وتراجع الخدمات في الصحة والتعليم ومعالجة الفقر ... ".

وأوضح بريزات أن المجلس "يتلقى يوميا من 10- 15 شكوى يجري متابعتها مع المشتكي".

المركز الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية ذات نفع عام، يتمتع باستقلال مالي وإداري وبشخصية اعتبارية، ويمارس مهامه وجميع الأنشطة والفعاليات المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك الرصد واستقبال الشكاوى، بموجب القانون رقم (51) لسنة 2006م وتعديلاته وباستقلال كامل.

المملكة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 11:29